تعد الأسواق الشعبية القديمة في المملكة العربية السعودية كنوزاً حقيقية تعكس عمق التراث الثقافي والتاريخي للبلاد، ومن بين هذه الأسواق، يوجد سوق المخواة الشعبي الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 200 عام، ليعيد زواره إلى عصور مضت بنفحاته التراثية الطيبة.
أصبح سوق المخواة في الباحة والمعروف كذلك بسوق الثلاثاء، رمزاً للتجارة والثقافة، فهو يجمع بين تراث المنطقة العريق ولمسات الحداثة، ما يجعله وجهة مفضلة للسكان المحليين والزوار الراغبين في استكشاف أجوائه الفريدة وعروضه المتنوعة.
يمتد سوق المخواة على مساحة 30 ألف متر مربع، ويمتاز بموقعه الاستراتيجي الذي يسهل الوصول إليه، ويشهد ازدحاماً حيوياً، إذ يقدم مزيجاً متنوعاً من السلع التي تعكس النسيج الثقافي للباحة، فمن الحرف اليدوية المصنوعة بعناية إلى الأطعمة التقليدية الطازجة والملابس المحلية، يمثل السوق شهادة حية على عادات المنطقة وفنونها التقليدية.
ومع بزوغ فجر كل ثلاثاء، يبدأ الباعة والمشترون بالتوافد إلى سوق المخواة، حيث يفترش الباعة أماكنهم المعتادة، مضيفين لمسة تقليدية إلى أجواء السوق، ومع تجمع الباعة والزوار، ترتسم لوحة حيوية تمزج بين الاقتصاد والتراث الشعبي، ويزدهر السوق بحركة البيع والشراء، مما يجعله مركزاً نابضاً طوال العام، ويظل معبراً عن موروثات منطقة الباحة الغنية.
يجد الزائرون في السوق أقساماً متعددة تضم مجموعة واسعة من المنتجات المحلية، بما في ذلك الخضروات الطازجة، والفواكه، والأعشاب العطرية، فضلاً عن الأزياء الشعبية، والأواني المنزلية، والكماليات، والعسل، والسمن.
كما يعد سوق المخواة الشعبي معرضاً حياً لموروثات المنطقة، حيث تكتظ المتاجر الحرفية المتخصصة بمشغولات يدوية فريدة، وتتنوع المعروضات بين الأواني الفخارية والخزفية والملبوسات التقليدية، وتفوح من أركان السوق رائحة البن والهيل والقرفة، بينما يتوزع باعة السمن والعسل والمواشي في أرجائه.
وتُضفي النباتات العطرية مثل الكادي والعبيثران والشيح لمسة سحرية على المكان، حيث يستمتع الزوار بشراء هذه الأنواع العطرية التي تملأ الأجواء بروائح زكية.
اقرأ أيضاً: الدحَّة السعودية تراث شعبي يروي قصص الأجداد
ويستقطب السوق المشترين من جميع فئات المجتمع، من كبار السن إلى الشباب والأطفال، وتزداد الحركة التجارية مع تغير المواسم، ومع قدوم الشتاء، يتميز الجو في المخواة بالدفء، ما يجعل الكثير من المتسوقين يحرصون على زيارة السوق بانتظام، متنقلين بين أروقته، مستمتعين بمعروضاته التقليدية، ومستفيدين من أسعاره التنافسية مقارنةً بغيره من الأسواق.
تتجاوز جاذبية سوق المخواة العروض المادية لبصبح مركزاً ثقافياً نابضاً بالحياة، فهو يستضيف بانتظام فعاليات ومعارض واحتفالات تعزز الهوية الثقافية للمنطقة وتحافظ عليها، وتلعب هذه الأنشطة دوراً محورياً في الحفاظ على التقاليد المحلية وتعزيز الحوار بين الأجيال.
وبالنسبة للزوار مثل أم عبدالله، يمثل سوق المخواة وجهة رئيسية لاكتشاف المنتجات الإقليمية عالية الجودة، وتشيد السيدة بمجموعة الحرف اليدوية المنتجة محلياً، خاصة تلك التصاميم المعقدة في المنسوجات والفخار، فضلاً عن المواد الغذائية الأساسية مثل العسل والتمر.
تقول أم عبدالله: “جودة المنتجات هنا متميزة، والأسعار معقولة”، وتضيف: “إنه ليس مجرد مكان للتسوق، بل هو أيضاً مساحة لتجربة الجوهر الحقيقي للباحة”، كما تبرز أم عبدالله أهمية السوق كمنصة للنساء في المنطقة، حيث يتيح لهن عرض وبيع أطباقهن التقليدية ومنسوجاتهن اليدوية، ما يمكّنهن من المساهمة الفاعلة في الاقتصاد المحلي.
فيصل العمري، أحد الزوار المحليين أيضاً، يشير إلى أن السوق يعد مصدراً حيوياً للدخل للعديد من الأسر في المنطقة، ويوضح قائلاً: “سوق المخواة الشعبي يخلق العديد من فرص العمل للسكان المحليين، من البائعين إلى الحرفيين، وله تأثير إيجابي مباشر على سبل عيش العديد من الأسر”، ويؤكد العمري على دور السوق في تعزيز الأعمال الصغيرة، ما يساعد رواد الأعمال المحليين على اكتساب الرؤية والاعتراف بمنتجاتهم، ويختتم بالقول: “إنه مكان لا يحافظ على تقاليدنا فحسب، بل يسهم أيضاً في ازدهار مجتمعنا اقتصادياً”.
اقرأ أيضاً: صناعة الفخار في السعودية: تراث عريق وفنون متجددة
لا بد من الإشارة إلى أن بلدية محافظة المخواة طورت سوق المخواة الشعبي ليغدو معلماً يجسد التراث الثقافي والاجتماعي للمنطقة، واعتمدت البلدية على إعادة تصميم المحلات بطريقة تسهم في تصنيف الأنشطة، وتوفير مساحات مناسبة للسوق، مع معالجة حركة المرور وتوفير مواقف كافية للسيارات.
كما تم استغلال المساحة المجاورة للوادي القريب من السوق، وتحويلها إلى متنفس رياضي يتيح للزوار ممارسة الرياضة، بالإضافة إلى ذلك، خُصِّصت مواقع للاستثمار وطرح أكشاك للقهوة وجلسات للاسترخاء، فضلاً عن توفير دورات مياه.
ختاماً، وفي زمن يهيمن فيه الإنتاج الضخم والعولمة، يظل سوق المخواة الشعبي بمثابة نسمة منعشة تذكّرنا بأهمية التجارة المجتمعية والحفاظ على التراث الثقافي، ومع استمرار التغيرات في الباحة، سيبقى هذا السوق بلا أدنى شك حجر الزاوية لهوية المنطقة، حيث يوفر فضاءً للاحتفال والتبادل التجاري، يكرّم الماضي ويتطلع نحو المستقبل.
اقرأ أيضاً: صناعة الخوص حرفة تراثية سعودية تروي تاريخ الأجداد