يعد البشت السعودي أحد رموز الفخامة والأصالة في التراث العربي، فهو قطعة تحمل بين خيوطها تاريخاً عريقاً يمتد عبر القرون. ليس البشت مجرد عباءة ترتدى في المناسبات، بل هو هوية ثقافية تعبّر عن المكانة الاجتماعية والوقار، وتجسّد قيم المملكة المتمثلة في الهيبة والاعتزاز بالجذور والكرم.
رغم تغير الأزمنة، حافظ البشت على مكانته المرموقة في المجتمع السعودي، فلم يعد مجرد زيّ تقليدي، بل أصبح جسراً يربط بين أصالة الماضي وأناقة الحاضر، وفخراً لأبناء المملكة في المناسبات الوطنية والاجتماعية، كافة. في هذا المقال سنتعرف على هذا الزي العريق وأهم ميزاته، وبماذا يختلف عن باقي البشوت في الخليج العربي.
تاريخ البشت السعودي وعراقته
يرجع تاريخ البشت السعودي إلى مئات السنين، حيث كان يرتدى كزي تقليدي يعبر عن مكانة الرجل في المجتمع، فهو رمز للأناقة والفخامة، ويعبر عن التراث العريق والهوية الثقافية للمملكة. أصل البشت ينبع من شبه الجزيرة العربية، وتطور مع الوقت ليصبح رمزاً للوقار والفخامة.
يجسد البشت السعودي التراث الثقافي العريق الذي تتناقله الأجيال في المملكة. يصنع البشت السعودي عادة من أجود أنواع الأقمشة مثل: الصوف الخفيف، أو الوبر، وغالباً ما يزين بخيوط ذهبية أو فضية عند الأطراف أو الأكمام. ما يميز البشت السعودي البساطة والأناقة حيث يكون فضفاضاً على كامل الجسم من الكتفين حتى الأقدام.
لهذا الزي العريق والأصيل مكانة مرموقة باليوم الوطني السعودي، فهو رمز للفخر والوحدة الوطنية، فيرتديه القادة والمسؤولون لإبراز الهوية والتراث السعودي، ويصنع البشت المخصص لليوم الوطني من أجود أنواع الأقمشة ويزين بتطريزات فاخرة تعكس ألوان وشعارات المملكة.
اقرأ أيضاً: الزي السعودي التراثي تقليد لا غنى عنه
صناعة البشت السعودي وما يميزه
بعد أن تعرفنا على رمزية البشت وتاريخه، يجدر بنا أن نستعرض هذه الصناعة العريقة. يعتبر هذا الزي قطعة تراثية تُجسد عراقة الحرف اليدوية في البلاد، وبينما تحتفي المملكة بعام الحرف اليدوية 2025، تتجدد الأنظار نحو هذه الصناعة التي اشتهرت بها المملكة، وخاصةً في الأحساء، حيث يتوارث الحرفيون مهاراتها جيلاً بعد الآخر.
تزخر المملكة بتنوع واسع في صناعة البشوت، وتُنتج مناطق مختلفة بشوتاً متميزة بأنماطها الخاصة، ومن أبرزها:
- البشت النجدي: يعرف بتصاميمه البسيطة وألوانه الغامقة، وعادة ما يكون مصنوعاً من الصوف الخفيف أو الوبر، ليمنح مرتديه إطلالة أنيقة مع لمسة من الفخامة.
- البشت المكاوي: يصنع في مكة المكرمة، مميز بخفة وزنه وتطريزاته الدقيقة، ويفضل في المناسبات الرسمية والدينية.
- البشت المدني: ينتشر في المدينة المنورة، تتم صناعته من أقمشة خفيفة تناسب أجواء المنطقة الحارة، ويتميز بتطريز ناعم وألوان فاتحة.
- البشت الجنوبي: تتم صناعته في بعض مناطق الجنوب، ويُصنع من صوف الأغنام المحلية، ويتميز بمتانته وكثافته، فيجعله مناسباً لفصول الشتاء الباردة.
لكن تبقى البشوت أو المشالح الإحسائية الأفضل على مستوى العالم، فالبشت الحساوي، يمتاز بدقة حياكته يدوياً عبر استخدام خيوط الحرير والقطن والصوف وتطريز حواشيه بالزري الذهبي والفضي. امتهنت العائلات الأحسائية هذه المهنة المغمورة لأكثر من قرن من الزمن، وارتبطت هذه المهنة في الأحساء كأول المدن التي بدأت صناعة وحياكة المشالح، وأحد أهم الأسواق المنتجة والمصدرة للمشالح في المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي.
يرسل الإحسائيون أبناءهم منذ الصغر لتعلم المهنة التي تصل لمدة 5 سنوات، يتم خلالها التدرج في تعلم أمور الحياكة بطي خيوط المشلح وتنظيفه والتعلم على كيفية غرز الإبرة، وأخذ المقاسات على قطع القماش والتدرب على الخيوط النحاسية التي يعتمد عليها في خياطة المشلح.
كما تتفاوت سماكة الأقمشة حسب فصول السنة، فهناك بشوت صيفية خفيفة، وأخرى شتوية مصنوعة من الصوف الثقيل، ومن أشهر أنواع البشوت الحساوية: البشت الملكي والمنديلي والطابوق، وتتفاوت فيما بينها من حيث التطريز والنقوش التي تزينها، ما يجعل كل منها يحمل هوية مختلفة وطابعاً خاصاً عن غيره. من الممكن أن يتراوح سعر البشت اليدوي من 1500 ريال إلى 9000 ريال حسب جودة المواد ومهارة الصناعة. في حين أن تكلفة البشت المصنع بواسطة الآلات تبدأ من 699 ريال وتصل حتى 1499 ريال. الجدير بالذكر أن المملكة لا تصدر البشوت بالمعنى الحرفي، بل هناك سوق للبشوت في الإحساء والتي تعتبر مركز تلك الصناعة يستقطب الزوار من كل مكان سواء داخل أو خارج المملكة.
اقرأ أيضاً: الزي السعودي يأسر قلوب الأجانب في مهرجان الإبل

الفرق بين البشت القطري والبشت السعودي
البشت القطري كذلك يمثل تراث عربي أصيل، لكن يكمن الفرق الرئيسي بين البشت السعودي والبشت القطري في عرض الزري (شريط التطريز) المستخدم في تزيينهما، حيث يكون الزري القطري أقل عرضاً ويتراوح غالباً بين 2 إلى 3 سم، في حين أن زري البشت السعودي يكون عادة أعرض وأكثر بروزاً، كما تختلف بعض أنماط التطريز والتفاصيل الدقيقة في البشتين.
أما الاختلاف من حيث التصاميم والتطريز:
- البشت القطري: يشمل تصاميم متنوعة نسائياً مثل البشت الهيلة، والبُخية، وام قبع، والمكسر، مع اهتمام خاص بالزري المذهب على الأقمشة السوداء.
- البشت السعودي: تُعرف بعض أنماطه بتفاصيل معينة وتركيبات كثيفة للخيوط (مثل الهيلا) أو تطريزات إضافية تشمل الصمت، والبرواز، والبروج، والقيطان.

