ذات صباح سعودي جديد، أشرقت شمس العدالة على العمالة الوافدة، وبدّدت بروحها قيود الماضي. وتبدو السماء اليوم أقل كثافة بالغيوم السوداء التي طالما سببها نظام الكفالة – ذلك النظام الذي ضيّق الخناق، وأربك سكينة الآلاف. أما اليوم، فباتت الرياح تحمِل معها نسمات تغيير تُنسج بخيوط الدولة التي توشك على إكمال لوحتها التنموية وفق رؤية 2030. المادة 61 دخلت نظام العمل.. فماذا تعرفون عنها؟ إليكم التفاصيل!
المادة 61 من قانون العمل السعودي
لم يكن القرار وليد لحظة عابرة، بل ثمرة دراسة معمقة وتقويم منصف لواقع العمل في المملكة. نجح القائمون على هذه التعديلات في دمج قراءات محلية (من خلال استطلاع آراء المهتمين والمختصين) بـنماذج دولية، ممّا رفع شراع التعديلات ليسير مع أفضل الممارسات العالمية ويستوفي بنوده التزامات رؤية 2030 تجاه تكامل سوق العمل واحترام حقوق الإنسان.
تنص المادة 61 المنقحة على حزمة من البنود الصلبة التي تحرّم التمييز، تحظر العمل القسري، وتقنن حقوق الأجور والإقامة، فضلاً عن إلزامية احترام الكرامة الإنسانية.
التعديلات الجوهرية
2.1 منع العمل القسري
منذ اليوم، لم يعد بإمكان أي صاحب عمل ممارسة السخرة أو التوجه إلى «العمالة بنظام السخرة». القوة القانونية الممنوحة للعامل تُضعف أذرع الاستعباد، وتعيد فيه الإنسانية للقيمة التي تستحقها.
2.2 حماية الأجور
حجز الأجر مقابل العمل كان إحدى آفات سوق العمل. الآن، خُصِّصت هذه المسألة للقرار القضائي فقط، مما يعزز شعور الأمان الوظيفي للفئة الوافدة.
2.3 تعزيز الكرامة الإنسانية
يتوجب على صاحب العمل علاج العامل بكرامة، دون إساءة لفظية ولا فعلية، بما يحترم معتقداته وخصوصيته. فالتعديلات تنهى عن أي ممارسات ذات طابع تحقيري أو مسيء للجنس أو اللون أو الدين.
2.4 تمكين الحقوق النظامية
بات من حق العامل استخدام إجازاته النظامية وممارسة نشاطه دون خصم مالي. القرار يعيد للمتعاقد قيمة حقوقه النابعة من العقد دون تمييز أو إعاقة.
2.5 السكن وبدائل المواصلات
تُضاف هذه اللمسة الإنسانية إلى بنود المادة 61، إذ أصبح من حق العامل الحصول على سكن لائق ووسائل مواصلات أو بدل نقدي يوازي القيمة المادية لذلك.
إصلاحات قانونية شاملة
عدا المادة 61، شملت التعديلات فقرة إصلاحية كبرى في نظام العمل؛ إذ تم تعديل 38 مادة، حُذفت 7، وأضيفت 2، لتواكب بحذافيرها أفضل ما هو معمول به عالمياً.
وفي هذا السياق، أُجريت مقارنة معيارية بين الأنظمة في دول متقدمة في سوق العمل وجهود تنظيمية شارك بها أكثر من 1300 خبير ومهتم، ما يجعل النظام الجديد وكيلاً عن إرادة التنمية الشاملة والطموحة نحو منظومة عادلة وفعالة.
انعكاسات المادة 61 على المغتربين وسوق العمل
4.1 استقرار وظيفي من نوع خاص
بات العامل أكثر طمأنينة، لأن حقه بات محفوظاً ضد أي انتهاك. يكسب هذا استقراراً نفسياً ومعيشياً، ناهيك عن زيادة المشاركة الإيجابية في سوق العمل.
4.2 تقليص هجرة الكفاءات
تُعطي المادة الجديدة مؤشراً قوياً على أن بيئة العمل باتت أكثر جذباً للكفاءات العالمية.
4.3 رفع مستوى التنافسية
ليس فقط للمغترب، بل أيضاً لأصحاب العمل. اضطرارهم للتعامل وفق نظام قانوني صارم يرفع جودة الممارسات ويُسهم في تحسين بيئة العمل ضمن منظومة عادلة.
المادة 61 ضمن رؤية 2030
ربما كان الأهم في المادة 61 أن دوافعها تتجاوز لحظة زمنية، فجاءت في إطار برنامج أكبر لتحسين أنماط الاقتصاد والمجتمع بمفهومه الجديد. إذ تقطن في سياق مصمم ليكون حجر أساس في نظام عمل قادر على أن يدعم أهداف الرؤية، كالاستقرار الوظيفي، وتعزيز بيئة تنافسية، والالتزام بالاتفاقيات الدولية.
التحديات والآفاق القادمة
6.1 التطبيق السلس والتنفيذي
التحدي الأكبر اليوم ليس في وجود التشريع، بل في كيفية تنفيذه عملياً. فالمتابعة، الرقابة، التطبيق القضائي، وفعالية الجهات الرقابية ستكون المؤشر الأهم على صدقية الإصلاح.
6.2 وعي الفئة المستفيدة
توعية العمال بحقوقهم، وتعريفهم بكيفية الاستفادة من النظام الإصلاحي، يُعد من الخطوات الضرورية التي تُحقق الهدف المنشود.
6.3 التعديلات المستقبلية
من الممكن أن تُضاف بنود جديدة للمادة 61 أو قوانين يومية إضافية تتناول فئات أخرى (كالعمالة المنزلية، المتعاقدين عن بعد، وغيرها) لتكتمل الصورة.
ختاماً، إذاً نحن أمام فصل جديد في التاريخ السعودي؛ فصل يمنح الكرامة، ويرسّخ العدالة في سوق العمل، ويفتح صفحة جديدة ترتكز على أسس حضارية تستدعي إنصاف العامل وتحترم كرامة الإنسان…
اقرأ أيضاً: ما حقيقة ازدياد الوفيات بسبب ظروف العمل في السعودية؟