بين اللونين البني والأبيض الناصع ترتسم ملامح قصر العوجا الذي اكتسب اسمه من الأرض التي وقع عليها وذهبت شهرة ومثلاً، والقليل من الناس يحفظ اسم القصر، على عكس زواياه التي حفظت على مدار عقود أهم اجتماعات السياسة والحرب لأهل العوجا.
إنها الدرعية موطن آل سعود، والتي شهد قصرها إطلاق التاريخ من معاقله باتخاذ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود من القصر مزرعة وقصراً يقضي فيه أغلب أوقاته ويستقبل فيه ضيوفه.
وتشكل الزوايا المزخرفة بالتكوينات التراثية والتي تنقل من يدخل القصر في رحلة عبر الزمن تجربة فريدة للزائر، فعلى الرغم من الأحاديث المتصلة بأشد التطورات حزماً في العالم المعاصر، إلا أن المتواجدين يشعرون بأنهم يجلسون في رواق قديم يعود لمئات من السنين قد خلت ولكنها ما زالت محتفظة بالطقوس ذاتها.
وربما تكسب أبواب الخشب ذات النقوش الزاهية التي تتميز بها منطقة نجد، الجلسة رونقاً من التاريخ العمراني الخاص بالمنطقة، التي تقع في وادي حنيفة الكبير، في منطقة الرياض بمحافظة الدرعية، ومن المعروف أنّ الوادي يقسم المنطقة إلى جزئين، غربي وشرقي وقصر العوجا يستقر في الجزء الشرقي ليكون قبلة لرؤساء العالم وملوكه في لقاءاتهم التاريخية مع خادم الحرمين الشريفين.
وتشكل الدرعية أهمية كبرى في التاريخ السعودي، نظراً لكونها العاصمة الأولى للبلاد وفيها استقرّ الملك المؤسس للدولة السعودية الأولى، وهو ما يتبين للزائر بمجرد قيامه بجولة بسيطة في أروقة القصر التاريخي، إذ تزدحم الصور التاريخية للملك المؤسس الإمام محمد بن سعود.
اقرأ أيضاً: قصر المصمك: شاهد تاريخي وثقافي في الرياض
وفي ذات السياق يعرف عن القصر التاريخي بأنه المكان الذي يقضي فيه الملك سلمان أغلب وقته، وكذلك يستقبل فيه الملوك والرؤساء، فيكون الجميع محاطاً بالخصوصية النجدية التي شكلت المنطقة، ومنحت القصر اسمه، لأنّ التضاريس غير المستوية جعلت من القصر وزواره يتمتعون بالاسم الثاني للدرعية والذي حملته بفضل الوصف الدارج لتفاصيلها، ليتم تجيره لاحقاً للقصر العزيز على الملك.
وغالباً ما يتصدر اسم القصر وكالات الأنباء ونشرات الأخبار وتلك المتداولة عبر المنصات الإعلامية والاجتماعية المتنوعة، لأنّ أغلب القرارات الحاسمة تتخذ في هذا القصر، وأهم الاجتماعات مع قادة ورؤساء الدول تنعقد فيه.
كما تضم العرضة السعودية الشهيرة عدداً من القصائد الخاصة بمدح العوجا وأهلها وكذلك قصر العوجا، والتي تعدد مناقب المكان وذكريات المارين والمقيمين، وتذكر أوصاف الأشخاص وحسن طباعهم وأحياناً ترد على ذكر أسمائهم.
ومن الجدير بالذكر أن القصر ملاصق لحي الطريف العريق، والمسجل على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والذي يحتوي على عمارة طينية تعكس الملامح الحضارية للمنطقة المحيطة، وغير ذلك.
اقرأ أيضاً: حي الطريف وجهة سياحية رائعة في السعودية
وفي سياق متصل، تعتبر منطقة بطن الحوي داخل القصر، إحدى البقاع المميزة والتي يحرص الزوار والمضيفون على المرور بها، وهي عبارة عن صالة مكشوفة السقف تقع في المنتصف، وتتركز على جدرانها مجموعة من الصور التذكارية للملك المؤسس، لتكون بمثابة معرض تاريخي يمر عليه الزوار للتعرف على تاريخ العائلة الملكية والمنطقة.
ومن بين المواضيع التي تعرضها الصور، أبناء الملك سعود بمختلف المراحل التاريخية، واتسعراض للتطور الكبير الذي طرأ على منطقة الرياض، واستعراض تاريخي للمملكة منذ التوحيد مكتوب بجانب الصور التي يتجاوز عددها الخمسين.
كذلك تتحدّث جدران القصر عن تاريخ التسليح في المملكة، ويُعلّق عليها عدد من البنادق التاريخية التي استخدمها الملك المؤسس شخصياً، جنباً إلى جنب مع السيف والترس والرمح وغيرها من الأسلحة التقليدية، التي تجعل من يقف أمامها يشعر بهيبة المكان ونخوة وعزيمة أهله.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ الدرعية موطن الهوية السعودية التاريخية، ومنها انطلقت الدولة السعودية الأولى، وتحتضن عدداً من الأماكن التاريخية التي تشكل شاهداً على أصالة السعودية وأهلها، وتسعى السعودية اليوم من خلال رؤية 2030 إلى التأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ المكان عبر تعزيز أصالته والمفهوم التاريخي الذي يعكسه إلى جانب السير به في ركب المستقبل الواعد المرتكز على الإنسان السعودي وخلق بيئة حيوية تدعم الاستدامة.
اقرأ أيضاً: وادي صفار وجهة السياحة الفاخرة في قلب الدرعية