مؤخراً وعلى مدى السنوات الماضية، باتت الموضة والتراث السعودي يلتقيان في مساحة واحدة تجمع بين الحداثة والهوية. لم تعد التصاميم الحديثة تنفصل عن الماضي، بل صارت تستلهم منه وتعيد تقديمه بلمسات جديدة. ترى ذلك في الأقمشة المزخرفة المستوحاة من تطريزات قديمة، وفي الألوان التي تحكي قصص المدن والقبائل في البلاد. إنه أسلوب يعكس فخر السعوديين بثقافتهم، ورغبتهم في أن تظهر للعالم بشكل أنيق ومعاصر، حتى أن أبرز المصممين السعوديين وصلوا بمزجهم بين التراث السعودي والموضة المعاصرة إلى العالمية. في هذا المقال سنكتشف التفاصيل.
كيف تم المزج بين التراث السعودي والموضة
يمزج التراث السعودي في تفاصيل الموضة المعاصرة من خلال الجمع بين الرموز التقليدية والتصاميم الحديثة بطريقة تبرز الهوية الوطنية بروح جديدة. يستوحي المصممون السعوديون أفكارهم من الأزياء القديمة، مثل التطريز النجدي ونقوش السدو وألوان الحجاز واليمن الجنوبي، ثم يعيدون صياغتها بخطوط عصرية تناسب الذوق الحديث، وقد أدرج السدو على قائمة اليونيسكو 2020 للتراث الثقافي غير المادي.
تستخدم بعملية الدمج الخامات المحلية وتضاف إليها تفاصيل حديثة مثل القصات الجريئة أو الأقمشة الفريدة المزركشة، مما يجعل القطعة تجمع بين الأصالة والأناقة معاً. وبهذا المزج المتوازن، تصبح الموضة السعودية وسيلة للاعتزاز بالماضي والتعبير عن الحاضر بثقة وإبداع، ويتغلغل التراث السعودي بعمق بالموضة العصرية فينتج قطع فنية منسوجه بأنامل سعودية قادرة على أن تصل إلى العالمية.
اقرأ أيضاً: القَط العسيري.. تراث زاحم قائمة اليونسكو واحتل الأزياء
المصممين السعوديين نحو العالمية بفعل مزج التراث والموضة
المصممة السعودية نورا سليمان من أبرز الأسماء التي استطاعت الانتقال بإبداعاتها من الرياض إلى ساحات الموضة العالمية، حيث مزجت بين التراث السعودي الأصيل وأحدث خطوط الموضة. بدأت نورا مسيرتها بشغف عميق تجاه التصميم، ونجحت في تحقيق قفزات نوعية في مجال الأزياء وقدمت قطع تعبر عن هويتها الثقافية وتمسكها بجذورها، مما جعلها محط أنظار عشاق الموضة والمشاهير في كافة أنحاء العالم. استطاعت نورا من خلال تصاميمها المبتكرة أن تجعل من اسمها رمزاً للأناقة السعودية المعاصرة، حيث ظهرت تصاميمها في مناسبات دولية وأزياء النجوم حول العالم.
بدورها المصممة أروى العماري لمع نجمها عالمياً وحظيت بتقدير دولي واسع، حيث اختارتها قناة “البي بي سي” البريطانية كواحدة من أفضل العقول إبداعاً في مجال تصميم الأزياء في العالم. أروى بارعة في ترجمة التراث السعودي إلى لغة عالمية من خلال الأزياء، وهو الهدف الذي تسعى إليه على الدوام. لتجلى طموحها في مجموعتها “فخر”، والتي استلهمت عناصرها من التراث السعودي العريق وقدمتها بتصاميم عصرية جذابة، لتنال إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.
ما يعزز عالمية اللمسة السعودية في الأزياء، وتَقدّم السعودية في مجال الموضة هو ظهور علامتي “حِذْوَة” و”سديرية” كمثالين بارزين على قدرة الأزياء في المزج بين الأصالة والابتكار، حيث تقدم العلامتان تصاميم مستوحاة من التراث السعودي النابض بروح الصحراء، والمواكب في نفس الوقت لمتطلبات السوق الحديث والعصري. تقف خلف هاتين العلامتين مصممة الأزياء السعودية جواهر المحيسن مع أشقائها، الذين بدأوا رحلتهم بشغف مشترك بالفن والتراث، في مشروع عائلي متكامل خاص بالموضة.
اقرأ أيضاً: نهضة الأزياء السعودية وحكاية طموح لا يعرف الحدود
الأزياء السعودية ورؤية 2030
عملية المزج بين التراث السعودي والموضة المعاصرة، لا يساهم فقط في تعزيز حضور السعودية على مستوى العالم في مجال الأزياء، بل تأتي منسجمة مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى إبراز الهوية الوطنية ودعم الصناعات الإبداعية. هذا التلاقي نلمسه واضحاً جلياً في اهتمام المصممين السعوديين بإعادة إحياء الرموز التراثية بأساليب حديثة تعكس روح الابتكار والانفتاح الثقافي الذي تدعو إليه الرؤية.
عبر هذا الدمج الحاصل، أصبحت الأزياء السعودية مثالاً حياً عن الأصالة والتجديد، وجزءاً هاماً من صناعة مزدهرة تسهم في تنويع الاقتصاد، وتمكين الشباب السعودي وتحديداً المرأة السعودية في مجالات التصميم والإنتاج والتسويق. وهكذا، تتحول الموضة السعودية إلى منصة عالمية تظهر جمال التراث بنفحة من روح الحداثة والعصرية، ما يدعم مكانة المملكة كمركز مؤثر في عالم الأزياء والثقافة الإبداعية.

