أصبحت الصحة النفسية اليوم أحد أهم عوامل جودة الحياة، إذ تؤثر بشكل مباشر في استقرار الفرد والمجتمع على حد سواء. وفي السعودية، لم يعد الحديث عن النفسية أمراً هامشياً أو ثانوياً، بل أصبح جزءاً من اهتمام الدولة ورؤيتها الشاملة لبناء إنسان متوازن وسعيد.
فمن خلال رؤية المملكة 2030، عززت السعودية جهودها في دعم الصحة النفسية عبر برامج ومبادرات توعوية وعلاجية تهدف إلى رفع الوعي المجتمعي، وتوفير خدمات نفسية متخصصة لجميع الفئات، مما يؤكد أن الاستثمار في الإنسان يبدأ من راحته النفسية واستقراره الداخلي.
بداية تطوير الصحة النفسية في السعودية
تعود بداية جهود تطور قطاع الطب النفسي في السعودية إلى العام 1952، إذ تم افتتاح أول مستشفى للطب النفسي في مدينة الطائف. وشهد العقدين الأخيرين في المملكة تطورات ملموسة في مسار منظومة الصحة النفسية في البلاد. ولعل من أبرز محطات هذا التطور تتمثل في إقرار الزمالة السعودية للطب النفسي عام 1997 من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، وإصدار النسخة الأولي من الأطلس السعودي للصحة النفسية عام 2007 وهو وثيقة مهمة تعمل على وصف التطور التاريخي لوضع الصحة النفسية والاجتماعية في المملكة، وتحدد مواطن القصور في نظام الصحة النفسية، وتقدم الاقتراحات لتطوير الخدمات النفسية، البحوث، البنية الإنشائية، ونظم المعلومات كما تم إجراء المسح الوطني للصحة النفسية عام 2010.
لتأتي بعد ذلك مجموعة من الخطوات التطويرية كتأسيس أول برنامج زمالة للطب النفسي للأطفال عام 2011، وثم إصدار قانون نظام الرعاية الصحية النفسية عام 2014 إلى جانب إنشاء المركز الوطني للصحة النفسية وهو مركز وطني يعمل على سد الفجوة في مجال الأبحاث العلمية الموجهة للصحة النفسية.
كما تم تأسيس الجمعية السعودية لعلم النفس المهني عام 2019، والتي تسعى إلى أن تكون مرجعية علمية للمنتمين للتخصص وإلى النهوض بالمهنة في المملكة كعلم وممارسة من خلال التدخلات المبنية على البراهين لكل من يحتاج إليها بأفضل معايير الجودة في الممارسة الصحية. وآخر تلك الخطوات، خطة لتجهيز جناح للصحة النفسية في 45 مستشفى حكومي.
اقرأ أيضاً: الأمراض النفسية الأكثر انتشاراً في جدة مع نهاية العام 2024
معدل الوعي النفسي الصحي والاضطرابات النفسية في المملكة
أظهرت دراسة للمركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية أن معدل الوعي بالصحة النفسية، بلغ متوسط الدرجات في السعودية 93.02، وهو أقل مقارنة بدول مثل أستراليا (127.38) وسلوفينيا (114.09)، ولكنه يتجاوز فرنسا (90.52)، وعند تحليل المحاور الأربعة للمقياس، سجل السعوديون نسباً متوسطة مثل 55.3% للاعتراف بالصحة النفسية، و77.4% للموقف تجاه الأشخاص ذوي المشكلات النفسية، و71.8% للموقف العام تجاه الصحة النفسية، و72.5% للقدرة على البحث والوصول للمعلومات.
أما بالنسبة إلى معدل الوصمة النفسية، فقد سجلت السعودية نسبة أعلى نسبياً في العوامل الثلاثة للمقياس، حيث كانت الصورة النمطية السلبية 43.2%، ومخرجات العلاج النفسي 54.4%، والتعافي من الاضطرابات النفسية 53.33%، مقارنةً بدول مثل أمريكا وبريطانيا التي سجلت نسباً أقل في الوصمة.
في سياق متصل، وحسب برنامج المسح الوطني السعودي أظهر المسح أن 34% من السعوديين تم تشخيصهم باضطرابات الصحة النفسية خلال فترة من فترات حياتهم ، وهناك اثنين من كل خمسة من الشباب السعودي تم تشخيصهم باضطراب الصحة النفسية خلال فترة من فترات حياتهم، بينما هناك 8,9% ممن أصيبوا باضطرابات حادة في الصحة النفسية يلتمسون العلاج من رجال الدين والمعالجين غير الطبيين.
وفي ذات المسح الوطني تظهر النتائج أن 13,6 فقط من السعوديين يسعون لتلقي العلاج لاضطراباتهم الصحية النفسية في فترة من فترات حياتهم، وتعتبر اضطرابات: الوسواس القهري واضطراب قلق الانفصال واضطراب فرط الحركة، ونقص الانتباه واضطراب الاكتئاب الرئيسي والرهاب الاجتماعي هي الأكثر شيوعاً في البلاد.
اقرأ أيضاً: هل تستطيع استبدال معالجك النفسي بالشات جي بي تي؟
الجهود والمبادرات لتحسين الصحة النفسية في البلاد
أظهر تقرير المركز الوطني للصحة النفسية عام 2023 إقامة 18 برنامج ومبادرة متناغمة مع الخطط والبرامج الوطنية لتحقق أعلى درجات الكفاءة والقدرة، حيث قدم المركز 218 ألف استشارة و62 محتوى نفسياً مميزاً باللغة العربية بمختلف الأشكال وعلى عدة منصات، ليصل إجمالي المحتوى النفسي حتى نهاية 2023 المقدم من المركز 4042 مادة.
كما تواجد المركز في 23 فعالية من خلال المعارض التوعوية والتثقيفية بالتعاون مع مختلف الشركاء واستطاع توفير أكثر من 28 ألف ساعة تطوعية لمساندة أعمال ومهام المركز، بالإضافة إلى أنه تم تنفيذ أكثر من (1190) نشاط وفعالية من خلال مجموعات تعزيز الصحة النفسية بالجامعات والبالغ عددها 30 مجموعة، والاستفادة من (159) سفيراً في تقديم مختلف الأنشطة المتعلقة بمبادرة تعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل.
في ذات السياق، منذ بداية عام 2024 وحتى نهاية نوفمبر الماضي بلغ إجمالي الاستشارات المقدمة افتراضياً من المركز (22876) في حين قدّم تطبيق قريبون (27295) استشارة نصية ليبلغ إجمالي تحميل التطبيق على الهواتف الذكية (436137)، وقد استهدفت نشاطات وأعمال المركز جميع مناطق البلاد، حيث قدمت مبادراتها ودوراتها التدريبية في 37 مدينة ومحافظة، استهدف المركز منها الفئات الأكثر عرضة بخمس وخمسين نشاطاً، وواكب التغير العملي والتنمية المتسارعة للملكة بـ 26 دورة في إدارة الضغوط بإجمالي مستفيدين وصل إلى 1229 مستفيداً، وعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي (إكس، وواتساب، ويوتيوب، وإنستغرام) حقق المركز إجمالي (98883) متابعاً لكل الحسابات وإجمالي مشاهدات (891787).

