في مشهد سياسي استثنائي يعكس تحولاً تاريخياً في موازين العلاقات الإقليمية، تسير السعودية وإيران بخطوات ثابتة نحو صفحة جديدة من التعاون والتقارب تحت مظلة الوساطة الصينية، فهذا التحرك، الذي تجاوز حدود المصالحة التقليدية إلى بناء شراكة متعددة الأبعاد، يحمل بين طياته أصداء مستقبل واعد يعيد تشكيل الخارطة السياسية في المنطقة، ويرسم ملامح حقبة جديدة من الاستقرار والتنمية.
وفي قلب هذه الديناميكية، تبرز الصين كلاعب محوري يجمع بين ثقلها الدولي ودورها كجسر للتواصل بين قوتين إقليميتين لطالما شهدتا توترات ممتدة، فما الذي تحقق حتى الآن؟ وكيف يمكن لهذه الجهود أن تصمد أمام التحديات الراهنة وتُحدث تأثيراً مستداماً في مشهد إقليمي يفيض بالأزمات والتغيرات؟
وفي التفاصيل، أعلنت الصين استعدادها لمواصلة دعم وتشجيع المبادرات التي اتخذتها السعودية وإيران لتعزيز علاقاتهما في مختلف المجالات، وبعد مرور عشرين شهراً على إعلان المصالحة التاريخية واستئناف العلاقات بين البلدين بوساطة صينية، أكدت السعودية وإيران التزامهما التام بتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 10 مارس 2023، مع الإشادة بالدور البارز الذي تلعبه الصين في هذا السياق.
وجدد الطرفان التزامهما بتنفيذ بنود الاتفاق بعد اختتام الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية المشتركة بين السعودية والصين وإيران، والذي عُقد في الرياض برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، وبحضور نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي ونائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، إذ شدد الجانبان على أهمية الالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما يعزز مبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.
كما أشادت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية الإيرانية، الذي أسهم في توفير فرص للتواصل المباشر بين المسؤولين من كلا البلدين على جميع المستويات، مشيرة إلى أهمية هذه اللقاءات في ظل التحديات الإقليمية الراهنة التي تهدد استقرار المنطقة.
اقرأ أيضاً: اللقاء الأوّل من نوعه منذ عقود بين السعودية وإيران
وفي السياق ذاته، أعربت الدول المشاركة عن ترحيبها بتطور الخدمات القنصلية بين السعودية وإيران، والتي أتاحت لأكثر من 87 ألف حاج إيراني أداء مناسك الحج، إضافة إلى 52 ألف زائر لأداء العمرة خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري.
وشملت الاتفاقات المبرمة مؤخراً توقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية في إيران، بالإضافة إلى عقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية الإيرانية المشتركة، وأبدى الطرفان رغبتهما في توقيع اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي، مع تأكيد تطلعهما لتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية.
كما دعت الدول الثلاث إلى وقف العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان، وأدانت الهجمات الإسرائيلية التي انتهكت سيادة الأراضي الإيرانية، مطالبة باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى المناطق المتضررة، ومشددة على أن تصاعد العنف يشكل تهديداً لأمن المنطقة والأمن البحري.
وجددت الدول الثلاث دعمها للحل السياسي الشامل في اليمن، بما يتماشى مع المبادئ الدولية وبرعاية الأمم المتحدة.
هذا وحققت السعودية وإيران خطوات ملموسة في تعزيز العلاقات، شملت إعادة فتح السفارات وتعزيز التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد، وكانت إيران قد أعادت فتح سفارتها في الرياض في يونيو الماضي، ووصفت هذه الخطوة بأنها بداية صفحة جديدة من التعاون الثنائي والإقليمي تهدف لتحقيق الاستقرار والازدهار.
اقرأ أيضاً: هل ستتأثر العلاقات السعودية الإيرانية بعد فوز ترامب؟
وفي زيارة رسمية إلى العاصمة الإيرانية طهران أجريت مؤخراً، كان قد التقى الفريق الأول الركن فياض الرويلي، رئيس هيئة الأركان العامة السعودي، بنظيره الإيراني اللواء محمد باقري، حيث بحث الجانبان سبل تعزيز التعاون الثنائي بين المملكة العربية السعودية وإيران في المجالين العسكري والدفاعي، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار الإقليمي.
وجاءت هذه الزيارة بناءً على توجيهات القيادة السعودية، وفي إطار الجهود المشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين، تماشياً مع روح «اتفاق بكين» الذي يهدف إلى تعزيز التنسيق لتحقيق المصالح المتبادلة.
وفي كلمته خلال اللقاء، أشار اللواء باقري إلى إمكانية تطوير التعاون بين القوات المسلحة في البلدين، مشيداً بأهمية تبادل الخبرات في المجالات الدفاعية والتعليمية والرياضية، وأعرب عن أمله في أن تشارك البحرية السعودية في المناورات البحرية الإيرانية المستقبلية.