مع أيام الشتاء القارس التي تعيشها سوريا، تجد البلاد نفسها في مواجهة أزمة طاقة خانقة نتيجة توقف إيران المفاجئ عن تصدير النفط الخام إليها، وهو ما أدى إلى تعطيل مصفاة بانياس، الأكبر في البلاد، عن العمل، وهذا القرار الإيراني المفاجئ أثار تساؤلات عديدة حول البدائل المتاحة أمام سوريا لمواجهة هذه الأزمة، ليظهر دور المملكة العربية السعودية كخيار جديد يحمل في طياته العديد من الأبعاد السياسية والاقتصادية.
منذ انفجار الأزمة في سوريا عام 2011، اعتمدت سوريا بشكل كبير على إيران التي كانت تزودها بنحو 80 ألف برميل يومياً من النفط الخام، خاصة خلال السنوات الماضية التي شهدت فرض عقوبات غربية قاسية على دمشق، ومع توقف هذه الإمدادات، أكد مدير مصفاة بانياس أن الكميات المخزنة من الوقود ساعدت في الحفاظ على استقرار نسبي، لكنه حذر من أن استمرار العمليات يتطلب وصول النفط الخام بشكل عاجل.
في هذا السياق، أعلنت السعودية نيتها تزويد سوريا بالنفط لتعويض النقص الناتج عن توقف الإمدادات الإيرانية، وهذه الخطوة تأتي في توقيت حساس للغاية، حيث تشهد سوريا مرحلة انتقالية بعد سقوط السلطة السياسية وهروب الرئيس بشار الأسد الذي حكم البلاد بالتوريث لعقدين ونصف، ما يفتح الباب أمام إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
ومن جهة أخرى، تسعى السعودية من خلال هذه الخطوة لتعزيز دورها كفاعل إقليمي يسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة، خاصة في ظل التنافس الإقليمي مع تركيا وإيران على النفوذ داخل سوريا .
اقرأ أيضاً: السعودية: الاعتداءات الإسرائيلية على سورية «انتهاك صارخ» للقانون الدولي
وتركيا، التي تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي ودور محوري في المنطقة، قد تجد نفسها مستفيدة من هذا التحول، فمع غياب النفوذ الإيراني في سوق الطاقة السوري، يمكن لأنقرة أن تلعب دوراً بارزاً في سد الفجوة وتلبية احتياجات سوريا من الوقود، كما أن تركيا قد تجد في هذه الأزمة فرصة لتعزيز دورها في إعادة إعمار سورية، وهو ما أشار إليه بعض الخبراء باعتباره عنصراً حاسماً في تحقيق الاستقرار المستقبلي للمنطقة.
من جانب آخر، تبدو المرحلة المقبلة في سوريا مرهونة بقدرة الحكومة الانتقالية على إدارة موارد البلاد بفعالية وضمان تنويع مصادر الطاقة، بما يقلل من الاعتماد على طرف واحد، كما أن التوجه نحو تعزيز التعاون الإقليمي ورفع العقوبات المفروضة يمكن أن يسهم في تسهيل استيراد النفط وقطع الغيار اللازمة لإعادة تشغيل المصافي.
أزمة توقف إمدادات النفط الإيرانية تضع سوريا أمام اختبار حقيقي لقدرتها على تجاوز تداعيات الصراع الطويل وبناء نظام طاقة أكثر استقراراً وفعالية، ودخول السعودية كمصدر بديل للنفط يُعد فرصة لتعزيز التعاون الإقليمي، لكنه يطرح في الوقت ذاته تساؤلات حول مدى استعداد الحكومة السورية الجديدة لاستغلال هذه الفرصة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً لقطاع الطاقة في البلاد.
وفي ظل تصاعد الأحداث السياسية وتزايد الانتهاكات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، تؤكد المملكة العربية السعودية مجدداً رؤيتها الثابتة تجاه قضايا الأمة وحق الشعوب في الأمن والسيادة، ومع استمرار هذه التجاوزات، تُبرز الرياض موقفها الواضح بالدعوة إلى وقف هذه الانتهاكات، معتبرة أن القضية لا تقتصر على استهداف الأراضي فحسب، بل تشمل كرامة وطن ووحدة أمة بأكملها.
وأعربت السعودية عن رفضها الشديد لقرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي توسيع المستوطنات في الجولان المحتل، واعتبرت أن هذه الخطوة تُشكل عائقاً أمام تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا .
اقرأ أيضاً: التطورات السورية محور لقاء السعودية مع بيدرسون
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، دعت المملكة المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم تجاه هذه الممارسات الإسرائيلية، مشددة على ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأكد البيان أن «الجولان جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية والعربية المحتلة».
وكان قد ناقش وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، مستجدات الملف السوري خلال لقاء جرى قبل أيام، وأوضحت وزارة الخارجية أن الخطوات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك السيطرة على المنطقة العازلة واستهداف الأراضي السورية، تُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية، وتعكس نوايا الاحتلال في تقويض الجهود السورية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة البلاد.
هذا وجددت المملكة دعوتها للمجتمع الدولي لاتخاذ موقف واضح وصارم ضد هذه الانتهاكات، مؤكدة أهمية احترام السيادة السورية ووحدة أراضيها، ومشددة على أن الجولان سيبقى جزءاً لا يتجزأ من الأراضي السورية المحتلة.
اقرأ أيضاً: رحيل الأسد يطلق العنان لأفراح السوريين في الرياض