بدأت المملكة العربية السعودية في لفت انتباه صناعة الترفيه العالمية، وسط استثمارها مليارات الدولارات في الرياضة والفعاليات وصناعة ألعاب الفيديو، بموازاة بناء مدينة نيوم المستقبلية بكلفة تناهز 1.5 تريليون دولار مع طموحات بأن تصبح مركزاً عالمياً للإنتاج السينمائي.
في عام 2018، اتخذ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خطوة تاريخية برفع الحظر عن دور السينما، مما شكل نقطة انطلاق لصناعة السينما السعودية، في إطار جهود تحويل المملكة إلى مركز سينمائي في الشرق الأوسط.
وتبع هذه الخطوة تأسيس مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (Red Sea International Film Foundation)، التي تسعى إلى إبراز تنوع وديناميكية السينما العربية، والأفريقية، والآسيوية، بالإضافة إلى إنشاء منظومة سينمائية مستدامة.
تركز مؤسسة البحر الأحمر السينمائية على الاستثمار في مشاريع وشركات تهتم بتطوير الصناعة محلياً وإقليمياً، وذلك من خلال مبادراتها: صندوق البحر الأحمر للأفلام، ومعامل البحر الأحمر، وسوق البحر الأحمر، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي.
صندوق البحر الأحمر للأفلام يمثل الذراع التمويلية الأساسية، بميزانية سنوية لا تقل عن 14 مليون دولار، ويستثمر في المشاريع بمراحلها الثلاث: التطوير والإنتاج وما بعد الإنتاج، الذي يعد الأكبر من نوعه في مجال تمويل الأفلام العربية والأفريقية، والآسيوية بدءاً من هذا العام. حيث دعم حتى الآن أكثر من 100 مخرج و250 فيلماً.
وكشف مدير الصندوق عماد إسكندر، في تصريحات صحافية، أن الصندوق يستهدف تقديم الدعم للأفلام الفنية والتجارية على حد سواء، مع التركيز على كون الصندوق شريكاً إنتاجياً يعزز صناعة السينما محلياً ودولياً.
كما شهد مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي أنهى فعالياته السبت الماضي في جدة، حضور عشرات من نجوم ومخرجي هوليوود ومنتجي الأفلام لاستكشاف إمكانات التعاون مع السعودية، وفرص الشراكة، في ظل دعم حكومي سخي.
يتمثل الهدف الرئيسي لمهرجان البحر الأحمر بالارتقاء بالسينما السعودية العربية إلى مصاف السينما الدولية، ونجح منذ انطلاقته في 2019 بأن يصبح منصة سنوية لنجوم السينما وصناع الأفلام من هوليوود والعالم العربي، بالإضافة إلى دوره في إظهار السعودية كوجهة استثمارية مغرية في قطاع الإعلام والترفيه، فحفل الافتتاح، الذي شهد تكريم النجمين فين ديزل وإيميلي بلانت، عكس الزخم الذي يحيط بطموحات المملكة، بينما شاركت شخصيات بارزة مثل سبايك لي، وميني درايفر في لجان التحكيم.
وصوّر كل من النجمين السينمائيين جوني ديب وغاي ريتشي أكثر من مشروع في المملكة وتعهدا بالعودة، في حين أن بعض المشاهير والمسؤولين التنفيذيين الذين حضروا الفعالية هذا العام طلبوا بشكل خاص الاجتماع مع صانعي الأفلام الناشئين
تحديات السينما السعودية نحو العالمية
يصف خبراء أن المرحلة الحالية لصناعة السينما السعودية بأنها أشبه بـ”هوليوود في عشرينيات القرن الماضي، أو كوريا الجنوبية في بداية التسعينيات”.
ويدعم ذلك بروز المملكة خلال السنوات القليلة الماضية كمركز لتمويل المبادرات الترفيهية والإنتاج الإبداعي، حيث يتطلع صناع المحتوى السينمائي إلى محاكاة تجربة استثمار صندوق الاستثمارات العامة السيادي مليارات الدولارات في صناعة ألعاب الفيديو والرياضة.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم المملكة حوافز سخية لإنتاج الأفلام والمسلسلات، بما في ذلك استرداد ما يصل إلى حوالي 40% من تكاليف التصوير داخل السعودية.
رغم هذا الزخم الكبير، تواجه السعودية تحديات كبيرة في طريقها لتحقيق طموحاتها السينمائية، من ذلك ضعف البنية التحتية المتكاملة للتصوير السينمائي، ونقص الكوادر المحلية المدربة.
كذلك، تواجه فرق الإنتاج الأجنبية تحديات في التعامل مع القيود الثقافية والسياسية في السعودية، والتي قد تتعارض أحياناً مع جهود ولي العهد لفتح البلاد اجتماعياً، وعلى سبيل المثال، يجب على الهيئات الإعلامية الموافقة على السيناريوهات السينمائية قبل بدء التصوير.
ولكن في ظل الدعم الكبير من الصندوق السيادي ورؤية 2030، يبدو أن السعودية مصممة على أن تكون الموطن الجديد للسينما، غير أن تحقيق هذا الطموح يعتمد على قدرتها على معالجة التحديات الحالية وبناء نظام مستدام يدعم الإنتاج المحلي والعالمي.
تجدر الإشارة إلى أن السعودية ليست الأولى في هذا المسعى، حيث استقطبت الصين قبل 15 عاماً أباطرة هوليوود لتطوير صناعتها السينمائية الخاصة، وعلى عكس الصين، فإن دول الخليج، بما فيها السعودية، تبدو أكثر انفتاحاً على التعاون الدولي، مع التركيز على بناء هوية سينمائية محلية.
اقرأ أيضاً: فيلم انصراف يفوز بجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي