الأغنية السعودية، من لم تطربه ويستأنس بألحانها ويستمتع بكلماتها التي تعانق الموسيقى السعودية فتبعث بسامعها السلطنة والطرب، فمع التوازي مع اليوم العالمي للموسيقى، جرى استحضار مسيرة الأغنية السعودية، فهذه المسيرة ليست مجرد توثيق لنغمات وأصوات، بل سجل حي لتحولات المجتمع وتطوراته وخزان لثقافته، وانعكاس عميق لهويته المتجددة. فمنذ أول صوت دوّى في فضاء الحجاز مطلع القرن الماضي على يد الشريف هاشم العبدلي، بدأت الأغنية السعودية تخط مسارها الخاص، لتصبح شاهداً على التحولات الثقافية والاجتماعية والفنية للبلاد.
لنتعرف عن ماذا يعبر هذا التراث الفني والثقافي العريق، والذي يختزل هوية ثقافية لشعب كامل، ماذا تحمل الأغنية السعودية بين ألحانها؟
تاريخ الأغنية السعودية وأشهر مؤدييها
مزيج من الأهازيج والقصائد، تلك هي الأغنية السعودية، مرت بمراحل وتطورت وأصبحت تُلحّن وتصاغ كلماتها كنغمات على الآلات الموسيقية، ويؤديها الكثير من المطربين والمطربات، ليصبح فن الغناء أحد أوجه الهوية الثقافية في المملكة.
في مراحلها الأولى عكست ملامح الهوية الثقافية والوجدانية للمجتمع، وخاصة الفترة ما بين 1319-1324هـ/1902-1906م في الحجاز، والتراكم الحضاري للمنطقة ساعد جداً في ذلك، وقاد تلك المرحلة الفنان الشريف هاشم العبدلي وهو يصنف أول فنان سعودي قدم نماذج غنائية بصوته وبالآلة التي عزف عليها وهي العود.
ورغم تعارض تقديم الأغاني في تلك الفترة مع طبيعة المجتمع المحافظ، لكن العبدلي تابع تقديم فنه، ورغم كل التحديات خلق مساحة فنية جمعت مؤيدين لهذه الثقافة، كما أسهم في ولادة جيل آخر حمل عن الشريف هاشم تلك المبادرات التي أقدم عليها، وطورها على نحو أفضل مما كانت عليه وكان ذلك في الفترة من عام 1343-1359 هجري.
وأحرزت تجددها في بداية الستينات، فخلعت ثوب اللحن الواحد لتتفرع إلى عدة ألحان وتركيبات متنوعة، ليتبعها في السبعينات احتضان واهتمام بالمجال الغنائي وتطويره من قبل جهات ثقافية وفنية في البلاد، ومن فناني تلك الفترة: طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وأبو بكر سالم.
لتتابع توسعها في الثمانينات الميلادية، وذلك ببروز الفنان عبدالمجيد عبدالله، إلى جانب مولد النشيد الوطني السعودي الرسمي “سارعي للمجد والعلياء”، وهو من كلمات الشاعر الغنائي إبراهيم خفاجي، أما التسعينات شهدت ظهور مجموعة من الأصوات السعودية، منهم: راشد الماجد ورابح صقر وخالد عبدالرحمن. لتنتشر في هذا مطلع هذا القرن وتتوسع بكافة أنحاء العالم ويصبح لها جمهور خارج المملكة يضاهي ما بداخلها.
اقرأ أيضاً: معرض صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون: صيف 2025
أبرز أنماط الموسيقى والفن الشعبي المكون للأغنية السعودية
التنوع الثقافي والاجتماعي لمناطق المملكة المختلفة ساهم بتعدد أنماط الموسيقى الشعبية وأساليب الغناء التقليدي، التي تتناقل عبر الأجيال وتؤدي دور أساسي في تشكيل الهوية الثقافية.
فالموسيقى الشعبية في السعودية تمثل وسيلة للتعبير عن القيم المجتمعية والمناسبات الهامة. فهناك العديد من أنماط الموسيقى والغناء الشعبي التي تميز كل منطقة فيها وتروي حكايات عن حياة المجتمع السعودي.
فالمواويل من أقدم أنواع الغناء الشعبي في السعودية، يطغى عليها طابعها الحزين، حيث تعبر عن مشاعر الحنين والفراق.
ويؤدي المغني الموّال بطريقة مرتجلة، حيث يعتمد على صوت منفرد يعكس المعاني العميقة للقصائد. أما الألحان فهي بسيطة وتؤدى بدون إيقاع، ما يجعل التركيز أكبر على الكلمات والتعبير الصوتي. والمواويل جزء من الشعر الشعبي وتستخدم للتعبير عن المشاعر المختلفة.
أما السامري، يعتبر أحد أنواع الغناء الشعبي في السعودية، موطنه منطقة نجد. يتميز بإيقاعه البطيء والكلمات العميقة التي تتناول مواضيع متنوعة من الحب والفراق. يؤديه مجموعة من الرجال والنساء جالسين في حلقة، ويعتمدون في الأداء على أدوات موسيقية بسيطة كـ”الطار” الذي يُستخدم لإنتاج إيقاع خاص.
يعكس السامري الوجه الاجتماعي من الموسيقى السعودية، إذ أنه يُعبر عن الوحدة والتلاحم بين أفراد المجتمع، وهو حاضر بقوة في الأفراح والمناسبات الاجتماعية.
اقرأ أيضاً: فنون سعودية معاصرة تتألق في معرض «فن المملكة»
دعم الأغنية الموسيقى السعودية وتنميتها
قد أحدثت هيئة الموسيقى في المملكة، وتعتبر الجهة المسؤولة عن دعم الموسيقيين في البلاد، وتقديم الدعم الكامل من ضمن قائمة أعمالها، إلى جانب اكتشاف وتنمية المواهب ثم تمكينها.
وأُنشئت الهيئة بقرار من مجلس الوزراء عام 1441هـ/2020م، وتعمل على إنشاء البنية التحتية للثقافة الموسيقية في البلاد، ثم تحويل الموسيقى لقطاع يسهم في الاقتصاد المحلي، عبر سلسلة من التنظيمات، كانت بدايتها بإنشاء مراكز تعليم الموسيقى، ومن ثم قيادة العروض الثقافية الحيّة، مع تنظيم التسجيلات الموسيقية عبر دعمها وترويجها، والأهم التركيز على إحياء الفلكلور والموسيقى السعودية والعمل على تعزيز مشاركتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
كذلك من مبادرات هيئة الموسيقى، إنشاء فرقة وطنية للموسيقى، لتمثيل المملكة في المحافل الموسيقية الإقليمية والعالمية.
ختاماً، الأغنية السعودية تراث حي وألحان خالدة تحوي بين دندناتها عبق الهوية والتراث السعودي، فالأغنية ليست مجرد كلمات مكتوبة تحكى بطريقة غنائية طربية، بل سفيرة للتراث وغارسة للهوية، والفن السعودي من أجمل فنون الجزيرة العربية وأكثر الفنون تعبيراً عن ثقافتها.
اقرأ أيضاً: فنون العلا منصة الفن والتراث تستعرض برامجها السنوية