فيلم “مندوب الليل” هو أحد أبرز الأعمال السعودية التي لفتت الأنظار مؤخراً، حيث يغوص في أعماق الحياة الليلية في شوارع الرياض، كاشفاً وجهاً مختلفاً للمدينة لا يراه كثيرون. تدور القصة حول مندوب توصيل بسيط يجد نفسه عالقاً في سلسلة من الأحداث الغامضة والمواقف المليئة بالتوتر، لتتحول ليلته العادية إلى مغامرة غير متوقعة تخلط بين الغموض والإثارة والدراما الإنسانية.
بأسلوب بصري جذاب وأداء تمثيلي متقن، يقدم الفيلم صورة واقعية ومليئة بالنبض عن المجتمع الحديث، حيث تتقاطع الطموحات والأسرار في زمن السرعة والتطبيقات الرقمية. إنه عمل يلتقط تفاصيل الحياة اليومية بنظرة مختلفة، ويأخذ المشاهد في رحلة لا تُنسى بين الضوء والعتمة، الحقيقة والوهم، والخطر والمصير.
لمحة عن أحداث فيلم “مندوب الليل” في السعودية
حقق الفلم منذ طرحه بداية ديسمبر 2023 حتى 14 مارس 2024، إيرادات بلغت 28.3 مليون ريال (7.57 مليون دولار) لـ 614 ألف تذكرة مباعة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة لتنظيم الإعلام.
تدور أحداث فيلم “مندوب الليل” حول “فهد القضعاني” شاب ثلاثيني أعزب مضطرب، يتوه وحيداً مهموماً كل ليلة في زحمة الرياض. فقدان العاطفة وضياع الوظيفة وتوصيل الطلبات، تدفعه كلها للتخلي عن مبادئه في عالم لا يفقه فيه شيئاً.
كسر هذا الفيلم النمط العام السائد عن السعودية حيث الحياة الفارهة، مسلطاً الضوء على حياة المهمشين. فيلم “مندوب الليل” (Night Courier)، الذي عُرض خلال فعاليات مهرجان “تورنتو” السينمائي، ثم نافس على جائزة أفضل فيلم في مهرجان زيورخ السينمائي.
فيلم “مندوب الليل” أخرجه علي الكلثمي، وشارك في تأليفه مع محمد القرعاوي، ولعب بطولته كل من (محمد الدوخي ومحمد الطويان ومحمد القرعاوي وسارة طيبة وهاجر الشمري)، وهو من إنتاج شركة “تلفاز 11”.
الشخصية الرئيسية في الفيلم هي فهد “بطل العمل” هو أحد أبناء الطبقة محدودة الدخل، شاب ثلاثيني يعمل في خدمة العملاء بإحدى شركات الاتصالات، يكره وظيفته، ومكانته الاجتماعية وحاجته إلى المال لعلاج والده المسن المريض، ومسؤوليته عن أخته المطلقة، مما ينعكس على كل تصرفاته، والنتيجة طرده من عمله بعدما رفض الاستقالة بسبب أخطائه المتعددة، واعتدائه على مديره بالضرب.
فقد فهد عمله الأساسي وتحول إلى مندوب توصيل عبر تطبيق “مندوبك”، ومن هنا بدأت حياته الليلية، إذ ينتقل يومياً عبر شوارع الرياض من مكان إلى آخر، موصلاً أطعمة لا يقدر على دفع ثمنها، لزبائن ينظرون إليه وكأنه أداة وجزء من التطبيق على هواتفهم المحمولة.
بناءً على تعب والد فهد في الفيلم يقرر سرقة مصنع “مشروبات كحولية” غير مرخص. لكن ما يميز طريقة كتابة شخصية فهد أن المشاهد لا يمكنه التعاطف معها بالكامل. فهي شخصية رمادية لها أخطاؤها الأخلاقية التي يصعب التغاضي عنها، فهو عنيف واتكالي، ويقبل القيام بجريمة سرقة وبيع المشروبات الكحولية لحل مشاكله المادية، لكن أيضاً يصعب الحكم عليه بصورة سلبية تماما، فهو ضحية الجميع وحتى نفسه واختياراته الخاطئة.
يظهر الفيلم تناقض حياة الليل في الرياض بالنسبة للطبقات المختلفة، فنرى بعض أبناء الطبقة المخملية يقيمون الحفلات، بينما يخرج أبناء الطبقة الوسطى في المطاعم الأنيقة، في وقت يخدم فيه أبناء الطبقة محدودة الدخل الجميع.
اقرأ أيضاً: الفيلم الذي أرعب العالم تصدّر شباك التذاكر السعودي!
أبرز سمات الفيلم وما يميزه عن باقي الأفلام
لا يمكن اعتبار “مندوب الليل” فيلم طريق، لكنه ينتمي إلى الشارع الحقيقي، ويعيد إلى الأذهان أفلام مدرسة الواقعية الإيطالية الجديدة، في ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي أخرجت الكاميرا من الأستوديوهات إلى الشوارع والحارات لتنقل حياة الناس العاديين.
الطبقة العليا أو حتى الوسطى السعودية، وعلى الرغم من تصوير فيلمه في قلب العاصمة الرياض، فإنه وجه كاميرته إلى مجتمع ذوي الدخل المحدود، ويظهر ذلك أكثر ما يظهر في المشهد الختامي للفيلم، والذي يجلس فيه البطل بالكرسي الخلفي لحافلة نقل عام، وترتسم على وجه ملامح اليأس، ثم تتحرك الكاميرا بسلاسة للأمام مستعرضة باقي وجوه الركاب، الذين على الرغم من جنسياتهم المتعددة تحمل وجوههم نفس التعبيرات المثقلة بقلة الحيلة، وكأن المخرج يؤكد أن هموم بطله ليست فردية. فهذا الفيلم عرض الحياة بشكل عام في السعودية والتفاوت الطبقي بين سكانها. وقد حاز الفيلم على تقييم 7.5 على IMDB، أشهر منصة تقييم أفلام بالعالم.
جوائز وتكريمات الفيلم
جائزة “الوهر الذهبي” لأفضل فلم عربي روائي طويل من مهرجان وهران الدولي للفلم العربي، 2024. الجائزة الكبرى من مهرجان “آسيا وورلد فلم فيستيڤال” في لوس أنجلوس، 2024.
اقرأ أيضاً: فيلم “الزرفة” يتصدر شباك التذاكر ويكتب قصة نجاح جديدة للسينما السعودية

