“شهد أمين” واحدة من أبرز الأصوات السينمائية النسائية في السعودية، استطاعت خلال سنوات قليلة أن تضع بصمتها الخاصة في عالمٍ كان حكراً على الرجال. جمعت بين الحس الإبداعي العميق والرؤية الفنية الجريئة، فحولت قضايا المرأة والهوية والحرية إلى صورٍ آسرةٍ تنبض بالرمزية والجمال. انطلقت من جدة إلى لندن لتدرس السينما، ثم جابت المهرجانات العالمية حاملةً رؤيتها عن الإنسان والأنوثة والمجتمع. من أفلامها القصيرة الأولى إلى عملها الأشهر “سيدة البحر”، وصولاً إلى “هجرة”، ظلّت شهد أمين تُعبّر بعدسةٍ حرة عن تجربة أنثى سعودية تبحث عن ذاتها وسط تحوّلات الواقع والحلم.
النشأة والبدايات السينمائية
ولدت شهد أمين في مدينة جدة، ونشأت في بيئة جعلتها تنظر إلى واقعها الاجتماعي بعين فنية ناقدة. درست الدراسات الفنية وإنتاج الفيديو في جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. عندها اكتشفت شغفها العميق بعالم الصور والسرد البصري.
خاضت تجربة الاغتراب والدراسة، وهذا ما ساعدها على تكوين وعي جديد جعل منها شخصاً قابلاً للناقضات الإنسانية والثقافية. مسيرتها المهنية بدأت كمساعدة مخرج في الإعلانات، بعدها انتقلت إلى إخراج الأفلام القصيرة منها “موسيقانا” و”نافذة ليلى” فب عام 2011، ليلمع نجمها في فيلمها “حورية وعين” عام 2013، والذي نال جائزة أفضل فيلم قيصر في مهرجان أبو ظبي السينمائي، وعرض في مهرجانات عالمية مثل “تورونتو وستوكهولم”.
اقرأ أيضاً: من هي رائدة الأعمال السعودية نورة آل الشيخ؟
“سيدة البحر” والانطلاقة الكبرى للأمين
شهد عام 2019 تقديم الأمين لفيلمها الروائي الطويل الأول “سيدة البحر”، في مهرجان فينيسيا السينمائي “أسبوع النقاد”، ليشكل ذلك علامة فارقة في تاريخ السينما السعودية. ما ميز هذا الفيلم هو أسلوبه الرمزي وأجوائه العالمية. تناولت من خلاله “شهد أمين” حكاية مجتمع يفرض على النساء التضحية بأنفسهن ليبقى الرجال.
فقدمت بذلك رؤية نسوية عميقة لا ترفع الشعارات، بل تنبع من تجربة ذاتية وإنسانية صادقة. نال الفيلم جائزة نادي “فيرونا” السينمائي للفيلم الأكثر إبداعاً، وشارك الفيلم في مهرجانات عديدة منها: (قرطاج والرباط وسنغافورة والقاهرة). كما تم اختياره لتمثيل ابلاد في سباق جوائز الأوسكار لعام 2021. بهذا العمل، رسّخت شهد مكانتها كمخرجة تمتلك صوتاً فنياً، ورؤية فلسفية تجاه المرأة والتحول الاجتماعي.
“هجرة” عاد بشهد إلى العالمية
بعد فترة من الانشغال بكتابة مشاريع لآخرين، عادت “شهد أمين” إلى الساحة العالمية بفيلمها الجديد “هجرة” الذي عُرض في قسم “أضواء فينيسيا” عام 2025. يروي الفيلم رحلة جدّة وحفيدة تسافران عبر مدن المملكة من الطائف ومكة والعلا إلى ضبا وتبوك، في بحثٍ مؤلم عن حفيدة مفقودة.
لكن القصة تتجاوز الحدث لتغوص في تاريخ المهاجرين الذين استقروا في السعودية بعد الحج، وتكشف كيف تشكّلت المدن الكبرى بتعدّد أعراقها وثقافاتها. اختارت شهد ممثلة كبيرة السن وطفلة لتجسيد البطولة، في جرأة فنية نادرة، لتؤكد مجدداً قدرتها على الغوص في العمق الإنساني للمرأة السعودية. بهذا الفيلم، تواصل شهد أمين مشروعها الإبداعي في إعادة تعريف الهوية السعودية من خلال السينما، كنافذة تجمع بين الذاكرة والرحلة والبحث عن الذات.
اقرأ أيضاً: صناعة الأفلام في السعودية… صعود نحو الأوسكار

