خبرٌ جديد عن عقود تتجاوز 133 مليون دولار يبدو للوهلة الأولى مجرد بندٍ مالي على هامش حركة الطيران، لكنه في الدمام يتحوّل إلى إشارة ضوء على لوحة كبيرة تُعاد صياغتها: كيف تصبح «مطارات الدمام» منصة لوجستية وخدمية أكثر رشاقة، وكيف يُترجم الاستثمار المباشر إلى دقةٍ تشغيلية وتجربةٍ إنسانية أرقى للمسافر؟!
مطارات الدمام: عقود بـ 500 مليون ريال… وما وراء الرقم
وقّعت مطارات الدمام عقود مشاريع تطويرية بقيمة تتجاوز 500 مليون ريال (نحو 133.3 مليون دولار)، لتشمل البنية التحتية وتجربة العميل والتقنية الرقمية في مطار الملك فهد الدولي، بحضور رئيس الهيئة العامة للطيران المدني عبد العزيز الدعيلج.
وتتجاوز الدلالة التقنية للعقود إطار المطار لتلمس المجتمع، إذ أبرمت الشركة ثلاث اتفاقيات مسؤولية اجتماعية مع مركز عبد اللطيف الفوزان للتوحّد، وجمعية «بنان» للتأهيل المهني، ومبادرة «كسوة» لإعادة التدوير الذكي، بما يعزز الشمولية والاستدامة ضمن محيط المطار الاقتصادي والاجتماعي. هذا الاستثمار يعكس انتقال مطارات الدمام من إدارة منشأة إلى قيادة منظومة، حيث تُقرأ تجربة المسافر كقيمة اقتصادية وإنسانية في آن.
مطارات الدمام وتجربة المسافر: «غرفة حسّية» تسبق الطائرة
التطوير لا يبدأ عند البوابة ولا ينتهي عند الجوازات؛ فقبل الإقلاع أُطلقت «غرفة حسّية» لتمكين المسافرين من ذوي التوحّد والحساسيات الحسية وكبار السن من عبور رحلتهم بأقل قدر من التوتر، مع تجهيزات تفاعلية ومساحة مخصصة لكبار السن. هذه الخطوة، التي وُصفت بأنها الأكبر من نوعها على مستوى المملكة من حيث التجهيزات، تعكس فهماً لاحتياجات فئة طالما طالتها مشقة السفر، وتُحوّل المطار من نقطة عبور إلى بيئة إنسانية متكاملة. اللافت أن الإعلان عن الغرفة ترافق إعلامياً مع الإشارة إلى عقود الـ 500 مليون ريال، ما يوضح أن «تجربة المسافر» ليست شعاراً تسويقياً بل حزمة مبادرات ملموسة.
من مشروع إلى مخطط: أين تتموضع الاستثمارات داخل الصورة الكبرى؟
يأتي هذا التحديث ضمن مسارٍ أوسع أعلنته الجهات المختصة منتصف 2025، حين طُرحت استراتيجية ومخطط رئيسي يشمل الدمام ومطارين آخرين، مع عزمٍ على رفع الطاقة الاستيعابية في مطار الملك فهد الدولي إلى أكثر من 19.3 مليون مسافر سنوياً بحلول 2030، وفتح 77 مشروعاً متكاملاً لتحسين البنية والخدمات وتسريع الإجراءات عبر بوابات إلكترونية. بذلك، تبدو عقود اليوم حلقة تنفيذية داخل سلسلة طويلة، تربط تحديثات المرافق بخريطة سِعاتٍ وشبكاتٍ أوسع تخدم الناقلة الاقتصادية الجديدة المتمركزة في الدمام وتدعم تنافسية المنطقة الشرقية.
التقنية في الخدمة: تدفقات حركة أكثر سلاسة وأماناً
داخل الصالات، يعني التحديث الحديث مصاعد وسلالم وممرات سير أكثر كفاءة واعتمادية. وقد سبق أن أُعلن عن مشروع لتحديث منظومة «تدفق الأشخاص» في مطار الملك فهد عبر KONE، يتضمن استبدال وتركيب عشرات المصاعد وترقية السلالم وممرات السير، بموعد تسليم يمتد إلى الربع الرابع 2025.
قد تبدو هذه التفاصيل تقنية للناظر من بعيد، لكنها تُترجم عملياً إلى زمنٍ أقصر للانتقال بين نقاط الخدمة، وإتاحة أفضل لذوي الإعاقة، وانخفاضٍ في استهلاك الطاقة والصيانة، أي تجربة أهدأ ومساراً أسرع للمسافر والموظف على حد سواء.
وعلى ضفة السلامة، رسّخت مطارات الدمام شراكة مرجعية مع «الرابطة الوطنية للحماية من الحرائق» (NFPA) لتطوير التدريب والاعتماد ورفع المعايير، في خطوة تُكسب المنظومة التشغيلية طبقة أمانٍ مهنية إضافية.
الاستثمار يطرق مجال الطيران العام… وتوسّع في الشبكات
لا تقتصر الخطة على الطيران التجاري فحسب. فقد جرى توقيع عقد إنشاء مبنى الطيران العام في مطار الملك فهد، وهو مشروع مرجعي يضيف خدمات الأعمال والطيران الخاص ويستقطب شرائح جديدة من المستخدمين، بما يدعم منظومة الخدمات الأرضية ويخلق فرص عمل نوعية في محيط المطار.
بالتوازي، تتوسع شبكة الوجهات والخطوط من الدمام، بينما تستعد ناقلة منخفضة الكلفة—جرى الترخيص لها منتصف 2025 وتتخذ الدمام مقراً—لرفد السوق بمقاعد إضافية وزيادة ربط المنطقة الشرقية داخلياً وخارجياً. هذه العناصر، متساندةً مع عقود اليوم، تهيئ «مطارات الدمام» للعب دورٍ أكبر في سلاسل الإمداد والسياحة والأعمال.
لماذا يهمّ هذا التوقيت؟
السعودية تعيش عقداً من التحولات اللوجستية والسياحية، وأي خطوة في مطارات الدمام—بوابة الشرق الصناعية والنفطية—تنعكس سريعاً على تنافسية الإقليم ككل. عقود الـ 500 مليون ريال تضع لبناتٍ قريبة المدى يمكن قياس أثرها على تجربة المسافر وسرعة العمليات، لكنها أيضاً تُكمل مساراً استراتيجياً أوسع لرفع السعات وتحسين الربط وإرساء معايير أعلى للسلامة والضيافة.
وعندما تتجاور التقنية الذكية (منظومات الحركة) مع الرعاية الإنسانية (الغرفة الحسية) مع المخطط طويل الأمد (السعات والشبكات)، نكون أمام مطاراتٍ تتجاوز تعريف «المباني والطائرات» إلى تعريف «المنظومة والقيمة».. تلك هي معادلة مطارات الدمام اليوم: استثمارٌ يُقرأ مرتين، مرة بالأرقام، ومرة بأثره المتراكم على المسافر والاقتصاد المحلي.
اقرأ أيضاً: الطيران المدني تصدر تقرير التزام المطارات والناقلات الوطنية لشهر يونيو 2025

