في ظل عالم يتسم بتغيرات متسارعة وتحولات جيوسياسية واقتصادية، يبقى النفط عنصراً محورياً في رسم ملامح المشهد العالمي، وفي هذا السياق، أعلنت منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» عن توقعات جديدة تشير إلى نمو مستمر في الطلب العالمي على النفط، خاصة مع حلول عام 2026.
وهذا النمو المتوقع، الذي يقدر بحوالي 1.43 مليون برميل يومياً، يعكس تطورات ديناميكية في أسواق الطاقة، مدفوعة بارتفاع استهلاك الوقود في وسائل النقل، وتزايد السفر الجوي، واستمرار نمو التنقل الدولي والمحلي.
وعلى الرغم من تلك التوقعات الإيجابية للنمو، شهدت تقديرات «أوبك» لزيادة الطلب العالمي في العام 2024 تعديلاً طفيفاً من 1.61 مليون برميل يومياً إلى 1.5 مليون برميل يومياً، أما بالنسبة لعام 2025، فقد حافظت المنظمة على توقعاتها بنمو الطلب بمقدار 1.45 مليون برميل يومياً، مما يعكس صورة أكثر استقراراً للسوق النفطية، وإن كانت متأثرة بتباطؤ ملحوظ في الصين، التي لطالما اعتُبرت محركاً رئيسياً للنمو العالمي في الطلب على الطاقة.
وفي موازاة ذلك، شهد إنتاج روسيا من النفط انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 4.2% خلال العام الماضي، حيث بلغ 9.17 مليون برميل يومياً مقارنة بـ9.57 مليون برميل يومياً في عام 2023، وهذا الانخفاض يأتي في إطار التزام روسيا باتفاقيات «أوبك بلس» التي تهدف إلى تحقيق استقرار السوق.
اقرأ أيضاً: «أوبك بلس» يشكر السعودية ويمدّد التخفيضات حتى 2026
وبالرغم من ذلك، سجل إنتاج روسيا في ديسمبر 2024 مستوى تجاوز قليلاً حصتها المقررة في الاتفاقيات، مع تعهد موسكو بتعويض أي زيادة في الإنتاج خلال الأشهر اللاحقة.
ومع استمرار التوترات في السوق العالمية، شهدت أسعار النفط تقلبات مدفوعة بالمخاوف من تأثير العقوبات المفروضة على الناقلات الروسية، وقد سجلت العقود الآجلة لخام برنت زيادة طفيفة لتصل إلى 80.08 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 77.76 دولار للبرميل.
وهذه التحركات السعرية تعكس حالة من الحذر والترقب بين المتعاملين، وسط مخاوف من اضطرابات محتملة في الإمدادات على المدى القصير.
اقرأ أيضاً: ثلاث دول ملتزمة بالتخفيضات و«أوبك بلس» أوائل ديسمبر
وقد أشار محللون إلى أن العقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسية قد تؤدي إلى تضييق الإمدادات العالمية، خاصة إذا واجهت الناقلات صعوبات في تسليم الشحنات، كما أن التقارير حول انخفاض المخزونات الأمريكية الأسبوع الماضي أضافت زخماً لتحركات الأسعار، حيث سجلت مخزونات الخام انخفاضاً بنحو 2.6 مليون برميل، في حين ارتفعت مخزونات البنزين و نواتج التقطير.
وفي خطوة تهدف إلى تحقيق استقرار أكبر في السوق، أعلن تحالف «أوبك بلس» عن تمديد تخفيضات الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً حتى نهاية عام 2026، مع تمديد تخفيضات طوعية إضافية من قبل ثماني دول أعضاء حتى مارس 2025.
وهذه التدابير، التي تقودها المملكة العربية السعودية، تعكس استراتيجية واضحة لضمان التوازن بين العرض والطلب على مدى السنوات المقبلة.
اقرأ أيضاً: السعودية تتأهب للتخلي عن هدفها المتعلق بسعر النفط
وقد أكد التحالف أن قراراته تأتي في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى مواجهة تحديات السوق وتعزيز الاستقرار طويل الأمد، ومن بين هذه الإجراءات، منح الإمارات العربية المتحدة إذناً بزيادة إنتاجها بمقدار 300 ألف برميل يومياً ابتداءً من أبريل 2026، مما يشير إلى مرونة في التعامل مع الاحتياجات الوطنية للدول الأعضاء.
ومع توقعات بنمو مستمر في الطلب، واستراتيجيات مدروسة لتحقيق الاستقرار، يبدو أن «أوبك» وشركاءها في «أوبك بلس» يسعون بجدية لضمان استدامة هذا القطاع الحيوي في وجه التحديات المستقبلية، لكن مع ذلك، يبقى السؤال: إلى أي مدى ستتمكن هذه السياسات من تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية للدول المنتجة وضمان استقرار السوق العالمية في ظل تغيرات لا تهدأ؟