وسط التصعيد العنيف الجاري الآن في «الشرق الأوسط»، أصدرت المملكة العربية السعودية تحذيراً بارزاً من خطر استهداف المنشآت النووية الإيرانية، واعتبرته انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. فما هي المرجعية القانونية التي تقف وراء هذا التحذير؟ وكيف يتفاعل مبدأ حماية المنشآت النووية مع النزاع المسلح؟ نفتح الستار أمام هذه القضية المحورية، مستنيرين بنصوص قانونية دولية صادرة عن الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية.
البداية.. تحذير سعودي من استهداف المنشآت النووية
أصدرت الهيئة السعودية للرقابة النووية بياناً شديد اللهجة، شدّدت فيه على أن أيّ ضرب لِمرافق نووية مدنية، يُعدّ انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني (IHL)، وخرقاً واضحاً للاتفاقيات والأعراف المعمول بها، بما يؤدي إلى كارثة بشرية وبيئية محتملة. وجاء هذا التحذير وسط تقارير عن ضربات «إسرائيلية» على منشآت مرتبطة ببرنامج إيران النووي، بما أثار مخاوف خليجية ودولية من تبعات مشعّة وربما توسيع رقعة الصراع.
النصوص القانونية لحظر الاستهداف
- المعاهدات البروتوكولية الملحقة باتفاقيات جنيف (Protocols I وII)
تنص المادة 56 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف عام 1977 على أنه: «يُحظَر استهداف محطات الطاقة النووية المدنية، ما لم تُستخدم في دعم العمليات العسكرية، وإذا كان الهجوم ضرورة عسكرية واضحة ولم يكن بُدّ منه لإنقاذ المدنيين مع اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة». ويشمل ذلك الأضرار الجانبية الناجمة عن استهداف مرافق تحتوي على مواد مشعّة، الأمر الذي يُعدّ انتهاكاً لقواعد التمييز والتناسب في الاشتباكات المسلحة.
- اتفاقيات الطوارئ النووية (IAEA)
يجدر بالذكر أيضاً أن قرارات وكالة الطاقة الذرية (IAEA) قد أدانت كافة الضربات العسكرية على منشآت نووية سلمية، مشددة على واجب جميع الأطراف بتجنب أفعالٍ قد تُعرّض البشرية لخطر إشعاعي أو بيئي غير قابل للإصلاح.
قرارات الأمم المتحدة السابقة
- القرار 487 لمجلس الأمن (1981)
رداً على تدمير «إسرائيل» مفاعل «أوزيراك» العراقي، أصدر مجلس الأمن القرار 487 بتاريخ 19 يونيو 1981، مؤكداً أن هذا الفعل يعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وخرقاً لسيادة العراق، وطالب حينها «إسرائيل» بوضع منشآتها تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذا القرار شكّل سابقة هامة في إدانة الضربات الاستباقية على المنشآت النووية المدنية.
- القرار 1540 (2004)
يُلزِم هذا القرار جميع الدول بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك منع استهداف المنشآت النووية المدنية أو العسكرية، ضمن إطار التدابير الوقائية والتشريعية.
المبادرات المعاصرة لحظر الأسلحة النووية
- معاهدة حظر الأسلحة النووية (TPNW)
دخلت حيز التنفيذ في يناير 2021، وتُعدّ أول اتفاقية دولية تحظر بشكل واضح «أي استخدام أو تطوير أو تهديد باستخدام ترسانة نووية» أو منشآت ذات صفة نووية لحرب، منتشرة تحت مظلة أعضائها (73 دولة حالياً)، داعية إلى عدم استخدام المنشآت النووية كسلاح.
- رأي محكمة العدل الدولية (ICJ) الاستشاري
في الرأي الاستشاري بتاريخ 8 يوليو 1996، أكدت محكمة العدل الدولية أن «أي تهديد أو استخدام للأسلحة النووية يجب أن يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني»، وأن أجزاء منه يمكن أن تكون محظورة ما لم يكن الأمر يتعلق بـ «الدفاع الشرعي عن الدولة».
الأطر القانونية في سياق الصراع الجاري
الضوابط القانونية الدولية (مثل مبدأ التمييز بين أهداف مدنية وعسكرية، وتعويض التوازن بين المنفعة والضرر) تفرض أن:
- تُصَنَّف المنشآت النووية السلمية على أنها أهداف محظورة ما لم تُستخدم عسكرياً فعلياً.
- ينبغي لكل طرف تفادي الأضرار الجانبية التي قد تؤثر على السكان المدنيين.
- لا يجوز استخدام حجة الدفاع المسبق إلا عند وجود تهديد حقيقي ووشيك، وهو ما يُثير جدلاً حول ما إذا كانت المنشآت الإيرانية تشكّل تهديداً فعلياً وقائماً.
وبناءً عليه، فإن التحذير السعودي يتّسق تماماً مع مبادئ القانون الدولي. فالضرب الاستباقي على منشآت لا تُستخدم فعلياً كمواقع تخزينية للأسلحة ينطوي على انتهاك واضح، وقد يعرض مرتكبي الهجوم للملاحقة القانونية من خلال آليات مثل محكمة العدل الدولية أو حتى المحاكم الجنائية الدولية، إذا ما ثبت الضرر.