عبدالرحمن أبو مالح ليس مجرد اسم في عالم الإعلام الرقمي، بل تجربة شاب سعودي عاش حلمه بكل تفاصيله، وحول شغفه بالتكنولوجيا إلى قصة إلهام للشباب العربي، فهو مهندس بخلفيته، وإعلامي بحسه، ورائد أعمال برؤيته، بدأ رحلته من الصفر، ليكون اليوم أحد أبرز الوجوه المؤثرة في عالم البودكاستات العربي وصناعة محتوى الفيديو الرقمي.
ولد عبد الرحمن بن علي بن محمد أبو مالح عام 1988م في مدينة خميس مشيط، وترعرع في قرية العسران بمنطقة سراة عبيدة، ونشأ في أسرة ميسورة الحال، وتلقى تعليمه الأولي هناك قبل أن ينتقل إلى جدة لإكمال مراحله المتوسطة والثانوية، وكان الشغف بالحاسوب حاضراً منذ الصغر، فاختار التخصص الذي يجمع بين التقنية والإبداع، ليتخرج من جامعة ولاية أريزونا عام 2015 بشهادة في هندسة البرمجيات، لكن طموحه لم يقتصر على المجال التقني، بل امتد إلى الإعلام، حيث وجد شغفه الحقيقي في صناعة المحتوى، ورواية القصص، إلى الرسالة التي يجب أن تُقال.
«فنجان»: بداية صدى كبير لـ عبدالرحمن أبو مالح
في أكتوبر 2016، ولدت فكرة “فنجان”، أول مشروع صوتي لبنات شركة ثمانية، وهو ما أصبح لاحقاً أحد أشهر البودكاستات العربية.
وبدأ عبد الرحمن أبو مالح المشروع بمفرده، ثم توسع لينضم إليه فريق عمل كامل، بما فيهم الكاتبة أسيل باعبد الله، التي أصبحت شريكًا مؤسسًا في الشركة عام 2017.
ولم يكن “فنجان” مجرد برنامج حواري، بل كان انعكاساً لعقلية شابة تبحث عن التساؤلات، وتتحدى المألوف، عبر حلقات أسبوعية، استضاف البرنامج شخصيات من السعودية ومن مختلف أنحاء العالم العربي، وناقش قضايا متنوعة، من الثقافة إلى السياسة، من الفن إلى التحولات الاجتماعية.
وخلال عام واحد فقط، تخطى عدد مستمعيه حاجز الثلاثة ملايين، لتؤكد هذه الأرقام أن الحديث هنا له وزن.
اقرأ أيضاً: عبدالله بن عادل النعيم.. رؤية سعودية تجمع بين القيادة والعطاء
ثمانية: إعادة تعريف المحتوى
لم يتوقف عبد الرحمن عند البودكاست، ففي عام 2016، أسس شركة “ثمانية” للنشر والتوزيع، وهي منصة رقمية تهدف إلى إعادة تعريف المحتوى العربي، ليس من حيث الشكل فحسب، بل من حيث العمق والأثر.
ويقول عبد الرحمن إن “ثمانية” هي “ثامن مقاطعة من سبع مقاطعات غير موجودة، ثامن يوم من الأسبوع غير الموجود”، هي إذن مكان لا يشبه أي مكان آخر، لأنه يسعى دائماً إلى تقديم جديد.
ويضم الفريق حالياً 21 موظفاً يعملون بدوام كامل أو جزئي، وكل مشروع ينتج داخل المنصة يتم بفريق متخصص، فمن الإذاعة إلى الفيديو، ومن الفعاليات إلى المشاريع المتعددة الوسائط، تسير “ثمانية” بخطوات ثابتة نحو بناء محتوى عربي قادر على التأثير، وليس فقط التواصل.
ويصف أبو مالح الصحافة الاستقصائية بأنها “متعبة، ومرهقة، ومكلفة مادياً”، لكنه يؤمن بأن هذا النوع من العمل ضروري، حتى لو كان صعباً، ويضيف: “نحن نحاول إعادة تعريف الثقافة، لأنها ليست فقط في الكتب، بل في كيف نعيش، كيف نتعامل، وكيف نرى الآخرين”.
الجوائز: تكريم للأفكار الجريئة
ما حققه عبد الرحمن لم يمر مرور الكرام، فقد فاز بجائزة الإعلام الجديد عام 2017، وجائزة صالح العزاز لدعم الثقافة والإبداع في الوطن عام 2019، وفي عام 2024، نال جائزة “رواد التواصل الاجتماعي العرب” في فئة الجمهور.
وفي 2025، تم اختياره عضواً في مجلس إدارة “جائزة الإعلام العربي”، مما يعكس الثقة الكبيرة في دوره وأثره في المشهد الإعلامي العربي.
في الختام، فإن عبد الرحمن أبو مالح هو نموذج للإنسان الذي يتحدى الحدود ويصنع رؤيته الخاصة، فهو ليس مجرد رائد أعمال أو مقدم بودكاست، بل مفكر وقاص وصانع أفكار، يحمل بين طيات تجربته طموح الشباب، ويشق طريقًا يمكن أن يسير فيه كل من يجرؤ على الحلم بذات العزيمة.
لا يكتفي عبدالرحمن بالكلام، بل يسعى دائمًا إلى ترك أثر حقيقي، ولا يبحث عن جمهور فقط، بل يسعى لصنع بصمة تظل حاضرة في المشهد الإعلامي العربي، و”فنجان” و”ثمانية” هما محطتان في رحلة لا تزال في بداياتها، حيث يستمر في إعادة تشكيل مفهوم المحتوى وإلهام جيل جديد من المبدعين.
اقرأ أيضاً: دينا أبو عنق.. قيادية سعودية استثنائية في عالم الاستشارات والتكنولوجيا