مع قدوم الربيع واعتدال الطقس في مرتفعات عسير، تبدأ أزهار الجاكرندا البنفسجية تزهر وتتفتح في شوارع وحدائق أبها، فتمتد أغصانها على جنبات المدينة، مما يحولها إلى لوحة طبيعية تنبض بالحياة، تجذب الأهالي والزوار للاستمتاع بجمالها.
وقد بات هذا المشهد الخلاب يمثل علامة مميزة لموسم سياحي متجدد في جنوب السعودية، إذ يتوافد الزوار من مختلف أنحاء المملكة وخارجها إلى أبرز مواقع الجاكرندا في أبها مثل شارع الفن وحديقة المطار وحديقة السد، حيث تتناثر الأزهار البنفسجية وتملأ الأجواء بعبيرها العطر.
وتضم المدينة اليوم أكثر من عشرات الآلاف من أشجار جاكرندا، مزروعة بعناية في الشوارع والمتنزهات والساحات العامة، ما يجعل التجربة متاحة للجميع ومتصلة بالحياة اليومية.
كما تحولت هذه الظاهرة الطبيعية إلى مناسبة جماهيرية توثقها عدسات الكاميرات والهواتف وتنشرها المنصات الرقمية، مما يعزز مكانة أبها كوجهة سياحية موسمية تنبض بالجمال الطبيعي، وتواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030 في تنويع التجارب السياحية وإبراز المقومات البيئية المحلية.
شجرة الجاكرندا: خصائصها ومتطلباتها
تنتمي شجرة الجاكرندا، المعروفة علميًا باسم (Jacaranda mimosifolia)، إلى الفصيلة البيجنونية، وتعود أصولها إلى المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في أمريكا الجنوبية، حيث يضم جنسها نحو 45 نوعًا مختلفًا.
وتشتهر هذه الشجرة بسرعة نموها، إذ يمكن أن يصل ارتفاعها خلال السنة الأولى إلى ثلاثة أمتار، بينما يتراوح ارتفاعها عند النضج بين 10 و20 مترًا.
وتتميز بأغصانها المقوسة التي تشكل مظلة وارفة، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للتشجير في المساحات العامة والمفتوحة.
أما أوراقها فهي مركبة وريشية، مرتبة بشكل تبادلي على الأغصان، فيما تزهر بألوان تتنوع بين البنفسجي والأرجواني خلال فصل الربيع، حيث تستمر فترة الإزهار لنحو شهر قبل أن تبدأ الزهور بالتساقط.
وفي بعض الأنواع، تتفتح الأزهار باللون الأبيض، مما يضفي على المشهد جاذبية فريدة، أما ثمار الجاكرندا، فهي عبارة عن علبة خشبية بنية تحتوي على بذور قابلة للاستخدام في التكاثر، مما يساهم في انتشارها وتكاثرها في مختلف البيئات المناسبة.
اقرأ أيضاً: «شتانا ريفي»… عندما يتحوّل الريف السعودي إلى قصة نجاح تُروى كل شتاء
زراعتها والعناية بها في عسير
تتكاثر الجاكرندا طبيعيًا بالبذور خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل، أو عن طريق العُقَل خلال شباط/فبراير و آذار/مارس، كما يمكن زراعتها طوال العام داخل محميات زراعية.
وتزرع غالبًا في التربة الطينية جيدة التصريف، لكنها قادرة على التكيف مع التربة الرملية والقلوية نسبيًا.
وتحتاج للري المنتظم، خاصة في فترات الجفاف، كما يستحب تسميدها خلال فترة النمو النشط وتقليم الفروع العلوية لتعزيز كثافتها.
وتتحمل درجات حرارة معتدلة تتراوح بين 19 و27 درجة مئوية، فيما يتطلب إنباتها ظروفًا محمية نسبيًا لضمان نجاح نمو الشتلات.
وفي منطقة عسير، حرصت الأمانة على توفير الظروف المثالية لنمو الجاكرندا داخل مشاتل مخصصة، قبل نقل الشتلات إلى الحدائق العامة والطرقات والميادين.
وتتميز هذه الأشجار بأنها لا تشكل خطراً على البنية التحتية، كما أن أخشابها، المعروفة باسم “الأبنوس الأخضر”، تستخدم في بعض التطبيقات الخفيفة، مما يضيف لها قيمة وظيفية بجانب جمالها الطبيعي.
دعم حكومي ومردود سياحي
لم تكن زراعة الجاكرندا في أبها مجرد مبادرة تجميلية، بل جاءت ضمن رؤية أشمل في إطار مبادرة “السعودية الخضراء”، التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بهدف تعزيز الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
ومنذ انطلاق هذه المبادرة، شهدت زراعة الجاكرندا توسعًا كبيرًا، باعتبارها جزءًا من استراتيجية تحسين جودة الحياة في المدن السعودية، وإثراء المشهد البصري وتعزيز التنوع النباتي.
ففي عام 2022 وحده، تمت زراعة نحو 25 ألف شجرة جاكرندا في منطقة عسير، حيث رأى المختصون في هذه الخطوة دعمًا للسياحة البيئية وإضافة نوعية للأماكن العامة.
وقد ساهم “الموسم البنفسجي” في جذب المزيد من الزوار إلى أبها، مما انعكس إيجابًا على القطاعات المرتبطة بالسياحة، كالفنادق والمطاعم وخدمات النقل.
وتواصل الجهات المختصة تطوير فعاليات موسمية تتزامن مع فترة إزهار الجاكرندا، مما يعزز الهوية الموسمية للمدينة ويثري رصيدها الثقافي والبيئي.
اليوم، لم تعد أشجار الجاكرندا مجرد عنصر جمالي في أبها، بل أصبحت جزءًا من نسيجها البيئي والسياحي والثقافي، مما يمنحها طابعًا فريدًا يميزها عن باقي المدن.
ومع تزايد الاهتمام بالمواسم الطبيعية، بات المشهد البنفسجي رمزًا محفورًا في ذاكرة الزوار وسكان أبها، ورسالة تعكس التزام المملكة بتعزيز التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.
اقرأ أيضاً: عسير.. واحدة من أبرز المقاصد السياحية في السعودية