بينما تتغير موازين القوة الاقتصادية حول العالم، تبرز المملكة العربية السعودية كلاعب محوري في استقطاب الأثرياء، في وقتٍ يشهد فيه العالم تحولات جذرية في حركة رؤوس الأموال والهجرة الاستثمارية. لم تعد الثروة فقط مقياساً للنجاح الشخصي، بل باتت مؤشراً استراتيجياً تقيس من خلاله الدول مدى جاذبيتها وقدرتها على تقديم بيئة آمنة وواعدة للمستثمرين الكبار. وفي هذا السباق العالمي المحموم، تظهر السعودية كقوة صاعدة بثبات، مستفيدة من إصلاحاتها الجريئة وبرامجها الطموحة، لتصبح واحدة من الوجهات الأكثر استقطاباً للمليونيرات في عام 2025، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.
الأثرياء: السعودية في الصدارة
وفقاً لتقرير «هينلي لهجرة الثروات الخاصة لعام 2025»، من المتوقع أن ينتقل أكثر من 142 ألف شخص من أصحاب الثروات العالية إلى دول جديدة خلال هذا العام، في حين يُتوقع أن يرتفع العدد إلى 165 ألفاً في عام 2026. وهذا التحول يعكس حركة واسعة في خريطة الأموال والاستثمارات الخاصة، إذ تسعى النخب المالية للحصول على إقامات أو جنسيات تضمن لها بيئة قانونية وضريبية واستثمارية أكثر استقراراً ومرونة.
ومن اللافت أن السعودية تسجل قفزة نوعية، إذ يُتوقع أن تستقبل 2400 مليونير خلال العام، بزيادة تقارب ثمانية أضعاف مقارنة بالعام السابق. هذا الارتفاع الاستثنائي يعكس مكانة المملكة المتنامية في الاقتصاد العالمي، خاصة مع تزايد أعداد السعوديين العائدين إلى الوطن والمستثمرين الدوليين الذين اختاروا الاستقرار في مدنها الكبرى مثل الرياض وجدة.
الإمارات تحافظ على صدارتها… لكن السعودية تنافس بقوة
ورغم أن الإمارات العربية المتحدة لا تزال تحتل المرتبة الأولى عالمياً في استقطاب الأثرياء، متوقعة استقبال 9800 مليونير هذا العام، فإن السعودية تمثل حالة صعود مذهلة، تستند إلى استراتيجية طموحة جعلت منها مركز جذب متسارع للثروات والمستثمرين، خصوصاً مع برامج الرؤية الاقتصادية والتحول الوطني التي جعلت من المملكة بيئة خصبة للاستثمار.
وفي الوقت الذي تحقق فيه السعودية تقدماً ملحوظاً، تشهد المملكة المتحدة ما وصفه التقرير بأنه «أكبر هجرة للثروات في تاريخها»، حيث من المتوقع أن يغادرها 16500 مليونير هذا العام. وتأتي الصين في المرتبة الثانية من حيث الخسائر، إذ يُتوقع مغادرة 7800 من أصحاب الثروات العالية أراضيها خلال الفترة ذاتها.
هجرة الأثرياء… مؤشر على تغيّر موازين القوى
بحسب معدّي التقرير، فإن هجرة الثروات ليست مجرد تحرك أفراد، بل هي انعكاس لتحولات اقتصادية أعمق، تعكس مدى قدرة الدول على تقديم بيئة جاذبة لرأس المال. وفي الوقت الذي كانت فيه المملكة المتحدة وجهة تقليدية للمليونيرات قبل عام 2016، تحولت الآن إلى نموذج تحذيري يفقد بريقه لصالح دول صاعدة مثل السعودية والإمارات.
ويشير التقرير إلى أن غالبية الأثرياء يحصلون على الإقامة أو الجنسية من خلال وسائل متعددة، أبرزها: تأشيرات العمل – التأشيرات العائلية أو النسب – برامج التقاعد – جوازات السفر الثانية عن طريق الميلاد.
وفي المقابل، يختار حوالي 30% فقط من هؤلاء ما يعرف بـ «برامج الهجرة الاستثمارية»، وهي برامج تتطلب استثمارات كبيرة مقابل الحصول على الإقامة أو الجنسية في بلد معين.
ما الذي يجعل السعودية جذابة للأثرياء؟
صعود المملكة لا يعود إلى الصدفة، بل إلى رؤية استراتيجية واضحة وضعتها القيادة السعودية ضمن رؤية السعودية 2030، تقوم على تنويع مصادر الدخل، وتطوير بيئة استثمارية متقدمة، وتوفير بنية تحتية عالمية، إلى جانب إجراءات إصلاحية تشمل الأنظمة الضريبية والتشريعات التجارية.
وهذا التوجه الجديد، المدعوم بانفتاح اقتصادي واجتماعي، جعل من المدن السعودية الكبرى بيئة مغرية لأصحاب الملايين الباحثين عن أسواق ناشئة وعوائد مرتفعة، ناهيك عن الاستقرار الأمني والسياسي الذي تتمتع به المملكة.
وعلى الرغم من احتلال الولايات المتحدة المرتبة الثانية بعد الإمارات من حيث عدد الأثرياء الوافدين، فإن نموذجها يعتمد أساساً على برنامج EB-5 للمستثمرين المهاجرين، الذي جلب منذ إطلاقه أكثر من 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية وساهم في خلق مئات آلاف الوظائف.
لكن اللافت في العام الجاري هو ظهور ما يُعرف بـ «تأشيرة ترامب الذهبية»، وهو برنامج جديد أعلن عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بقيمة 5 ملايين دولار، ويقول إنه قد يجذب ما يصل إلى 200 ألف مستثمر، وقد تتجاوز مداخيله 50 تريليون دولار وفقاً لتصريحاته.
اقرأ أيضاً: من هو رجل الأعمال السعودي محمد العقيل؟