بتنظيم من وزارة المالية السعودية وصندوق النقد الدولي، انطلق أمس الأحد مؤتمر العُلا لاقتصادات الأسواق الناشئة، في قاعة “مرايا” بمحافظة العُلا، واختتمت أعماله اليوم الاثنين، بعدما حقق أهدافه بتعزيز الحوار والتعاون لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه الأسواق الناشئة في ظل التحولات الهيكلية للاقتصاد العالمي.
ضم المؤتمر نخبة من صنّاع القرار والخبراء من أنحاء العالم كافة، وتناول محاور رئيسية عدة شملت السياسات النقدية والمالية، ودور التقنية والذكاء الاصطناعي في دعم التنمية الاقتصادية، وإدارة الديون السيادية، إضافة إلى مناقشة أهمية الشراكة الدولية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وكان جدول أعمال المؤتمر حافلاً في اليوم الأول، بدأ بكلمة افتتاحية، تلتها جلسة رئيسية تناقش “الأسواق الناشئة في ظل التحولات الهيكلية للاقتصاد العالمي”، وفيها ناقش المشاركون التحديات الناتجة عن الصدمات الخارجية والضبابية الاقتصادية، وتأثير الديون المرتفعة والتحولات التكنولوجية على السياسات الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: المؤتمر الدولي الرابع للمركز السعودي للتحكيم التجاري 2025
وفي الكلمة الاقتتاحية، أبرز وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أهمية تأسيس إطار عالمي لإعادة هيكلة الديون السيادية، مشيراً إلى أنّ تحسين الظروف الاقتصادية للأسواق الناشئة يمكن أن يساهم في توفير تريليون دولار على مستوى العالم، وفقاً لتقارير البنك الدولي.
وقال الجدعان: “سنستكشف سبل معالجة التحديات المشتركة التي نواجهها لبناء اقتصاد عالمي أقوى وأكثر استدامة وشمولاً لجميع الدول والشعوب”.
بدورها، أكدت كريستالينا غورغيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، في كلمتها، على تزايد أهمية الفرص الاقتصادية العابرة للحدود، لافتةً إلى ضرورة التكيف مع هذه المتغيرات، وقالت: “علينا البحث عن أفكار جديدة لتعزيز أداء الأسواق الناشئة، نحن ندرك تماماً مسؤوليتنا في هذا السياق وسنواصل العمل مع شركائنا لضمان مستقبل اقتصادي مستقر ومزدهر للجميع”.
اقرأ أيضاً: تدشين مشروع بوابة المدينة في مدينة المعرفة الاقتصادية
وشارك كل من الحاضرين بكلمته في مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة، فوزير المالية الإيراني عبد الناصر همتي أشار إلى أن الهدف الرئيسي من المؤتمر هو تعزيز المرونة بين الأسواق الناشئة وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول.
وأعرب محافظ البنك المركزي التركي فاتح كاراهان عن استعداد البنك المركزي لمواجهة المخاطر الناجمة عن خفض أسعار الفائدة، بينما أكد وزير المالية القطري علي بن أحمد الكواري على وجود فرص عديدة في الأسواق الناشئة، لافتاً إلى دول مثل مصر والمغرب.
من جهته، ذكر وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف أن بلاده جاهزة لإعادة هيكلة ديون الدول الأجنبية، وشدد على أهمية فهم الدول لمشاكلها الاقتصادية، وأضاف أن السياسة المالية المسؤولة هي مفتاح تقليل المخاطر الاقتصادية، لكن تنفيذها يواجه تحديات عدة، مثل تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، خاصة في وقت الأزمات.
أما محافظ البنك المركزي الصيني بان غونغ شنغ، فأكد أن الصين ستتبنى سياسة مالية استباقية وتسهيل السياسة النقدية لتعزيز التعديلات على التدابير السياسية لمواجهة الدورة الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: الصين والسعودية: تكامل ما بين «الحزام والطريق» و«رؤية 2030»
وعلى هامش المؤتمر، عُقدت طاولة مستديرة جمعت وزراء مالية دول المنطقة، ووزير خارجية سوريا أسعد الشيباني، ورؤساء المؤسسات المالية الدولية، حُدِّدت فيها أولويات لدعم اقتصادات المنطقة المتضررة من الصراع، مع التركيز على سوريا.
وخلصت قرارات الاجتماع على ضرورة إجراء تشخيص مستمر للتحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتقييم الاحتياجات الإنسانية وإعادة الإعمار، إضافة إلى تعزيز تنمية القدرات من خلال مبادرات سريعة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما تم التأكيد على الحاجة إلى تعبئة المساعدات المالية من المجتمع الدولي لتمويل برامج الإصلاح.
وعلى هامش المؤتمر أيضاً، وقعت الحكومة اليمنية أمس اتفاقية لإعادة هيكلة ديونها مع صندوق النقد العربي، وجاءت هذه الاتفاقية في إطار البرنامج الاقتصادي المدعوم من قبل السعودية، والذي تبلغ قيمته مليار دولار.
واختتمت فعاليات اليوم الأول بجلسة حول “مرونة النظام المالي في الأسواق الناشئة”، والتي ركزت على سبل تعزيز الاستقرار المالي في مواجهة التحولات الاقتصادية العالمية.
اقرأ أيضاً: توقعات الاقتصاد السعودي في عام 2025
ومع إشراقة شمس اليوم الاثنين 17 فبراير 2025، استأنف مؤتمر العُلا لاقتصادات الأسواق الناشئة أعماله، في جلسة حيوية تحت عنوان “التعامل مع التوترات التجارية وحالة عدم اليقين”، استعرض المشاركون فيها التأثيرات الناتجة عن التحديات الجيوسياسية على التجارة والاستثمار في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن مناقشة السياسات اللازمة لتعزيز تدفقات التجارة والاستثمار.
وشهدت الجلسة مشاركة مهمة من وزراء مالية من دول مختلفة، بينهم أديبايو أولوال إيدون من نيجيريا، ونادية فتاح من المغرب، وسيرجي مارشينكو من أوكرانيا، حيث تبادلوا وجهات نظرهم حول السبل الممكنة للتكيف مع التغيرات العالمية وتعزيز التعاون الاقتصادي في ظل الظروف الحالية.
وفي جلسة حول “الإنتاجية في اقتصادات الأسواق الناشئة: التحديات والفرص”، نوقشت آفاق النمو والتحديات التي تواجه هذه الاقتصادات، إضافة إلى الفرص الناتجة عن التحولات الاقتصادية مثل الذكاء الاصطناعي، شارك في الجلسة وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم، وسانتياغو ليفي من معهد بروكينغز، وفيديريكو ستورزينغير، وزير التحول الحكومي الأرجنتيني.
وخلال الجلسة، أكد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي أن استراتيجية المملكة بشأن الابتكار وتنويع الاقتصاد قد نجحت في جذب الاستثمارات وتحقيق الزخم المطلوب، وأشار إلى تطلع السعودية لأن تكون في مقدمة الدول الداعمة للتقنية وبناء المعرفة، حيث يفتح الانتقال من الدخل المنخفض إلى المتوسط آفاقاً جديدة للنمو.
كما أوضح الوزير الإبراهيم أن الابتكار الإبداعي يبدأ من القطاع الخاص، مع وجود استراتيجية طويلة الأمد للذكاء الاصطناعي تم تعديلها لتواكب التطورات، وأكد أن المملكة تمتلك قدرة تنافسية عالية تجعلها جزءاً رئيسياً من سلاسل القيم العالمية، مشيراً إلى أن قرار ولي العهد محمد بن سلمان الجريء بإطلاق الإمكانات الكاملة للاقتصاد يعكس التفكير بعيد المدى للخروج من الاعتماد على النفط.
اقرأ أيضاً: الأسبوع الثقافي السعودي في قطر ينطلق
وفي الجلسة الختامية للمؤتمر، أكد وزير المالية السعودي على ضرورة أن تثبت اقتصادات الدول الناشئة أهميتها ودورها على الساحة الدولية، وبيّن أهمية المؤتمر في إيصال أصوات هذه الدول إلى المؤسسات العالمية، كما دعا إلى ضرورة العمل لحل المشكلات التي تواجه الاقتصادات المتقدمة، لافتاً إلى قدرة الخبراء في المكتب الإقليمي لصندوق النقد الدولي بالرياض على تقديم المساعدة في هذا السياق.
وبهذا، وبعد يومين على التوالي من المناقشات وتبادل الرؤى والأفكار، اختُتم مؤتمر العُلا لاقتصادات الأسواق الناشئة بنجاح، حيث شكّل منصة قوية للتعبير عن تحديات وتطلعات الاقتصادات الناشئة، وأضافت إليه التجربة السعودية في التحول والنمو قيمة نوعية للمناقشات، ومع استمرار هذه المبادرات، يبدو أن المستقبل يحمل فرصاً واعدة لتعزيز التعاون والتفاهم العالمي في المجال الاقتصادي.
اقرأ أيضاً: السعودية تتوقع نمو اقتصادها غير النفطي في 2026