حلة تحمل في طياتها عبق التاريخ وروح الإيمان، كل خيط فيها يروي قصة جهود تتضافر لتقديم أجمل ما يمكن لأكثر بقاع الأرض قداسة، إنها كسوة الكعبة المشرفة التي باتت أكثر من مجرد قطعة قماش بل رمزاً يجسد مشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم، تمر بمراحل عديدة ومعقدة تتطلب جهوداً كبيرة لتخرج لنا بصورة تليق ببيت الله الحرام.
كسوة الكعبة هي قطعة حرير أسود منقوش عليها آيات من القرآن الكريم بماء الذهب، تُكسى بها الكعبة المشرفة، ويتم استبدالها مرة في السنة في غرة شهر الله المحرم مطلع كل عام هجري، ويعود هذا التقليد لما قام به رسول الله (ص) والصحابة من بعده، إذ عند فتح مكة أبقى النبي كسوة الكعبة القديمة، حتى احترقت على يد امرأة أرادت تبخيرها فكساها بالثياب اليمانية، واستمر هذا التقليد لدى المسلمين حتى العصر الحديث.
مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة هو المكان الذي يشارك فيه أكثر من مئتي عامل سعودي من العمالة السعودية المؤهلة والمدربة في عملية تصنيع الكسوة والتي تمر بمراحل عديدة، إذ يتم تزويد قسم الصباغة في المجمع بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم الذي يتم استيراده من إيطاليا، ليتم نسج الكسوة الخارجية للكعبة المشرفة التي تتألف من قسمين؛ البطانة والقسم الذي يحتوي العبارات والآيات القرآنية المنسوخة.
تالياً يقوم المختبر، الذي تم تزويده بأجهزة من كبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال، بإجراء عدة اختبارات للتأكد من أن الكسوة مطابقة للمواصفات المطلوبة من حيث ثبات لونها وسمكها ومقاومتها للاحتكاك والظروف الجوية الصعبة لمكة المكرمة.
اقرأ أيضاً: من إبراهيم الخليل إلى محمد (ص).. قصة سدانة الكعبة المشرفة
وفي قسم الطباعة يتم تجهيز المنسج؛ الذي يشد عليه قماش خام للبطانة، ثم قماش حرير أسود غير منقوش وهو الذي يطبع عليه حزام الكسوة وستارة باب الكعبة المشرفة وكافة المطرزات، وبعد الطباعة تبدأ عملية تطريز كسوة الكعبة بالأسلاك الفضية المطلية بالذهب، ليتكون في النهاية تطريزٌ بارزٌ مذهبٌ يصل ارتفاعه فوق سطح القماش من (1-2.5 سم).
وبعد انتهاء عملية تصنيع كسوة الكعبة المشرفة، وفي منتصف شهر ذي القعدة يقام احتفال سنوي في مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، يتم فيه تسليم كسوة الكعبة المشرفة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، الذي يقوم بدوره بتسليمها للرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
ويستهلك الثوب الواحد للكعبة نحو 670 كيلو غراماً من الحرير الطبيعي و150 كيلو غراماً من سلك الذهب والفضة، ويبلغ مسطحه الإجمالي 658 متراً مربعاً، ويتكون من 47 لفة، طول الواحدة 14 متراً بعرض 95 سنتيمتراً. ويكلف الثوب الواحد نحو 17 مليون ريال سعودي.
عملية صيانة مستمرة بمعدل 13 صيانة دورية شهرية، يتم إجراؤها بعد تركيب الكسوة الجديدة، إذ تشمل أعمال الصيانة شد القماش من جميع الجوانب، وتركيب قماش أسود سادة تحت الحلقات المذهبة، وإطار للحجر الأسود، وإطار حول الركن اليماني مطرز يدوياً بأسلاك الفضة المطلية بالذهب وتنظيف القماش من الغبار والعوالق وشد القماش بعد نزول الأمطار ووزن الحزام.
اقرأ أيضاً:كيف تحيي الدول العربية ذكرى المولد النبوي الشريف؟
وتزهو كسوة الكعبة المشرفة بالخط العربي إذ يتم استخدام خط الثلث الجلي المركب في كتابة الآيات بأحجام مختلفة وأشكال متعددة، فعلى كسوة الكعبة المشرفة من الداخل تم كتابة الآية الكريمة ((إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين))، وعبارة يا حنَّان يا منَّان ياذا الجلال والإكرام، وعبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ويعود استخدام خط الثلث الجلي لمكانته بين الخطوط، فهو يلقب بأم الخطوط، ويعد من أفضل الخطوط وأصعبها وأجملها، كما يتمته هذا النوع من الخط بمرونة تساعد على التشكيل في المساحات المختلفة ذات الأشكال الهندسية كالمستطيل والمربع والدائري والقناديل.
وتتمثل أشكال خط الثلث الموجود على كسوة الكعبة المشرفة: المستطيل وجانباه نصف دائرة على الحزام وما تحت الحزام وبعض أجزاء الستارة، مستطيل وجانباه مجموعة مقوسات على الستارة، و الدائرة على أركان الكعبة والتي فيها سورة الإخلاص، وكذلك بعض الدوائر في الستارة، والقناديل كقنديل ( يا رحمن يا رحيم) و (يا حي يا قيوم) و (الحمد لله رب العالمين) وكلها ما تحت الحزام وقنديل (وأفوض أمري إلى الله) على الستارة .
يذكر أن خطاط مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة عبدالرحمن بن عبدالله المالكي حصل أمس على المركز الأول في مسابقة ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي في دورته التاسعة، وذلك عن جائزة الاتجاه الأصيل للخط العربي، حيث تنافس مع نخبة من الخطاطين المبدعين من مختلف الدول.