في ظل عالمٍ متسارع يركض خلف الأضواء والصورة المثالية، باتت الموضة أكثر من مجرد أزياء نرتديها، بل أسلوب حياة يومية يسيطر عل أفكارنا ويوجهها ويؤثر في قيمنا وفي المجتمع من حولنا. بالرغم من البريق الجذاب للموضة، إلا أنها تخفي جوانب مظلمة تمس بالفرد والمجتمع على حدٍ سواء. يتشتت الناس بين السعي لمواكبة الصيحات الدارجة، وبين تلبية الصورة المثالية التي تنشرها وسائل الإعلام، هذه السلبية للموضة لا يمكن تجاهلها، فهي تهدد البساطة والهوية وصولاً للصحة النفسية. في هذا المقال سنتعرف على تفاصيل أكثر.
كيف تكسر الموضة تقاليد المجتمع
تؤثر الموضة على فقدان التقاليد من خلال تشجيع تبني اتجاهات عالمية على حساب الأنماط المحلية، وتقلل بذلك من أهمية الأزياء التقليدية كرمز للهوية الثقافية، وتعزز ثقافة الاستهلاك السريع التي تهمش الملابس التقليدية. ما يؤدي إلى الاستبدال التدريجي للملابس التقليدية بأنماط مستوحاة من الخارج، مما يضعف الارتباط بالتراث الثقافي والرموز المجتمعية.
غالباً ما تعكس الموضة الهوية الثقافية والتراث. تُعبّر الملابس التقليدية عن الفخر الثقافي والانتماء للمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لاتجاهات الموضة العالمية أن تؤثر على الأنماط المحلية، مما يؤدي إلى اندماج الثقافات. ولا تقتصر الملابس اليوم على كونها محض أقمشة تقينا البرد والطقس، فملابسنا تمتد لتصبح جزءاً لا يتجزأ من هويتنا وأصالتنا، إذ نُسقِط على كل ما نرتديه الكثير من القناعات والاهتمامات.
كما نجعل من ملابسنا لافتة تحمل أفكارنا ومعتقداتنا التي نتماهى معها ونعتز بها ونعتبرها الواجهة الأولى من شخصيتنا وهويتنا. ولا يتوقف الأمر على الأفراد فقط، فملابس الجماعة أيضاً تعكس هويتها ومعتقداتها وتميزها عن غيرها من الجماعات، وهذا بالضبط ما أدركه “بيتر العظيم” قيصر روسيا، في أواخر القرن السابع عشر، عند بداية إصلاحاته بروسيا والتي بدأت أول شيء بالملابس.
اقرأ أيضاً: تأثير المؤثرات السعوديات على سوق الموضة والجمال
الهوس الاستهلاكي للموضة
تخلق الموضة هوساً استهلاكياً عبر الضغط النفسي والاجتماعي للمواكبة، مما يؤدي إلى استهلاك مفرط، لا سيما مع انتشار “الموضة السريعة” التي تركز على الإنتاج الرخيص والسريع. ينتج عن ذلك إفراط في شراء ما لا حاجة له، وتدهور في جودة المنتجات، ولجوء بعض الأفراد إلى طرق غير أخلاقية للحصول على المال، فضلاً عن الآثار السلبية على البيئة.
كما أن اتباع الموضة يخلق مجتمعاً استهلاكياً تستنزف أمواله، وتحطم معنوياته عند نزول كل جديد وأفول كل قديم، فيصبح اقتناء الجديد والاستهلاك المفرط جلّ همه، وفي مرات يكون الاستهلاك هو همه الوحيد. يشير بعض الباحثين في دراسات إلى أن “الموضة” تمثل غزو ثقافي، الهدف منه خلق نموذج استهلاكي لشعوب العالم.
وهذه الشعوب نفسها ما يدفعها للاستهلاك هو إحساسها بالنقص والعجز تجاه التطور الاقتصادي للعالم، إذ تعمد تبعاً لذلك إلى اتباع “الموضة” رغبة منها في التعويض والإشباع. الجدير بالذكر أن التنشئة الاجتماعية تلعب دوراً أساسياً في هذا الأمر، إذ نجد بعض الأسر تتسابق إلى اقتناء كل ما هو جديد في السوق دون أن تكون بحاجته من الملابس وصولاً إلى أغراض المنزل، وهنا تكمن فاجعة الاستهلاك.
في سياق متصل، بيّنت بعض استطلاعات الرأي الأسباب والدوافع الكامنة وراء الولع بشراء القطع المرتفعة الثمن ذات التصاميم العالمية، فاتضح أن المسألة أحياناً ترتبط بالكيفية التي ينظر فيها الأفراد في المجتمع إلى أنفسهم وإلى الآخرين، وإلى ما يمكن أن يمنحه المظهر من قيمة ورضا لهم، وكأن ارتداءهم الملابس والكماليات الباهظة يجعل الآخرين ينظرون إليهم بمنظار مختلف بمعنى أنها مسألة تتعلق بتقدير الذات، ومن مَقلبٍ آخر لها علاقة بوفرة المال والرغبة في إبراز القدرات المادية، أو تعويض نقص ما، أو بسبب الاضطرار إلى مجاراة الأقران والخضوع لضغوط المجتمع.
هذا الهوس الاستهلاكي تفشى حتى أصبح داءً عالمياً. تتحدث التقارير عن نهايات مأساوية للشابات والشباب بفعل الديون التي تراكمت عليهم بسبب عادات الشراء المرضية والهوسية، يرجع ذلك إلى تأثرهم بحياة وسلوكيات النجوم والمشاهير وما تبثه وسائل الإعلام.
اقرأ أيضاً: العنود بدر مدونة الموضة السعودية تألق وعصرية
هل أثرت الموضة سلباً على المجتمع السعودي؟
لا بدّ وأن الموضة أثرت بشكل سلبي على المجتمع السعودي من خلال عدة جوانب، منها التأثير على الهوية الثقافية والتقاليد، وإنفاق مبالغ كبيرة على الموضة السريعة، وتأثيرها البيئي والاقتصادي العالمي. فالاندفاع وراء الموضة يمكن أن يؤدي إلى الابتعاد عن الهوية الثقافية والتقاليد الأصيلة، وإلى تبذير الأموال في ملابس جديدة باستمرار، وقد يساهم في الاستغلال العالمي للعمال في صناعة الأزياء السريعة.
لقد أثرت الموضة في المجتمع السعودي بشكلٍ ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، فبات الاهتمام المفرط بالمظهر الخارجي جزءاً رئيسياً من حياة كثير من الأفراد، إلا أن هذا التأثير لم يخلُ من الجوانب السلبية. فقد أدت الموضة إلى انتشار ظاهرة التقليد الأعمى للثقافات الغربية، مما ساهم في إضعاف الهوية السعودية للأزياء ولو بشكل بسيط، كذلك أثرت الموضة سلباً على المجتمع السعودي فدفعت إلى الابتعاد عن الأزياء التراثية التي تعبر عن أصالة المملكة وعراقتها.
كذلك شجعت الموضة على المظاهر والتفاخر بالماركات العالمية، وأدت إلى زيادة الإنفاق والاستهلاك المفرط في سبيل مجاراة الجديد دائماً. فضلاً عن أن وسائل التواصل الاجتماعي قد خلقت حالة من المقارنة الدائمة بين الأفراد، مما ولّد شعوراً بالنقص وعدم الرضا لدى البعض، خاصة بين فئة الشباب السعودي.
وهكذا، يمكن القول إن الموضة، رغم ما تحمله من جوانب جمالية، قد تركت آثاراً اجتماعية واقتصادية ونفسية سلبية تستحق التوقف والتأمل والمواجهة، فيجب غرس التراث والتقاليد في الشباب بدءاً من الملابس التي تعكس هوية المنطقة وتاريخها وإرثها القديم.

