تستعد المملكة العربية السعودية لإطلاق مشروع معماري غير مسبوق، يعيد تعريف مفاهيم الطول والعلو والتخطيط العمراني، ويضعها وجهاً لوجه أمام معايير جديدة للجرأة والريادة في مشهدٌ لم يعد غريباً على أرض تكتب حاضرها بلغة المستقبل.. ففي الشمال من العاصمة الرياض، حيث الصحراء لا تزال تحتفظ بصمتها الذهبي، تتحرك السعودية بهدوء لكن بثبات نحو بناء أطول ناطحة سحاب عرفها التاريخ الحديث – بارتفاع يُقاس بالكيلومترات، لا بالأمتار.. نتحدث عن «رايز» وهذه التفاصيل!
«رايز»: هندسة المستقبل تبدأ الآن
أطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) مرحلة جديدة من العمل على ما يُعرف بـ “مشروع رايز” (Project Rise)، الذي يتضمن إنشاء برج عملاق بارتفاع مقترح يصل إلى كيلومترين. وهذا الارتفاع المذهل يتجاوز بأكثر من الضعف ارتفاع “برج خليفة” في دبي، الذي يتربع حالياً على عرش أطول بناء في العالم بارتفاع 828 متراً.
ويأتي المشروع ضمن خطة تطوير عمراني شاملة تحمل اسم “القطب الشمالي” (North Pole)، وتتمركز في منطقة استراتيجية شمال مدينة الرياض، مستهدفة إنشاء بيئة أعمال وتجارية رائدة تعزز من جاذبية العاصمة للمستثمرين العالميين.
عروض استشارية من نخبة الشركات
وفي خطوة تمهيدية أساسية، بدأ الصندوق في تقييم العروض المقدّمة من شركات عالمية للحصول على عقد خدمات الاستشارات الإدارية للمشروع، بما يشمل البرج والمنطقة التجارية المحيطة به. وقد وجّهت الدعوات إلى شركات من الوزن الثقيل مثل: AECOM – Jacobs – Parsons – Turner، وجميعها شركات أميركية مرموقة، إلى جانب شركة Mace البريطانية ذات الخبرة في مشاريع البناء العملاقة.
اقرأ أيضاً: في زمن الأزمات: لماذا يختار المستثمرون السندات السعودية؟
فوستر وشركاؤه.. توقيع التصميم من قلب لندن
أما التصاميم الهندسية للمشروع فقد أسندت إلى شركة “فوستر وشركاؤه” البريطانية الشهيرة، بعد فوزها في مسابقة دولية طرحت نهاية عام 2022. ومن المتوقع أن تحمل تصاميم الشركة رؤية طليعية تمزج بين الجرأة الجمالية والكفاءة الوظيفية، بما يتناسب مع الطموح غير المسبوق للمشروع.
ورغم أن الأرقام الدقيقة لم تُحسم بعد، فإن تقديرات أولية أشارت إلى أن كلفة تنفيذ هذا البرج العملاق قد تبلغ حوالي 5 مليارات دولار، مع الإشارة إلى أن التكلفة النهائية ستتضح فقط مع اكتمال التصاميم والمخططات التنفيذية النهائية.
لكن بالنظر إلى البنية الفوقية والبنية التحتية اللازمة لمثل هذا الصرح، بالإضافة إلى الابتكار المعماري والتقني المطلوب، قد لا تبدو هذه الكلفة مفاجئة في مشروع يحاول كسر كل الأرقام القياسية.
ما بعد الطول.. بيئة استثمارية متكاملة
بعيداً عن كونه مجرد سباق للارتفاع، يهدف مشروع “رايز” إلى أن يكون قلباً نابضاً جديداً للعاصمة السعودية، إذ يطمح إلى تأسيس منطقة أعمال مركزية متكاملة تجمع بين المكاتب الذكية، والفنادق الفاخرة، والمساحات الترفيهية، والمراكز التجارية، ضمن بيئة عمرانية مستدامة. وبهذا، يُراد لهذا المشروع أن يتحول إلى رمز اقتصادي واستثماري لا يقل أهمية عن قيمته المعمارية.
ومن اللافت أن البرج الجديد يأتي في وقت تعمل فيه المملكة على مشروع برج آخر عملاق في مدينة جدة، والذي يُتوقع أن يتجاوز ارتفاعه 1000 متر، ما يعني أن السعودية باتت تحتضن سباقاً داخلياً على من يحصد لقب “الأطول”، وهي مكانة كانت حتى وقت قريب حكراً على دول أخرى.
ختاماً، من خلال هذا المشروع، تثبت السعودية أنها لا ترسم أحلاماً على الورق فقط، بل تملك الجرأة والبنية التحتية والتمويل لتنفيذها. وقد أظهر صندوق الاستثمارات العامة مرة أخرى أنه حجر الزاوية في استراتيجية التحول الوطني، إذ يسهم في تحويل الأفكار الجريئة إلى معالم فعلية تضع المملكة في مصاف الدول الرائدة عالمياً في الابتكار العمراني والاستثمار العقاري.