ضربة راكيت قصيرة كانت كافية لتشعل مدرجات الرياض، وتحوّل حلم طفلة إلى عنوان عريض عن معنى الإلهام. حين صعدت سما البكر، ابنة الظهران ذات التسعة أعوام، إلى الملعب الرئيسي لتتبادل الكرات مع المصنفة الأولى عالمياً أرينا سابالينكا، بدا المشهد وكأنه رسالة مفادها أن الطريق إلى القمة يبدأ بخطوة صغيرة وواثقة.
ما حدث لم يكن مجرد فقرة استعراضية على هامش حدث عالمي؛ كان لحظة مفصلية تُعيد صياغة علاقة الفتيات بالرياضة، وتكشف كيف تحوّلت المملكة إلى منصة تمنح الموهبة فرصة أن تُرى وتُسمع وتُصقل. وبين صخب التصفيق وكاميرات العالم، برز اسم سما البكر كقصة قصيرة مكتملة العناصر: موهبة فطرية، بنية تحتية حاضنة، ورموز عالمية تمنح التشجيع وتبارك البدايات.
سما البكر وسابالينكا: لحظة تُلهم جيلاً من اللاعبات
اللقاء بين سما البكر وسابالينكا خطف الأضواء، ليس فقط لأن طفلة تبادلت الإرسال مع نجمة كبرى، بل لأن النجمة ذاتها خرجت لتثني على جودة الضربات ودقة التنفيذ، مؤكدة أن ما رأته من طفلة في التاسعة لم تكن لتفعله حين كانت في العمر نفسه. ذلك الإطراء حمل وزناً معنوياً هائلاً، إذ منح سما شرعية الأداء أمام العالم، ورسّخ انطباعاً بأن ما يجري في الرياض ليس حدثاً عابراً بل تأسيس لثقافة تنس جديدة.
الاسم اللامع لم يأتِ من فراغ. سما البكر ثمرة مسار يبدأ من اكتشاف المواهب صغيرةً وإدماجها مبكراً في أجواء البطولات، وهو ما منحها جرأة الوقوف على الملعب المركزي وجعل تبادلها للكرات مع سابالينكا قصة متداولة عبر منصات الأخبار والرياضة.
من الحلم إلى البرنامج: «أبطال الغد» يصنع أرضية صلبة
وراء المشهد البهيج يقف برنامج «أبطال الغد» الذي أطلقه الاتحاد السعودي للتنس برعاية صندوق الاستثمارات العامة، مستهدفاً الفتيات من 9 إلى 12 عاماً. الفكرة بسيطة وفعّالة: تعريف مبكّر بأجواء البطولات، تدريب ممنهج، واحتكاك مباشر بنجمات اللعبة على الهامش نفسه من الأحداث الكبرى. هذا الإطار المؤسسي يفسّر كيف وجدت سما البكر طريقها إلى الضوء؛ فحين تتوافر القاعدة، تُصبح المصادفات فرصاً، وتتحول الفرص إلى بداية مسار.
منصة عالمية في الرياض: نهائيات WTA ومفعولها المضاعِف
استضافة الرياض لنهائيات رابطة اللاعبات المحترفات (WTA Finals) في 1–8 نوفمبر 2025 جعلت المملكة مركز ثِقل في خريطة التنس النسائي. وجود أفضل ثماني لاعبات فردي ومزدوج في حدث واحد لا ينعكس على السياحة الرياضية فحسب، بل يرفع سقف الطموح لدى المواهب الناشئة اللواتي يرون القدوات على أرض وطنهن، ويقِسن المسافة بين الحلم والواقع بمقاييس ملموسة.
استثمار يغيّر قواعد اللعبة: من الشراكات إلى البنية الحاضنة
التحول الجاري لا يقتصر على حدث واحد. الشراكة متعددة السنوات بين صندوق الاستثمارات العامة ورابطة اللاعبات المحترفات—التي أصبحت بموجبها تصنيفات WTA تحمل تسمية الصندوق—شكّلت إطاراً أوسع لدعم اللعبة وتوسيع قاعدتها، وصولاً إلى مبادرات نوعية مثل «صندوق الأمومة» الذي أتاح لأول مرة مزايا مدفوعة للاعبات خلال فترات الأمومة؛ خطوة تعكس رؤية طويلة المدى لتمكين المرأة في الرياضة. هذه البيئة المتوازنة بين القمة والقاعدة تجعل قصصاً مثل قصة سما البكر أكثر قابلية للتكرار.
وعلى الضفة الأخرى من خريطة التنس، تستضيف جدة نهائيات «نيكست جِن» للرجال تحت 21 عاماً، ما يعزز الإرث المتنامي للتنس في المملكة، ويخلق زخماً متبادلاً بين البرامج القاعدية والأحداث العالمية، فتغدو قصة الموهبة الناشئة جزءاً من منظومة كاملة لا مجرد استثناء مُبهِر.
رسالة تتجاوز الملعب
حين تُنهي طفلة سعودية تبادلاً للكرات مع المصنفة الأولى عالمياً وسط حفاوة جماهيرية، يصبح للرياضة وظيفة تربوية وثقافية تتجاوز المتعة. سما البكر قدّمت نموذجاً عملياً: خطوة جريئة في المكان الصحيح، تحت رعاية برنامج مُحكم، وفي ظل حدث عالمي يوفّر نافذة على المستقبل. وإذا كان الإلهام عدوى جميلة، فإن ما جرى في الرياض يعد بتوسّع دائرتها، بحيث ترى آلاف الفتيات في المملكة أن الملعب ليس بعيداً، وأن النجومية فكرة قابلة للتحقق حين تتعارض المصادفة مع الجهد المنظم.
اقرأ أيضاً: الرياضة السعودية: من النفط إلى الملاعب.. استثمار يغيّر وجه المملكة!

