وصلت السعودية إلى المكانة الاقتصادية التي هي عليها الآن عبر مجموعة من البرامج التي ساهمت في تنويع الاقتصاد بعيداً عن مجال النفط. ومنها برنامج التوازن الاقتصادي الذي لعب دوراً كبيراً في تحويل السعودية من بلد معتمد على النفط فقط إلى بلد متعدد المكاسب على الصعيد الاقتصادي. لذلك سنتعرف في هذا المقال على برنامج التوازن الاقتصادي وأهم الشركات التابعة له.
يعد “برنامج التوازن الاقتصادي” أحد أبرز المبادرات التي أطلقها الأمير سلطان بن عبد العزيز، والتي تهدف إلى سد الفجوة بين الدول المتقدمة التي تهيمن على التقنيات الصناعية، ودول العالم الثالث التي تعتمد على استهلاك هذه التقنيات. وقد أدركت وزارة الدفاع والطيران السعودية أهمية سد هذه الفجوة وبناءً عليه قدمت رؤية لدعم التقنيات المتقدمة الخاصة بالأمن الوطني من خلال الخبرات الاي اكتسبتها في مجال النظم التسليحية.
وقد بدأ البرنامج بتطبيق مفهوم التوازن الاقتصادي عبر تدوير جزء من قيمة عقود مشاريع الدفاع الكبرى، حيث فرضت عدة شروط منها وجوب استثمار الشركات الأجنبية الفائزة بتلك العقود جزء من عوائدها في مشاريع صناعية وخدمية بالمملكة. مما أدى إلى مجموعة من النتائج منها تأسيس العديد من الشركات السعودية التي تسهم بشكل فعّال في تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل للكوادر المحلية.
منذ إطلاق البرنامج، تم تأسيس 29 شركة في مجالات متنوعة، استثمرت نحو 11 مليار ريال سعودي. وبالإضافة إلى تلك الشركات، توجد مشاريع جديدة تحت التنفيذ تُقدر استثماراتها بنحو 3.6 مليار ريال. هذه الشركات تغطي مجالات صناعية وخدمية متنوعة تشمل الطيران، البتروكيماويات، الغذاء، الأدوية، التعليم، نظم المعلومات، وغيرها. كما نتج عن تطبيق مفهوم التوازن الاقتصادي إنشاء مجموعة من الشركات الكبرى في مجالات هامة كالطيران، الفضاء، الإلكترونيات، الهندسة، وغيرها. مثل “شركة السلام للطائرات” و”الإلكترونيات المتقدمة”.
شركات متنوعة في مختلف المجالات
إحدى أبرز الإنجازات لبرنامج التوازن الاقتصادي هو دعم الصناعة العسكرية والدفاعية، حيث ساهمت هذه الشركات في تلبية احتياجات القوات المسلحة والمرافق الحيوية في المملكة، مثل “شركة السلام للطائرات” و”شركة الشرق الأوسط لمحركات الطائرات”. حيث وصلت الاستثمارات في هذه الشركات إلى نحو 1348 مليون ريال، وهو ما يمثل 12% من إجمالي استثمارات برنامج التوازن الاقتصادي.
كما يسهم برنامج التوازن الاقتصادي بشكل ملحوظ في توفير احتياجات المملكة من السلع الأساسية. فمثلاً “المتحدة للسكر” تنتج حوالي 80% من احتياجات السوق المحلي من السكر، و”جلاكسوولكم السعودية” تصنع العديد من الأدوية والمراهم. كما ساهم البرنامج في دعم شركات مثل “الشرق الأوسط للبطاريات”، التي أصبحت تصدر جزءاً من إنتاجها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أسهم البرنامج في تأسيس شركات تعمل في مجال البتروكيماويات مثل “الشركة السعودية للأولفينات” و”شركة الخليج للصناعات الكيماوية”، التي تأسست بمشاركة مع شركات كبيرة مثل “التصنيع للبتروكيماويات” و”سبكيم”. كما تم تشغيل “شركة الروبيان العربي” في منطقة جازان، التي يتوقع أن تصبح واحدة من أكبر مشاريع استزراع الروبيان في العالم.
وأحد العوامل المميزة لبرنامج التوازن الاقتصادي هو مساهمة الشركات العالمية الكبرى في تأسيس الشركات المحلية. فقد شاركت شركات مثل “بوينج”، “جنرال إلكتريك”، “رولز رويس”، “تاليس”، و”برات آند ويتني” في نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى المملكة، وهو ما أسهم في تعزيز القدرة الإنتاجية والتقنية للشركات المحلية. مع شروط تركيز الشركات على توظيف الأيدي العاملة الوطنية، مما عكس نجاح البرنامج في توفير فرص عمل للمواطنين، حيث تجاوزت نسبة السعودة في بعض الشركات 50%.
امتدت إنجازات برنامج التوازن الاقتصادي إلى قطاع التعليم والتدريب المهني. فقد أسهم البرنامج في تأسيس “برنامج المعايير المهنية الوطنية”، الذي وضع المواصفات والمقاييس لـ250 مهنة بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل، بالتعاون مع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني. كما دعم البرنامج الأنشطة البحثية والتقنية بين الجامعات السعودية والشركات العالمية، مما يعزز من تطوير الكوادر البشرية المحلية.
أبرز شركات التوازن الاقتصادي
الشركة السعودية للصناعات المتطورة
هي شركة مساهمة سعودية تأسست في 30 ديسمبر 1987 برأس مال بلغ 432 مليون ريال سعودي، وتهدف إلى نقل التقنية الصناعية المتقدمة إلى المملكة من خلال مشاركتها في برامج التوازن الاقتصادي والمشاريع الصناعية الأخرى. في البداية ساهمت الشركة برأس مال قدره 108 مليون ريال سعودي في عام 1988، ثم ارتفع رأس مالها إلى 432 مليون ريال، وبعدها تم زيادته إلى 500 مليون ريال في عام 2015. والجدير بالذكر أن الشركة مدرجة في السوق المالية السعودية “تداول” منذ مايو 1993.
كما تساهم الشركة في عدد من الشركات التابعة لها في قطاعات متنوعة:
- قطاع البتروكيماويات: شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات (ينساب)، الشركة العربية للألياف الصناعية (ابن رشد).
- قطاع صناعة الزجاج: شركة العبيكان للزجاج، شركة العبيكان إي جي سي للزجاج.
- قطاع الخدمات الصناعية: شركة التصنيع وخدمات الطاقة، شركة السلام لصناعة الطيران.
- قطاع الخدمات والاستثمارات المالية: شركة دويتشة الخليج للتمويل.
شركة الشرق الأوسط لمحركات الطائرات المحدودة
تأسست شركة الشرق الأوسط لمحركات الطائرات المحدودة في 1992 كمشروع مشترك، وتعد جزء من برنامج التوازن الاقتصادي الذي أُطلق في 1989 لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التعاون بين الشركات الأجنبية والسعودية. الشركة تختص في صيانة وعمرة المحركات العسكرية لطائرات القوات الجوية الملكية السعودية، ولها علاقة مستمرة منذ عام 2001 مع القوات الجوية لتوفير خدمات الصيانة لمحرك F100 المستخدم في طائرات F-15. أنتجت الشركة أكثر من 680 وحدة من هذا المحرك، وبدأت في تقديم خدمات صيانة لمحرك RB199 المستخدم في تورنيدو منذ 2009. كما تقوم بتطوير قدراتها في صيانة المحرك 56-T.
شركة الإلكترونيات المتقدمة المحدودة
تأسست شركة الإلكترونيات المتقدمة في 1988 ضمن برنامج التوازن الاقتصادي، لتطوير القدرات المحلية السعودية في مجالات الإلكترونيات الحديثة. وعلى مدار ثلاثة عقود، لعبت الشركة دوراً هاماً في تصنيع النظم الإلكترونية المتطورة، وتكامل الأنظمة، وإدارة المشاريع، عدا عن تقديم خدمات الصيانة للأجهزة العسكرية والمدنية.
يقع مقر الشركة في الرياض، وتعمل في مجالات الدفاع، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الطاقة، والأمن السيبراني. كما تتمتع بخبرة واسعة في تصميم وتطوير وصيانة أنظمة متطورة مثل أنظمة العدادات الذكية، أنظمة الحماية للبنى التحتية، وأنظمة الطائرات العسكرية مثل تايفون وإف 15 وتورنيدو.
في عام 2020، استحوذت الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) على شركة الإلكترونيات المتقدمة لتصبح شركة سعودية 100%. وفي عام 2018، بلغت مبيعات الشركة 2.07 مليار ريال، ذلك بالتعاون مع عملاء بارزين مثل الحرس الوطني السعودي، القوات المسلحة السعودية، بوينغ، رايثيون، أرامكو، سابك، وغيرها.
من بين منتجاتها راديوا بانثر، أنظمة مراقبة عن بُعد، وأنظمة إدارة الطاقة والمراقبة البيئية، كما تقدم خدمات قيمة مضافة وحلول متكاملة لعملائها.
باختصار ساهم برنامج التوازن الاقتصادي بتحقيق نقلة نوعية في السعودية في عدد من المجالات الهامة. ومع استمرار نجاح البرنامج يُتوقع أن تحقق السعودية المزيد من الأهداف التي وضعتها ضمن رؤيتها 2030.
اقرأ أيضاً: برنامج المشغل الاقتصادي المعتمد.. بوابة السعودية إلى الريادة التجارية العالمية

