البطالة في مجتمع متنامي ومستدام لا تدوم، وهذا هو حال المملكة التي واجهت تحديات العطالة عن العمل وأحرزت تقدماً في مكافحتها عبر مبادرات حكومية واسعة هدفت لتوطين الوظائف في مجمل القطاعات. وهذه المبادرات ليست وليدة السنوات القليلة الماضية بل امتداد لخطوات بدأت منذ العام 1975، عبر العمل على تطبيق “السعودة” من خلال الخطط الخمسية التي أطلقتها السعودية. وبلغ معدل البطالة للسعوديين 6.3% في الربع الأول من عام 2025 مسجلاً أدنى مستوى تاريخي له، وبانخفاض مقداره 0.7 نقطة مئوية مقارنة بالربع الرابع من عام 2024، رافقه انخفاض سنوي بمقدار 1.3 مقارنة بالربع الأول من عام 2024 حسب التقديرات الإحصائية الأخيرة.
كيف وصلت السعودية لهذا الحد، كيف واجهت البطالة، وما تقديرات انخفاض مستواها في أرجاء البلاد؟
كيف واجهت المملكة البطالة وما الحلول التي اتبعتها لتخفيف البطالة؟
الحلول كانت هي بحد ذاتها مواجهة للبطالة في المملكة، فقد أصدر مجلس الوزراء قراراً يحمل الرقم (50) مفاده إلزام كل مؤسسة في البلاد بتوظيف 20 عامل فأكثر على أن يكون عدد العمال السعوديين فيها لا يقل عن 5%، وهذا القرار مقدمة للقرار رقم (120) الذي نص على الموافقة على تشجيع المرأة السعودية ودمجها بسوق العمل.
وكان لبرامج التوطين الدور الأبرز خلال العام 2023 في الوصول لهذا المعدل في الوقت الحالي، فقد تم توطين المهن في منطقتي جازان وجدة مع توطين مهن الطيران المرخصة ومهن الاستثمارات ومهن طب الأسنان بالقطاع الخاص، وشمول التوطين كافة وظائف مبيعات المنتجات التأمينية وصولاً لتوطين إدارة المشاريع.
وقد استهدفت رؤية 2030، خفض معدل البطالة بين المواطنين إلى 7%. وكان المعدل في 2016 عند تدشين الرؤية قرب مستويات 12.3%.
كما وأنه من بين أبرز الحلول التي تم إطلاقها في البلاد لمواجهة العطالة عن العمل، مواءمة المناهج الدراسية مع احتياجات سوق العمل مع التوسع في البرامج التدريبية التي تستهدف الخريجين، إلى جانب إطلاق مجموعة من الحوافز للقطاع الخاص لدعم “برامج السعودة”، بجانب العديد من التشريعات التي أصدرتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي تخدم السعوديين وربطهم بسوق العمل.
اقرأ أيضاً: كيف واجهت المملكة العربية السعودية مشكلة البطالة؟
تقديرات مسح القوى العاملة للهيئة العامة للإحصاء السعودية
ضمن تقديرات مسح القوى العاملة للهيئة العامة للإحصاء السعودية، سجل معدل البطالة الإجمالي للسعوديين وغير السعوديين نسبة 2.8% في الربع الأول من عام 2025، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق. بذلك سجل انخفاضاً بمقدار 0.7 نقطة مئوية مقارنة بالربع الرابع من عام 2024، وانخفاض سنوي بنفس المقدار 0.7 نقطة مئوية مقارنة بالربع الأول من عام 2024.
وبفعل هذه النتائج، سُجل ارتفاع معدل المشتغلين السعوديين إلى السكان بمقدار 0.5 نقطة مئوية مقارنة بالربع الرابع من عام 2024، حيث بلغ 48.0%، وسُجل ارتفاع سنوي بنفس المقدار 0.5 نقطة مئوية عن الربع الأول من عام 2024.
أما معدل مشاركة السعوديين في القوى العاملة في الربع الأول العام 2025 قد سَجل ارتفاعا بمقدار 0.2 نقطة مئوية مقارنة بالربع الرابع من عام 2024، حيث بلغ 51.3%، وبانخفاض طفيف على أساس سنوي بمقدار 0.1 نقطة مئوية مقارنة بالربع الأول من عام 2024.
في حين بلغ معدل المشاركة في القوى العاملة الإجمالي للسعوديين وغير السعوديين 68.2% بارتفاع مقداره 1.8 نقطة مئوية مقارنة بالربع الرابع من عام 2024، ولوحظ ارتفاع سنوي بمقدار 2.2 نقطة مئوية مقارنة بالربع الأول من عام 2024.
هذه التقديرات المسجلة تعكس الإنجاز الذي حققته المملكة في دمج الكفاءات السعودية في سوق العمل منذ انطلاق رؤية 2030، التي كانت تهدف لتنويع الاقتصاد وخفض مستويات البطالة في البلاد. هذا الانخفاض الملموس ما هو إلا جزء من تضافر جهود كبيرة تبذلها البلاد للارتقاء بالواقع المهني للسعوديين وتطويره إلى جانب تطوير سوق العمل وفتح الباب لمجالات جديدة.
اقرأ أيضاً: البطالة تسجل أدنى مستوى تاريخي لها في السعودية!
مؤشرات سوق العمل ونسب الذكور والإناث العاملين
ضمن اطلاع على نتائج مؤشرات سوق العمل في المملكة للربع الأول من عام 2025، لوحظ ارتفاع في معدل مشاركة السعوديات في القوى العاملة بمقدار 0.3 نقطة مئوية ليصل إلى 36.3%، وارتفاع في معدل المشتغلات السعوديات إلى السكان بمقدار 0.7 نقطة مئوية ليبلغ 32.5%، قوبل ذلك بانخفاض في معدل البطالة السعوديات بمقدار 1.4 نقطة مئوية ليصل إلى 10.5% وذلك مقارنة بالربع الأول من العام الماضي.
أما الذكور السعوديين فقد ارتفع معدل المشاركة في القوى العاملة لديهم بمقدار 0.2 نقطة مئوية ليبلغ 66.4%، وارتفع معدل المشتغلين إلى السكان ليصل إلى 63.8%، وانخفض معدل البطالة ليبلغ 4.0% بالمقارنة مع الربع السابق من عام 2024.
في حين أظهرت النتائج المتعلقة بالسعوديات في سن الشباب (15-24 سنة) ارتفاع معدل المشتغلات إلى السكان في الربع الأول من عام 2025 بمقدار 0.7 نقطة مئوية، حيث بلغ 14.6%، كما ارتفع معدل مشاركتهن في القوى العاملة بمقدار 1.1 نقطة مئوية، حيث بلغ 18.4%، وارتفع معدل البطالة بينهن بمقدار 0.8 نقطة مئوية، ليصل إلى 20.7% مقارنة بالربع السابق من عام 2024.
في المقابل شهدت النتائج المتعلقة بالشباب السعوديين الذكور تدني في معدل المشتغلين إلى السكان بمقدار 0.5 نقطة مئوية، حيث بلغ 29.2%، وانخفض معدل مشاركتهم في القوى العاملة بمقدار 0.8 نقطة مئوية ليصل إلى 33.0%، مع انخفاض في معدل البطالة بمقدار 0.6 نقطة مئوية ليصل إلى 11.6% مقارنة بالربع الأول من العام الماضي.
وقد أظهرت مؤشرات سوق العمل للربع الأول من عام 2025 للسكان السعوديين (الذكور والإناث) في سن العمل الأساسي (25 و54 عاما) ارتفاعاً في معدل المشتغلين إلى السكان بمقدار 1.0 نقطة مئوية حيث بلغ 65.9%، صوحب بارتفاع في معدل المشاركة في القوى العاملة بمقدار 0.4 نقطة مئوية، حيث بلغ 69.6%. كما انخفض معدل البطالة ليصل إلى 5.4% بالمقارنة مع عام 2024 في ربعه الأول.
وفي تصريح لافت للمختص في الموارد البشرية، علي آل عيد، أوضح أن التراجع التاريخي في معدل البطالة ما هو إلا انعكاس فعّال ومتكامل لجهود الدولة والقطاعات المختلفة. وفي إشارة منه حول معدل الانخفاض قال: “ما نشهده اليوم هو ثمرة سياسات تمكين الكوادر الوطنية، وتهيئة بيئة عمل محفزة لنمو سوق العمل المحلية”.
كما بيّن أن هذا الانخفاض اللافت في البطالة جاء نتيجة مجموعة من المبادرات التي شملت التوطين، وتطوير المهارات، ودعم رواد الأعمال، مع جملة من التحولات الملموسة في مفاهيم وأنماط التوظيف، لا سيما بين فئة الشباب والشابات.
ومن خلال مواكبتنا لهذا التدني والتقديرات التي تم الإشارة إليها، نلاحظ أن سوق العمل السعودية تتّسم بالتعافي وتتجه نحو الاستقرار، تحديداً بعد تجاوز التحديات العالمية الأخيرة لاسيما الاقتصادية منها، وبعد ما واجهته المملكة من انكماش للاقتصاد في العام 2016، فهذه النسب والمعدلات تعكس نجاح حزم الدعم وسياسات التمكين المتبعة في البلاد.
ختاماً، تم وضع حلول ممنهجة لمواجهة التحديات التي فرضتها البطالة في المملكة، وهذا ما انعكس على المؤشرات التي تسجل في الوقت الحالي سواء بتقديرات هيئة الإحصاء أو ما تسجله مؤشرات سوق العمل. والجهود التي بذلت على مدى سنوات ماضية تثمر اليوم بالانتعاش الاقتصادي الي تشهده المملكة والانتعاش التشغيلي الذي يشهده سوق العمل فيها، فالسعودية تمضي قدماً نحو واقع مهني شبه خالي من العطالة عن العمل.
اقرأ أيضاً: البطالة بأدنى مستوياتها التاريخية في السعودية هذا العام