وسط تصاعد الأحداث في المنطقة العربية وازدياد التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، تحتضن القاهرة قمةً عربيةً طارئة في السابع والعشرين من فبراير الجاري، بهدف تكوين موقف موحّد إزاء محاولات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وهذه القمة تأتي في لحظة حسّاسة من تاريخ الصراع، حيث يرى المراقبون أنها اختبار حقيقي لقدرة الدول العربية على اتخاذ موقف جماعي حازم تجاه ما يُشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي.
فقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية، في بيان رسمي، عن استضافة القمة العربية الطارئة بالتنسيق مع مملكة البحرين، التي تترأس القمة العربية في دورتها الحالية، وبالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وجاء في البيان أن القاهرة أجرت مشاورات مكثفة على أعلى المستويات مع الدول العربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، التي طلبت عقد هذه القمة بهدف مناقشة التطورات الأخيرة والخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية.
ويأتي انعقاد القمة في وقت تتصاعد فيه ردود الفعل الدولية والإقليمية إزاء المقترحات المثيرة للجدل التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي تتضمن السيطرة على قطاع غزة وإنشاء ما وصفه بـ “ريفييرا الشرق الأوسط” في المنطقة، كما ترافقت هذه الطروحات مع اقتراح بترحيل اللاجئين الفلسطينيين إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما أثار موجة استنكار واسعة في الأوساط السياسية العربية والدولية.
وأكد المتحدث الرسمي باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، جمال رشدي، أن القمة تهدف إلى تشكيل موقف عربي موحد ضد أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، وأشار إلى أن الدول العربية أبدت مواقف واضحة في رفض هذه المخططات، إلا أن الحاجة الملحّة الآن تقتضي توحيد هذه المواقف في إطار جماعي رسمي يعكس الإرادة العربية على أعلى المستويات.
اقرأ أيضاً: الجامعة العربية: بهذا الشكل نقطع الطريق على تهجير غزة
وتوقع رشدي أن تحظى قمة القاهرة الطارئة بحضور عربي قوي يعكس أهمية اللحظة وحجم التحدي الذي تواجهه القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها، ومن جانبه، أكدت وزارة الخارجية المصرية، في بيان صدر يوم الجمعة الماضي، أنها أجرت اتصالات مكثفة لتنسيق المواقف العربية بشأن مستجدات القضية الفلسطينية، حيث شملت هذه الاتصالات وزراء خارجية عدد من الدول العربية، من بينها السعودية، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان، البحرين، الأردن، العراق، الجزائر، تونس، موريتانيا، والسودان.
وقد تركزت هذه المشاورات حول ضرورة التمسك بالثوابت العربية الرافضة لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم أو إجبارهم على مغادرتها قسراً، وذلك لما تمثله هذه الخطوات من انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتهديد مباشر للاستقرار الإقليمي، وتقويض لأي جهود تُبذل في سبيل تحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة.
وأثار الإعلان عن القمة تفاعلاً كبيراً في الأوساط الإعلامية والسياسية المصرية والعربية، حيث عبر عدد من البرلمانيين والإعلاميين عن ترقبهم لنتائج هذه القمة، داعين إلى اتخاذ مواقف حاسمة تضع حداً لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية.
وكتب الإعلامي المصري مصطفى بكري عبر حسابه على منصة “إكس” أن انعقاد القمة يأتي في ظل تهديدات خطيرة تواجه الأمن القومي العربي، مؤكداً أن الشعوب العربية تنتظر قرارات جادة تدفع إسرائيل إلى إعادة النظر في سياساتها.
بدوره، وصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد يوسف أحمد، هذه القمة بأنها فرصة تاريخية لاختبار مدى قدرة الدول العربية على اتخاذ موقف جاد في مواجهة المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وأوضح أن المواقف الصادرة عن السعودية ومصر والأردن حتى الآن تعكس رفضاً قاطعاً لهذه المخططات، ما يمهّد لتشكيل موقف عربي موحد يواجه هذا التحدي الكبير.
اقرأ أيضاً: السعودية: نأمل أن ينهي اتفاق غزة استنزاف المنطقة
وأضاف أحمد أن هذه القمة قد تمثل تحولاً نوعياً في مسار العمل العربي المشترك، إذ أنها تعيد إلى الأذهان لحظات تاريخية سابقة عندما كانت القمم العربية تُعقد في مواجهة تحديات وجودية. وأشار إلى أن الحد الأدنى المتوقع من القمة هو الخروج ببيان واضح وحاسم يرفض محاولات التهجير ويؤكد على أن القضية الفلسطينية ليست قابلة للمساومة أو المقايضة.
هذا وكانت قد أكدت المملكة العربية السعودية رفضها القاطع لأي محاولات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، كما جدّد كل من الأردن ومصر مواقفهما الرافضة لهذه المخططات، حيث أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في تصريحات سابقة، أن تهجير الفلسطينيين يعد ظلماً كبيراً لا يمكن القبول به بأي حال من الأحوال.
وفي السياق ذاته، شدد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، على ضرورة تكثيف الجهود الإغاثية وإعادة إعمار قطاع غزة، لقطع الطريق أمام أي محاولة لفرض واقع جديد على الفلسطينيين، وأوضح أن القمة تأتي في سياق تاريخ طويل من القمم العربية التي عُقدت لمواجهة أزمات حاسمة، بدءاً من قمة أنشاص عام 1946، التي انعقدت لدعم القضية الفلسطينية، مروراً بقمة بيروت عام 1956 التي هدفت إلى دعم مصر ضد العدوان الثلاثي.
وخلص المراقبون إلى أن انعقاد القمة الطارئة يعكس إدراكاً عربياً متزايداً لحجم المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم، حيث أصبحت هناك ضرورة ملحّة لتنسيق المواقف العربية بشكل أكثر فاعلية، بما يضمن إفشال أي مخطط يهدف إلى تصفية القضية أو تهجير الفلسطينيين من أرضهم. وفي ظل هذه التحديات، تبقى الأنظار موجهة نحو القاهرة لمعرفة ما ستسفر عنه هذه القمة من قرارات قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.