في عالم يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، تظل الأسرة هي نواة المجتمع، لكن ظاهرة العنف الأسري تضعف هذا النسيج المهم الذي يعني دماره دمار المجتمعات! وفي المملكة العربية السعودية، تمثل التعديلات القانونية خطوة جريئة نحو مكافحة هذه الظاهرة، حيث تهدف إلى حماية حقوق الأفراد وتعزيز الأمان داخل الأسرة، وفي هذا المقال، سنعرفكم على عقوبة العنف الأسري في السعودية ونلقي الضوء على نقاط مهمة تساعد في إحداث فرق حقيقي في حياة الأسر السعودية.
العنف الأسري أو التعنيف الأسري يعرّف في السعودية على أنه أي سلوك يتضمن العنف أو الإساءة من أحد أفراد الأسرة تجاه الآخرين الذين يعيشون معهم في نفس المنزل، يشمل هذا السلوك أنواعاً متعددة من التعنيف، مثل التعنيف الجسدي، النفسي، العاطفي، والاقتصادي، وهذه الأفعال تعد جريمة يعاقب عليها القانون، فقد تم إدخال تعديلات قانونية تهدف إلى تعزيز حقوق الضحايا وتطبيق عقوبات صارمة على المعتدين.
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى وقوع العنف الأسري، من بين هذه الأسباب، نجد الضغوط الاقتصادية التي تؤثر على الأفراد والعلاقات الأسرية، كما تلعب المشكلات الزوجية دوراً بارزاً في تفاقم هذه الظاهرة.
إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تسهم التربية غير السليمة في نشوء سلوكيات عنيفة، حيث يتعلم الأفراد كيفية التعامل مع الضغوط بطريقة غير صحية، كذلك، قد يعاني بعض الأشخاص من اضطرابات نفسية تؤدي إلى سلوكيات عدوانية تجاه أفراد أسرهم، ما يزيد من حدة المشكلة.
اقرأ أيضاً: عقوبات صارمة للمخالفين في مترو الرياض
أنواع العنف الأسري
إن العنف الأسري لا يقتصر على الاعتداء الجسدي فقط، بل يشمل أشكالاً متعددة من الإساءة التي تؤثر على الضحايا بطرق متنوعة، وتتطلب معالجة هذه القضايا وعياً مجتمعياً وتطبيقاً صارماً للقوانين.
يعد العنف الجسدي من أكثر الأنواع شيوعاً، حيث يتضمن استخدام القوة البدنية لإلحاق الأذى بأفراد الأسرة، قد يتجلى ذلك في الاعتداء على الزوج أو الزوجة بالضرب أو الدفع، أو حتى في إيذاء الأطفال بدعوى “التأديب”، مثل الضرب المبرح أو الحرق.
أما العنف النفسي، فهو يؤثر بشكل عميق على الصحة النفسية للضحايا، حيث تتضمن أشكاله الإهانات اللفظية والتهديدات، ما يسبب مشاعر الاكتئاب والقلق وفقدان الثقة بالنفس، فالتقليل من شأن أو قدرات أحد أفراد الأسرة، أو التهديد بالطلاق بدون سبب، يمكن أن يترك آثاراً نفسية مؤلمة.
وفيما يتعلق بالعنف الجنسي، فهو يشمل أي فعل جنسي يُفرض على أحد أفراد الأسرة دون موافقته، سواء بالقوة أو التهديد، وهو من أخطر أشكال العنف، أما العنف الاقتصادي هو نوع آخر، يتمثل في حرمان أحد أفراد الأسرة من الوصول إلى الموارد المالية، ما يجعل الضحية تحت سيطرة المعتدي.
ولا ننسى قضايا العنف الموجه لكبار السن، إذ قد يتعرضون للإهمال أو سرقة ممتلكاتهم، يتطلب التصدي لهذه الظواهر مجهوداً جماعياً لفهمها ومواجهتها، وذلك لضمان بيئة آمنة وصحية لجميع أفراد الأسرة.
اقرأ أيضاً: ما عقوبة الاحتيال المالي في السعودية؟
عقوبة العنف الأسري في السعودية
تتبنى الحكومة في المملكة سياسة صارمة تجاه جرائم العنف الأسري، حيث تفرض عقوبات قاسية لحماية المجتمع.
ووفقاً لنظام الحماية من الإيذاء الذي أُقر في عام 2013، يمكن أن تصل عقوبة العنف الأسري إلى السجن لمدة عامين، وتتسم العقوبة بالمرونة، إذ يمكن تشديدها في حال تكرار الجريمة أو إذا حدثت في ظروف مشددة، مثل استخدام الأسلحة أو استهداف الفئات الضعيفة، مثل الأطفال والنساء الحوامل.
إضافة إلى عقوبة السجن، قد تُفرض غرامة مالية على الجاني تصل إلى 50,000 ريال سعودي، وفي حال تكرار العنف، يمكن أن تتضاعف هذه الغرامة لتصل إلى 100,000 ريال سعودي.
وفي عام 2024، قامت المملكة العربية السعودية بإجراء تعديلات قانونية لتعزيز حماية الضحايا وتوفير إطار قانوني صارم لمكافحة العنف الأسري، شملت هذه التعديلات تحسين آليات الإبلاغ عن حالات العنف وتقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تشمل العقوبات الإضافية وفقاً للتعديلات إلزام الجاني بالخضوع لبرامج إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وتقييد حركته أو حتى منعه من الاقتراب من الضحية، ما يعكس حرص النظام على حماية الأفراد والمجتمع.
وتُعالج المحاكم السعودية قضايا العنف الأسري بعناية، مستندةً إلى الأدلة، شهادات الشهود، والتقارير الطبية، تُعامل هذه القضايا بسرية تامة لحماية الضحايا من أي تهديد أو انتقام، مع فرض عقوبات صارمة على مرتكبي العنف لضمان العدالة والردع.
تتولى لجان متخصصة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية متابعة هذه القضايا، بالتنسيق مع الجهات الأمنية والقضائية لتقديم الدعم الشامل للضحايا، ويشمل هذا الدعم إصدار أوامر حماية عاجلة، وتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية، وضمان سلامة الضحايا من خلال إجراءات قانونية صارمة.
اقرأ أيضاً: ما عقوبة التحرش الإلكتروني في السعودية؟
الإبلاغ عن العنف الأسري في السعودية
خُصِّص الرقم المجاني 1919 كوسيلة للإبلاغ عن حالات العنف الأسري، وتحت إشراف مركز البلاغات التابع لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، يتيح هذا الرقم للضحايا أو للمشاهدين الإبلاغ عن حالات العنف بسرية تامة وعلى مدار الساعة.
تتميز خدمات الرقم 1919 بتوفير الحماية الفورية للمبلغين، حيث يتم اتخاذ إجراءات وقائية بالتعاون مع الجهات المختصة لحماية الضحايا، كما يقدم الدعم النفسي والاجتماعي بواسطة فرق متخصصة لمساعدة الضحايا على تجاوز التجارب الصعبة.
إضافة إلى ذلك، يوفر التوجيه القانوني، حيث يتم إرشاد المبلغين حول الخطوات القانونية المتاحة لتأمين حقوقهم، ويسهم في تعزيز العدالة وحماية الضحايا، ويعكس التزام المملكة بمواجهة العنف الأسري بفاعلية.
لا بد من الإشارة إلى وجود عقوبات بديلة للعنف الأسري في السعودية، والتي تهدف إلى إعادة تأهيل الجاني بدلاً من الاعتماد فقط على العقوبات التقليدية مثل السجن والغرامة، يمكن أن تشمل هذه العقوبات إلزام الجاني بحضور برامج توعوية وتدريبية لزيادة وعيه بآثار العنف وتعزيز مهارات ضبط النفس، كما يمكن تكليفه بأعمال تطوعية تخدم المجتمع.
إضافة إلى ذلك، يمكن وضع الجاني تحت المراقبة الاجتماعية مع التزامه بتجنب العنف، وفي بعض الحالات، يتم تنظيم جلسات صلح للأسرة تحت إشراف مختصين لتحقيق السلام العائلي، تعتمد هذه العقوبات على تقدير القاضي وظروف الجريمة، مع مراعاة عدم وجود سوابق جنائية خطيرة وأن تكون الجريمة ذات تأثير محدود.
ختاماً، تعكس جهود المملكة العربية السعودية في مواجهة العنف الأسري وتطبيق عقوبة العنف الأسري، رؤية شاملة نحو مجتمع متماسك وآمن، فتعزيز قيم الاحترام والتفاهم هو واجب جماعي يتطلب تضافر الجهود من جميع فئات المجتمع، لبناء مستقبل خالٍ من العنف، حيث تكون الأسرة هي مصدر الأمان والدعم لكل فرد.
اقرأ أيضاً: عقوبة التزوير في السعودية