كتب: محسن حسن
صناديق الثروة السيادية هي أوعية مالية واستثمارية ضخمة تديرها الحكومات والدول الغنية بالموارد الطبيعية أو بالاحتياطيات الكبيرة من النقد الأجنبي، بهدف دعم الاقتصاد الوطني. وهذه الصناديق، يمكن اشتقاقها من مصادر متنوعة وتوظيفها في أغراض مختلفة وفق السياسات المالية والاستثمارية الخاصة بالجهات المالكة. وفي الغالب الأعم، يكون لتلك الصناديق أهدافها الخاصة وشروطها ومسؤولياتها، وكذلك درجاتها المتفاوتة في تحمل المخاطر، ما بين التحفظ الشديد، والتسامح الفائق مع المخاطر، على أن هدفها الإجمالي العام يتمثل في حوكمة استثمار الأصول والموارد من أجل توليد الإيرادات الحكومية و تنويع الفوائد الاقتصادية الوطنية إلى جانب التحكم في توجيه السياسات الاقتصادية، ومن ثم، تتعدد أنواع الصناديق السيادية للثروة، ما بين صناديق استقرار وصناديق ادخار وصناديق استثمارية للاحتياطي النقدي وصناديق للثروة السيادية المخصصة للتنمية الاستراتيجية وصناديق للدعم الصناعي النوعي، إلى غير ذلك من أنواع يتحكم فيها الهدف الأساسي العام أو الخاص من إنشاء الصندوق. وعلى مستوى التسمية، لم يعرف مصطلح (الصناديق السيادية) إلا مؤخراً، من باب تحقيق الاشتمال لمسمياته التاريخية الأخرى مثل: صناديق النفط، صناديق الادخار، صناديق الأجيال القادمة.
الدافع والتأسيس
وبالنظر إلى الدوافع الكامنة وراء إنشاء هذه الصناديق، فهي دائماً مرهونة بطبيعة المميزات والخصائص المهيمنة على الهياكل الاقتصادية للدول، وبمدى الفوائض المالية المتوافرة، و يأتي في مقدمتها، استباق نضوب الموارد والعمل على إيجاد موارد بديلة لحفظ حقوق الأجيال المتعاقبة، هذا إلى جانب الرغبة في توسيع القاعدة الاقتصادية وتنويع الموارد وتدوير عجلة الإنتاج، والعمل على تجنيب القطاعات الاقتصادية المحلية، وخاصة القطاع الصناعي، الوقوع تحت تأثير سلبيات العوائد المالية المترتبة على الموارد الطبيعية، والمعروفة بأعراض المرض الهولندي الاقتصادية، بالإضافة إلى مقتضيات حاجة الاحتياطيات النقدية إلى الحماية من مخاطر التقلبات الطارئة على أسواق المال وأسعار الصرف، عبر تدوير تلك الاحتياطيات ضمن صناديق استثمارية تضمن تنميتها. وما سبق إجمالاً يوضح أن تنويع المصادر الاقتصادية، وحماية الاحتياطيات النقدية، وتحقيق أعلى معدلات الثبات الاقتصادي عبر تمويل المشاريع التجارية الكبرى، هي من بين أهم الدوافع الكامنة وراء إنشاء الصناديق السيادية.
اقرأ أيضاً: صندوق الاستثمارات العامة السعودي يخصص مبلغاً كبيراً للمشروعات الخضراء
ريادة كويتية
وتاريخياً يعود إنشاء صناديق الثروة السيادية إلى العام 1953، عندما تحولت هيئة الاستثمار الكويتية إلى أول صندوق سيادي للثروة في العالم يتم تخصيصه لإدارة الثروات النفطية الوطنية، لتبدأ ظاهرة الصناديق السيادية في الانتشار تباعاً حول العالم، بحيث شكلت الأزمات والتقلبات المالية العالمية، وخاصة في الفترة من 2007-2008، محفزاً قوياً من محفزات تطوير هذه الصناديق، وتحويلها من مجرد أداة حمائية ضد التقلبات الاقتصادية، إلى منظومة محوكمة للاستدامة المالية والتنمية الاستثمارية على المستوى الدولي، الأمر الذي عزز أكثر من انتشار هذه الصناديق، بحيث باتت تلعب دوراً محورياً في تحديد ملامح التنافسية التنموية بين الاقتصادات المختلفة، ما تعاظمت معه الأصول المالية والاستثمارية المملوكة لتلك الصناديق، إلى الدرجة التي أصبح فيها أكبر 100 صندوق سيادي على مستوى العالم حالياً، يمتلك أصولاً تتجاوز 13.5 تريليون دولار أمريكي، بعد أن كانت تلك الأصول الإجمالية لا تتجاوز 6.7 تريليون دولار عام 2014، وفي حال افتراض وجود صناديق الثروة السيادية مجتمعة داخل دولة واحدة، فستكون ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين فقط، علماً أن عدد الصناديق السيادية للثروة، تضاعف عالمياً قرابة الثلاث مرات خلال ال 25 عاماً الماضية، بحيث وصل عددها إلى أكثر من 165 صندوقاً، كان من بينها ثلاثة عشر صندوقاً جديداً خلال الفترة من 2020/2023 فقط.
القائمة والترتيب
ووفق التقارير الصادرة عن (معهد صناديق الثروة السيادية) خلال العام الحالي 2025، تتربع عدة صناديق سيادية في المقدمة، يأتي على رأسها صندوق التقاعد الحكومي النرويجي العالمي بحجم أصول استثمارية يبلغ 1.7 تريليون دولار، يليه مؤسسة الاستثمار الصينية بواقع 1.3 تريليون دولار، ثم شركة الاستثمار الآمن الصينية و جهاز أبو ظبي للاستثمار بواقع 1.1 تريليون دولار، ثم جهاز الاستثمار الكويتي بواقع تريليون دولار، ثم صندوق الاستثمارات العامة السعودي بواقع 925 مليار دولار، ثم شركة GIC للاستثمارات الخاصة المحدودة بسنغافورة بواقع 800 مليار دولار، ثم شركة Badan pengelola الإندونيسية بواقع 600 مليار دولار، ثم جهاز للاستثمار القطري بواقع 526 مليار دولار، وأخيراً محفظة استثمارات سلطة النقد في هونج كونج الصينية بواقع 514 مليار دولار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حدود الاختصاص المالي والاستثماري لهذه الصناديق السيادية تستثني التعامل أو الاستحواذ على القطاعات المالية الأساسية مثل الاحتياطات النقدية المخصصة لميزان المدفوعات، وأموال المعاشات التقاعدية للموظفين، والأصول الاحتياطية للبنوك المركزية، حيث نص تعريف مجموعة العمل الدولية للصناديق السيادية والمنشور في الملحق الأول من مبادئ سانتياغو، على اختصاص الصناديق السيادية حصراً بالإدارة الاستثمارية للفوائض.
صناديق واعدة
ويمنحنا تأمل الانتشار الواسع لصناديق الثروة السيادية حول العالم، بعداً إصلاحياً في مجمله، يشير إلى تطور الدور التنموي المستقر لتلك الصناديق، خاصة مع كونها مملوكة وممولة من الحكومات المحلية، على عكس صناديق الاستثمار التقليدية، ما يساعد على حوكمة توجيه الاستراتيجيات وإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية على الأهداف التي تحركها الأرباح البحتة لدى البنوك أو الشركات المالية الخاصة؛ وعلى سبيل المثال، تلعب استثمارات صناديق المعاشات التقاعدية دوراً إيجابياً في بناء رؤوس الأموال الداعمة لالتزامات التقاعد المستقبلية ورعاية المسنين في العديد من الدول، كما هي الحال مثلاً بالنسبة لصندوق التقاعد النيوزلندي، وصندوق احتياطي المعاشات التقاعدية في تشيلي؛ فالأول تم إنشاؤه عام 2001، ويديره الأوصياء على التقاعد في نيوزلندا، وهو كيان تابع للتاج ويتمتع بسلطة اتخاذ قرارات استثمارية مستقلة عن الحكومة، ويستخدم محفظة مرجعية كمعيار لقياس الأداء و تحديد القيمة المضافة من خلال استراتيجيات الاستثمار النشطة، بينما تم إنشاء الثاني عام 2007، وهو يعمل كصندوق استقرار داعم للحالات والأزمات الطارئة، وبرأس مال أولي قدره 2.6 مليار دولار، ولذلك فهو يميل إلى التعاطي أكثر مع الأصول والاستثمارات السائلة بغية الوصول إلى رأس المال خلال فترات قصيرة، وهو ما ساعد حقاً في أن تتمتع تشيلي ـــ بخلاف دول أمريكا اللاتينية الأخرى ــــ باستقرار اقتصادي خلال الأزمة المالية العالمية 2008، ومنذ مارس من العام 2018 أصبح هذا الصندوق يحتفظ بأصول تبلغ 14.9 مليار دولار. ومن الجدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية واليابان تمتلكان أكبر صناديق الضمان الاجتماعي؛ فالأولى تبلغ صناديقها الائتمانية 2.8 تريليون دولار، بينما يمتلك صندوق المعاشات التقاعدية الحكومي في اليابان، أصولاً بقيمة 1.8 تريليون دولار.
تأثير خليجي
وعلى صعيد الصناديق السيادية في منطقة الخليج، فقد لوحظ الأثر الإيجابي الفعال لتوظيفها وتعظيم أثرها التنموي؛ حيث ساهمت الطفرات الحادثة في أسعار النفط والغاز بقوة، في رفع وتيرة الأرباح والأصول المملوكة لتلك الصناديق، ما ساعد الدول الخليجية على تدوير استثماراتها في مختلف القطاعات الاقتصادية المتاحة كالقطاع الطاقوي والتكنولوجي والسياحي والقطاع الترفيهي والرياضي إلى جانب قطاع البنية التحتية. وقد بدا واضحاً انسجام جداول أعمال هذه الصناديق مع مخططات واستراتيجيات الإصلاح الحكومي طويلة الأجل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لدول هذه المنطقة، وهو ما يظهر من تلك الطفرة الاستثمارية الخليجية المفضية إلى تنمية موسعة للاقتصادات المحلية، كان من مؤشراتها تعزيز التنوع الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الأصول المملوكة لأكبر سبعة صناديق سيادية خليجية بنسبة 70% خلال السنوات السبع الماضية.
وتحديداً منذ العام 2018، الأمر الذي ساهم في تعزيز القوة المالية لتلك الصناديق، وبالتالي تعزيز القدرة البنيوية للاقتصادات المحلية لدولها على مواجهة التحديات والوفاء بالالتزامات. وفي الوقت الراهن تهيمن الصناديق الخليجية السيادية، على ما يتجاوز 39% من أصول واستثمارات الصناديق السيادية الدولية، ومن المتوقع أن ترتقي أصولها المستقبلية إلى أكثر من 80 تريليون دولار بحلول 2030، خاصة مع تزايد حجم الصفقات الاستثمارية، والتي تجاوزت 135 مليار دولار خلال الفترة من يناير 2023 وحتى سبتمبر 2024 فقط، وهو ما يعادل ثلثى الاستثمارات المنجزة لمجمل صناديق الثروة السيادية المؤسسة حديثا على المستوى الدولي.
انفتاح سوقي
وبحسب التوجهات والاستراتيجيات الاستثمارية الحديثة لصناديق دول مجلس التعاون الخليجي السيادية، توسعت الأسواق الحاضنة للصفقات الاستثمارية لتلك الصناديق، فلم تعد قاصرة على أسواق الغرب الاعتيادية والتقليدية، وإنما باتت تستهدف الأسواق والبلدان الأكثر والأسرع نمواً في قارة آسيا والمحيط الهاديء، وفي المقدمة منها الاقتصادين الصيني والهندي ومجمل الاقتصادات صاعدة النمو في جنوب الشرق الآسيوي، وهي الاستراتيجيات التي أصبحت معتمدة لدى الصناديق السيادية الفاعلة في منطقة الخليج، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي وأجهزة أبو ظبي السيادية، وقطر للاستثمار، حيث أدت العلاقات الثنائية الخليجية/الآسيوية، وخاصة العلاقات مع الصين، إلى زيادة حصص الاستثمار الخليجي في الشركات الصينية المسجلة في البورصة، وبمعدلات استثمار قاربت الــ 10 مليارات دولار خلال عام 2024 المنصرم، حيث كان لهيئة الاستثمار الكويتية وجهاز أبو ظبي للاستثمار نصيب الأسد من تلك الحصص الاستثمارية. ومن جهة مقابلة، يبدو في الأفق، وجود استراتيجيات سعودية وإماراتية ماضية نحو فتح أسواق استثمارية جديدة مباشرة وغير مباشرة في القارة الإفريقية، وخاصة في مجال التعدين والثروات الاستخراجية.
اقرأ أيضاً:الصندوق السيادي السعودي يعتزم تقليص ميزانية بعض المشاريع
السيادي السعودي
وفيما يخص صندوق الاستثمارات العامة السعودي فقد جاءت نشأته عام 1971 كمطلب ضروري من مطالب حماية الاقتصاد الوطني وتحريك العوائد والأصول الاستثمارية الراكدة، ومن ثم تنميتها، إلى جانب دعم تأسيس وتمويل الشركات والمشاريع المحلية والاستراتيجية الكبرى، وهو الدور الذي تطور من حيث الكم والكيف وحجم المسؤوليات والنجاحات على مدار أكثر من خمسين عاماً متتالية منذ التأسيس وحتى الآن، حيث كان القرار 270 لمجلس الوزراء السعودي عام 2015 بإسناد مهام إدارة الصندوق إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، مؤذناً بمرحلة انتقالية شديدة الأهمية في تطوير وتحديث تلك المهام، ومواكباً لإطلاق رؤية المملكة 2030 بعد عام واحد من تولي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز رئاسة مجلس إدارة الصندوق بالتزامن مع رئاسته مجلس الوزراء ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ما منح مهام صندوق الاستثمارات العامة زخماً جديداً وفضاءً منفتحاً على قبول التحديات التنموية والاستثمارية وعلى ترك بصماتها الإصلاحية المستدامة في بنية الاقتصاد الوطني السعودي، ثم في أسواق العالم النامي والمتقدم على السواء.
واليوم بات دور صندوق الاستثمارات العامة التنموي والاستثماري واضحاً في حياة السعوديين على أكثر من صعيد داخلي وخارجي؛ فقد باتت جميع القطاعات الاقتصادية والاستراتيجية في طور النمو المتسارع، كما أصبحت التنمية البشرية جزءاً لا يتجزأ من النجاحات اليومية التي يحققها المجتمع السعودي صغاراً وكباراً، شيبة وشباناً، حيث ساعدت الأصول المالية الضخمة التي تقع تحت إدارة الصندوق والبالغة أكثر من 3.47 تريليون ريال سعودي، على إحداث طفرات تنموية وتحديثية متتابعة ومستدامة في أكثر من 13 قطاعاً استراتيجياً وحيوياً، عبر أكثر من 100 شركة و220 محفظة استثمارية لتلك الشركات، قام بتأسيسها الصندوق، وهو ما أوجد أكثر من 1.1 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة داخل وخارج المملكة، خاصة في ظل المشاريع الاستثمارية الكبرى مثل نيوم، القدية، البحر الأحمر الدولية، مشاريع مجموعة روشن، مشروع الدرعية، ومشاريع أخرى عديدة، وأيضاً في ظل التزام الصندوق ــ منذ إطلاق رؤية 2030 وحتى الآن ـــ بضخ ما يصل إلى 50 مليار دولار سنوياً في الاقتصاد المحلي رغبة في تنمية الاقتصاد غير النفطي وتوليد فرص العمل.
السعودي والنرويجي
وفي ظل التنافسية الدولية المحمومة بين إدارات صناديق الثروة السيادية الدولية، غالباً ما تبرز إلى السطح الرغبة في إجراء مقارنات عديدة بين تلك الصناديق، ربما بهدف استكشاف الملامح الخاصة بمستقبلها وبترتيبها في قائمة الأعلى والأقوى، وما إلى ذلك، الأمر الذي يدفعنا بدوره إلى إجراء مقارنة سريعة وضرورية بين (صندوق الاستثمارات العامة السعودي) و(صندوق التقاعد الحكومي النرويجي العالمي) باعتبار الأخير يحتل حالياً أعلى مرتبة في قائمة الصناديق السيادية الدولية ضمن السياق الفردي، وفي الواقع يتشابه الصندوقان في الدوافع الأولية للإنشاء، والمتمثلة في إدارة فوائض الإيرادات النفطية، غير أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أسبق تاريخياً بقرابة العقدين من حيث بداية التأسيس من نظيره النرويجي الذي تأسس عام 1990 تحت اسم (صندوق البترول الحكومي) قبل أن يتغير الاسم عام 2006 إلى مسماه الحالي المشار إليه.
لكن بالطبع، امتلك السيادي النرويجي آليات أكثر ديناميكية وثراءً منذ البدايات، على عكس السيادي السعودي الذي تأخر في امتلاكها حتى إطلاق رؤية 2030؛ إذ كان الأول أكثر تنظيماً وإصراراً في استثمار أرباحه من النفط والغاز في الأسهم والسندات العالمية، ما مكنه من إدارة 1.74 تريليون دولار بعائد سنوي مقداره 6.3% منذ عام 1998، وفق أفضل الممارسات الاستثمارية، والنظم فائقة الشفافية، والهادفة إلى ضمان حقوق الأجيال القادمة، وكانت وتيرة تطور رأس مال هذا الصندوق من مؤشرات نجاحه الجلية؛ حيث بلغت في 2011 أصوله مبلغ 556.8 مليار دولار، معادلاً حجم الناتج الإجمالي النرويجي، وحالياً يستثمر الصندوق في كل شيء بما في ذلك الأسهم والدخل الثابت والعقارات وغيرها.
وفي عام 2023 على سبيل المثال لا الحصر، حقق الصندوق عائداً بنسبة 16.1% وكانت حيازاته 70.9% للأسهم، و 24.1% للدخل الثابت، و 1.9% للعقارات، و 0.1% للبنية التحتية والطاقة المتجددة، وهذه الوتيرة الاستثمارية المتنوعة، جعلته، مجملاً، أكبر الصناديق الاستثمارية الأوروبية، ما دعت في ظله المفوضية الأوربية إلى أهمية اعتماد النموذج السيادي النرويجي معياراً طوعياً لدول الاتحاد الأوروبي فيما يخص صناديق الثروة السيادية المملوكة للدول والحكومات، وهو ما يجعل هذا الصندوق ماثلاً بقوة في الذهنية السعودية المباشرة لإدارة وتطوير صندوق الاستثمارات العامة حالاً ومستقبلاً، والذي يمتلك هو الآخر طموحات متسارعة نحو المنافسة والتوسع والاحترافية الاستثمارية، وهو ما يؤكده الصعود المستمر نحو منصات الصدارة، فبعد أن كان الصندوق يحتل المرتبة الــ13 عام 2016 (عام إطلاق الرؤية 2030) ضمن أكبر الصناديق السيادية العالمية، بواقع أصول تقدر بـــ 160 مليار دولار، هو الآن يحتل المرتبة السادسة عالمياً، والثالثة خليجياً وعربياً، بواقع 925 مليار دولار، وهو دليل قاطع على مدى التقدم والتطوير والتوسع الاقتصادي والاستثماري، وأيضاً على قبول التحدي المستقبلي في الوصول إلى مراتب أعلى ربما لن يتوقعها المنافسون.
اقرأ أيضاً: ترامب مُنبهر بثروة السعودية: صندوقها السيادي ضخم.. وعلينا مواكبته
الأفضل قادم
وبنظرة تحليلية لحجم التنافسية الدولية في مجالات عمل وتطوير صناديق الثروة السيادية، سنجد أن المستقبل يحمل مبشرات واعدة لصناديق الثروة السيادية الخليجية، وخاصة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وذلك من منطلق الأثر الإيجابي لاقتصاديات الخليج الاستثمارية والسعودية في الأسواق الدولية، في مقابل تراجع الأثر الأوروبي بفعل عوامل عديدة لعل أهمها أن التفوق الأوروبي لصندوق التقاعد الحكومي النرويجي هو تفوق فردي لا تفوق دول، حيث تظل الصين على رأس ترتيب صناديق الثروة السيادية على مستوى الدول وفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادية، كما أن تفاقم المشكلات الاقتصادية الحديثة والراهنة للدول الأوروبية، مقابل التوسعات الاقتصادية الإيجابية للقارة الآسيوية والاسترالية، يمكن في ظله أن تفقد النرويج تقدمها الفردي في أي وقت، وهذا الفقد أصبح أكثر توقعاً في المستقبل لصالح أطراف خليجية منه لصالح أطراف أخرى دولية أو إقليمية.
وبالطبع يعد صندوق الاستثمارات العامة السعودي حاضراً وبقوة في هذه المعادلة، خاصة وأنه يحتل حالياً المرتبة الثالثة ضمن قوة استثمار سيادي خليجية وعربية تتجاوز حاجز الــ 4.75 تريليون دولار. وإذا وضعنا في الاعتبار توسع الاستثمارات الخليجية وعلى رأسها الاستثمار السعودي، في القارة الإفريقية، واحتمالية التعاطي المتجدد مع نوعية الصناديق السيادية المختلطة والتي تناسب الدول الفقيرة والنامية، فإن الفرص الاستثمارية ستكون أكثر حظاً وحضوراً لتحقيق المزيد من التقدم في ظل اهتمام سعودي كبير باقتصاديات هذه القارة الواعدة والحبلى بالكنوز والثروات والمرحبة بالتوسع التجاري والاستثماري المستدام.
وبناء على ما تقدم، نتوقع أن يشهد العقد القادم نجاحات سعودية متلاحقة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، خاصة في ظل الطموحات الاقتصادية المنشودة والخطط الإصلاحية الماضية لاستراتيجية 2030 وما بعدها من استراتيجيات تالية يتم الإعداد لها كاستراتيجية 2040، والتي سيتم العمل خلالها وخلال ما يليها من استراتيجيات لاحقة، على بلوغ هدف أساسي هو زيادة أصول الصندوق إلى 1.9 تريليون دولار، وهو الهدف الذي سيعبر من خلاله صندوق الثروة السعودي ليحتل المرتبة الأولى عالمياً كأكبر صندوق سيادي فردي وحكومي للثروة والاستثمار السيادي في العالم، متجاوزاً صندوق التقاعد النرويجي؛ حيث يتم الإعداد لأن تعادل استثمارات الصندوق ما يزيد على 25.5% من مجمل استثمارات الصناديق السيادية العالمية، وربما ستكون النسبة أكبر من ذلك، حال زادت نسبة الأسهم المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة في شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)، من 8% حالياً إلى نسب أكبر تواكب طموحات الصندوق الاستثمارية والتنافسية في المستقبل.
وبشكل عام سيتوجب على صندوق الاستثمارات العامة السعودي الالتزام باستلهام تجارب الآخرين وخاصة من حيث آليات الانتشار والتوسع والتعاطي الاستثماري؛ فالصندوق النرويجي على سبيل المثال يتعاطى مع أكثر من تسعة آلاف شركة ضمن رقعة جغرافية تغطي أكثر من 70 دولة، كما أنه يعتمد استراتيجية استثمارية مواكبة للاحتكاك المباشر بالسوق، بالتزامن مع استبعاد التورط في الاستثمارات السلبية.
اقرأ أيضاً: الصندوق الثقافي يختتم مشاركته بمهرجان البحر الأحمر السينمائي