تمكن الأدب السعودي من أن ينقل تاريخ المملكة وتراثها في إطار حراك ثقافي متكامل، ألّف ما بين الواقع والخيال بنسب متفاوتة جعلت الشخصيات التاريخية، أبطالاً حية ماثلة في الذاكرة ولكن بأدوار جديدة، ما شكّل دور الرواية في المجتمع السعودي بأسلوب لافت، أدرج على قائمته عدد من الأسماء التي اقترنت بالمراحل التاريخية التي عاشتها المملكة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد الروائي شتيوي الغيثي ينقلك في روايته دموع الرمل، لتعيش أجواء حياة البداوة خلال العهد العثماني وتحديداً في منطقة نجد، أمّا رواية الكاتبة عبير الرمال والتي تحمل اسم الجساس، تستعرض الكاتبة من خلالها حياة البداوة، والتي عايش فيها البطل مأساة شخصية نقلته من مكة إلى الدولة السعودية، وعانى من تخلي والده عنه ووقوعه تحت نير العبودية، لحين بلوغه لحظة التحرر مع الانتقال إلى الدولة السعودية.
ومن أمثلة الرواية السعودية التاريخية، هناك رواية نجم الشمال، التي تستعرض تاريخ الحياة البدوية في السعودية من وجهة نظر مستشرق، الذي استعرضها في هيئة مذكرات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ثلاثينيات القرن الماضي، تعتبر الولادة الفعلية للرواية السعودية، ولكن الانطلاقة الفعلية كانت في الثمانينيات، إذ شهدت الفترة الأولى إصدار 30 رواية، في حين سجلت الفترة اللاحقة إصدار 70 رواية، الأمر الذي دلل على نضوج في الحراك الأدبي السعودي.
وكانت البوصلة خلال هاتين الحقبتين الزمنيتين عملية الرصد الدقيق للحراك المجتمعي، وتفنيد كافة الأحداث والتحولات في بنية المجتمع ومن ثم التعامل معها في صيغة سردية روائية عميقة وشيقة، إذ نجد رواية الثمانينيات تتحدّث عن تعليم المرأة وانخراطها في سوق العمل، إلى جانب بعثات التعليم الجامعي إلى الخارج، وتفاصيل أخرى كونت الحراك الأساسي للمجتمع.
اقرأ أيضاً: عبده خال كاتب وروائي حجز مكانة مرموقة في الأدب العربي وقدم صورة ناصعة عن الأدب السعودي
وفي السياق شهد معرض الرياض الدولي للكتاب نسخة هذا العام 2024، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، التابعة لوزارة الثقافة السعودية، ندوة حملت عنوان التاريخ المنسي: دور الرواية في التأريخ الاجتماعي، والتي أضاءت على الدور الملموس للرواية السعودية في توثيق وتأريخ عادات وتقاليد وتفاصيل المجتمع السعودي.
واستعرض المشاركون في الندوة مراحل التطور السردية للرواية السعودية، والتي كانت في البداية مجرد حكايات من الواقع، تصور ما يحدث في المجتمع السعودي، دون الالتفات إلى الجوانب الفنية التي تمنح النص بعداً جمالياً يمكنه من نقل الأفكار في إطار من السلاسة والإبداع.
وفي سياق منفصل أشار الحاضرون في الندوة إلى أهمية مبادرة تاريخنا قصة، التي أطلقتها دارة الملك عبد العزيز في العام 2021، بعد لقاء عدد من الأندية الأدبية في السعودية، وكان الهدف الرئيس للمبادرة تشجيع كتاب الرواية السعودية لإدراج الأحداث التاريخية في قصصهم، وتوظيف الأحداث والشخصيات في سياق يؤلف ما بين الإبداع والتاريخ.
وشارك في نقاشات المبادرة حين إطلاقها عدد من الأكاديميين المختصين، والتي اكتملت مع ملتقى جازان التاريخي الذي أكد على أهمية السردية التاريخية في الرواية السعودية، وتحويل المرويات المحلية إلى وثائق مكتوبة.
ومن الجدير بالذكر أنّ جميع هذه الجهود انصبت في إطار تعزيز الهوية الوطنية السعودية، وهو ما أكد عليه المشاركون، بأنّ مبادرة تاريخنا قصة أسست لمشروع متكامل قوامه تعزيز الهوية الوطنية ولكن في سياق من الإبداع، لأنّ الرواية التاريخية السعودية عانت قبل ذلك من الجمود ونقل الأحداث التاريخية كما هي، ما جعلها تفتقد لذلك الحس السردي الذي يقدّم التاريخ لكن بقالب من المتعة والتشويق في الوقت ذاته.
وأشار أحد المشاركين أنّ الرواية التاريخية عندما تلتزم بإدراج ما حدث فقط تخرج من النوع الأدبي وتتجه نحو الفكر وهو أمر غير صحيح، استدركه القائمون على الرواية السعودية، بالتشجيع على الحرية في الطرح وعدم التقيد بحرفية الأحداث دون المساس بتوثيقها.
فعلى سبيل المثال شهدت الرواية السعودية استعارة لبعض الشخصيات التاريخية، دون التعريف بها بشكل مباشر، وإنما تقديم الأحداث من خلال معايشة هذه الشخصيات للوقائع التاريخية، وتفاعلها مع المحيط، وبالتالي تمكنت مبادرة تاريخنا قصة، أن تستقطب عدداً كبيراً من المبدعين السعوديين في مجال الرواية.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أنّ دارة الملك عبد العزيز وهيئة الأدب والترجمة والنشر ومن وارئهم وزارة الثقافة تطلق عدداً من المبادرات، وتقيم الفعاليات بغرض تنيشط الحراك الثقافي عموماً والنتاج الفكري السعودي على الوجه الخاص في إطار نهضة شاملة.
اقرأ أيضاً: من هو الروائي والكاتب السعودي محمد حسن علوان؟