تتصدر محاولات تطبيع العلاقات بين الكيان الإسرائيلي والسعودية العناوين، لتصبح محور الاهتمام الدولي، وبينما تتفاوت التوقعات والآمال بشأن هذا الملف، يرى كثيرون أنه يمثل فرصة ثمينة لتحقيق تغييرات جذرية في خارطة السلام في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، تحدث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مؤخراً عن أهمية هذا الاتفاق المحتمل، مؤكداً أنه قد يكون المفتاح لتعزيز السلام بين الكيان والفلسطينيين، وفي كلمته أمام المجلس الأطلسي في واشنطن، وصف بلينكن إمكانية التطبيع بين البلدين بأنها «أفضل وسيلة لتحقيق الهدف الذي طال انتظاره»، والمتمثل في إدماج الكيان بشكل أكبر ضمن النسيج الإقليمي.
وأوضح بلينكن أن إنجاز هذا الاتفاق لن يكون مجرد خطوة رمزية، بل قد يشكل دافعاً قوياً للأطراف المعنية لاتخاذ قرارات حاسمة تُسهم في تحقيق تطلعات شعوب المنطقة، ووفقاً لما أفصح عنه، فإن الجزء الأكبر من العمل الشاق اللازم لإتمام هذا الاتفاق قد تم الانتهاء منه، بما في ذلك المفاوضات المرتبطة بعناصر معقدة تتعلق بالتفاهمات بين الولايات المتحدة والسعودية.
اقرأ أيضاً: السعودية تشيد بالهدنة ووقف إطلاق النار في غزة
لكن المشهد لم يكن خالياً من التحديات؛ فقد أشار بلينكن إلى أن الهجوم الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر كان له تأثير مباشر على مسار هذه المفاوضات، ولكن رغم ذلك، تبدو إدارة الرئيس جو بايدن عازمة على إعادة دفع عجلة الحوار، التي توقفت مؤقتاً إثر تلك التطورات الدراماتيكية.
وعلى الرغم من أن المفاوضات بدت في مرحلة ما على وشك الإثمار، إلا أن تعقيدات إضافية برزت، تتعلق بمطالب الرياض التي تشمل الالتزام بمسار «لا رجعة عنه» يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، وهذا الشرط الذي يتقاطع مع موقف حكومة بنيامين نتنياهو، قد يضيف مزيداً من التحديات إلى المشهد.
وفيما تبدو الجهود الحالية امتداداً لمبادرات سابقة، أبرزها اتفاقيات أبراهام التي أُبرمت خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن السياق الحالي يختلف من حيث تشابك المصالح والمطالب، فالاتفاقيات السابقة، التي شملت دولاً مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لم تواجه العقبات ذاتها المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
الآن، يتجدد السؤال حول قدرة الأطراف على تجاوز هذه التعقيدات، خاصة مع وجود ثلاث ركائز أساسية لهذا الاتفاق: أولاً، حزمة اتفاقيات بين الولايات المتحدة والسعودية تشمل ضمانات أمنية وتقنية. ثانياً، تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. وأخيراً، وضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية.
اقرأ أيضاً: السعودية تدين حرق مستشفى كمال عدوان في غزة
وكانت قد أعربت المملكة عن تقديرها للجهود المبذولة من قبل قطر ومصر والولايات المتحدة لتحقيق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، معبرة عن تطلعها لأن يكون خطوة إيجابية نحو وقف العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الشعب الفلسطيني.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، أكدت المملكة أهمية الالتزام التام ببنود الاتفاق، مشددة على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع وجميع الأراضي الفلسطينية والعربية، وعودة النازحين إلى ديارهم التي أجبروا على مغادرتها.
كما أوضحت السعودية أن الحل الجذري للقضية الفلسطينية يكمن في تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأعربت المملكة عن أملها في أن يشكل هذا الاتفاق نقطة تحول نحو إنهاء معاناة قطاع غزة التي طال أمدها، حيث تجاوز عدد الشهداء خلال العدوان الإسرائيلي 45 ألفاً، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 100 ألف شخص بجروح متفاوتة، وشددت المملكة على أهمية البناء على هذا الاتفاق لتعزيز الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق سلام شامل ودائم في المنطقة.
اقرأ أيضاً: السعودية: أوقفوا النار في غزة وادعموا «الأونروا»
وبينما يراقب العالم هذه التطورات، يبقى التساؤل مفتوحاً: هل ستنجح الدبلوماسية في تحقيق هذه النقلة النوعية التي قد تعيد رسم معالم المنطقة، أم أن التحديات السياسية والأمنية ستعرقل الوصول إلى الهدف المنشود؟
الجهود الدولية مستمرة، والخطاب السياسي يحاول إيجاد نقاط التقاء بين المصالح المختلفة، إلا أن النتائج النهائية ستعتمد على مدى استعداد الأطراف لتقديم التنازلات التي قد تجعل السلام حقيقة، وليس مجرد أمل عالق بين الخطابات والمفاوضات.