بعد عقود من الحظر الذي كان مفروضاً على مشاركة النساء والفتيات في الأنشطة العلنية للرياضة والتربية البدنية، تشهد المملكة العربية السعودية تطوراً هائلاً على مستوى مشاركة الرياضيات السعوديات في كافة الأنشطة والمنافسات والألعاب.
حيث تسعى القيادة السعودية الطموحة بقيادة الملك (سلمان بن عبد العزيز) وولي عهده الأمير (محمد بن سلمان)، ممثلة في حكومة المملكة، إلى رفع الكثير من القيود المانعة من التوسع في صناعة البطلات الرياضيات بشكل يسمح لهن وللرياضات النسائية السعودية، بالمنافسة المحلية والإقليمية والدولية، والحصول على الميداليات.
كتب: محسن حسن
مساواة واعية
هذا السعي الدؤوب للقيادة السعودية، يتحقق عملياً وفعلياً الآن من خلال خطوات التطوير البدني والرياضي والتنظيمي الجادة التي يتبناها القسم النسائي التابع لهيئة الرياضة السعودية، والذي يبدي اهتماماً كبيراً بإزالة أي من الحواجز المتبقية أمام انطلاق الرياضة النسائية وتقنين فعالياتها ومنافساتها وألعابها المختلفة؛ الفردية والجماعية، وذلك على كافة الصعد والمستويات والأماكن والبيئات المختلفة، في المدارس والشركات والاتحادات، بالتزامن مع إبداء أكبر قدر من الجهد المبذول من أجل مكافحة أي مظهر من مظاهر التمييز الرياضي ضد النساء والفتيات والإناث عموماً، وخاصة، الراغبات في الانخراط في أي من المسابقات الرياضية التنافسية داخلياً وخارجياً.
وفي إطار ما تشهده الساحة الرياضية السعودية من استضافات كبيرة للبطولات الرياضية الكبرى في العالم، ازداد تطلع الرياضيات السعوديات لتنويع مهاراتهن واحترافيتهن في ممارسة مجمل الأنشطة الرياضية التي باتت تشهد منافسات قوية ومشجعة على المتابعة، بما في ذلك الرياضات الصعبة والشاقة كتسلق أعالي الجبال والمبارزة وألعاب الدفاع عن النفس، والسباحة لمسافات طويلة.
إلى غير ذلك من الممارسات والألعاب الرياضية القوية والأكثر تنافسية عبر بطولات وملاعب العالم، والتي أثبتت خلالها المرأة السعودية الرياضية قدرتها على التمثيل البطولي المشرف لنفسها ولأسرتها ولوطنها، مؤكدة أنها ليست في منزلة أقل من الرجل من حيث استطاعتها الحصول على الميداليات واعتلاء منصات التتويج في كافة المنافسات المحلية والدولية.
اقرأ أيضًا: أضواء العريفي .. رحلة مليئة بالعمل لتطوير الرياضة النسائية في السعودية
مؤشرات جدارة
مما يساعد رياضيات المملكة وهواة احتراف الألعاب والمنافسات منهن على تحقيق طفرات نوعية في سعيهن نحو التميز، وإبداء التصميم المثالي على إثبات الجدارة والقدرة والموهبة وتحدي كافة العقبات.
هذه المساندة القوية التي يحظى بها النشاط الرياضي لفتيات المملكة من قبل شخصيات نسائية بارزة في قدرها وقيمتها كالأميرة (ريما بنت بندر آل سعود)، وهي الشخصية الرياضية والدبلوماسية الأكثر تأثيراً في مسيرة التحديث المستمر لمنظومة الرياضات النسائية السعودية، منذ تم تعيينها رئيساً للهيئة العامة الرياضية وحتى الآن؛ حيث تعمل الأميرة (ذات العلاقة العائلية بالأسرة المالكة السعودية) من خلال عضويتها في مجلس إدارة اللجنة الأوليمبية السعودية، واللجنة الأوليمبية الدولية، ومن خلال علاقاتها وخبراتها الواسعة التي اكتسبتها كأول سفيرة سعودية في الولايات المتحدة الأمريكية، على فتح الباب أمام نساء المملكة عموماً، والنساء الرياضيات خصوصاً، لشغل مكانة مميزة من حيث التمكين الشامل رياضياً واجتماعياً واقتصادياً.
وتؤكد مؤشرات تقييم التحديث المستمر لمنظومة الرياضات النسائية في المملكة إلى صعود متنامٍ وسريع في مستوى المشاركة وتنوع الأنشطة؛ ففي حين كانت الأنشطة الرياضية الأسبوعية للسعوديات بصفة عامة لا تتجاوز 9% عام 2015، إذا بها ترتفع إلى أكثر من 18.5% خلال خمسة أعوام فقط.
ما يعني أن هذه الفترة القصيرة التي تلت إطلاق رؤية 2030 الطموحة، شهدت نمواً بنسبة 100% تقريباً لتلك الأنشطة، وهي النسبة التي لا تزال تواصل التحديث والتطوير مع استهداف الرؤية الوصول إلى نسبة 40% ممارسة أسبوعية للأنشطة الرياضية النسائية على الأقل مرة واحدة أسبوعياً بحلول 2030.
وهذا التطوير الدائم للأنشطة الرياضية النسائية، بدأت تظهر معهالعديد من مبادرات التطوير الواعدة والتي منها مثلاً (مبادرة التنوع والشمول)، والتي استهدفت تمكين كل من الرياضة النسائية، والرياضيات السعوديات في كافة المجالات، وفق رؤية تطوير شاملة انتقلت معها طبيعة الممارسة الرياضية النسائية من حيز الهواية والمحلية، إلى فضاء المنافسات الاحترافية الدولية والعالمية وتحقيق البطولات والجوائز.
وذلك بعد أن تحققت طفرات نوعية في الاهتمام بتيسير وصول الرياضيات السعوديات إلى مرافق البنية التحتية الرياضية بالمساواة مع الرجال، والحرص على إلحاقهن بالدورات التدريبية التأهيلية، والسماح لهن بالمشاركة في جميع المسابقات المحلية والدولية.
اقرأ أيضًا: حضور نوعي لقوى الاقتصاد النسائي في المملكة العربية السعودية
شخصيات داعمة
وكدلالة عملية وميدانية على إيجابية المؤشرات المشار إليها فيما يخص تطور الرياضات النسائية في المملكة، تغيرت النظرة المجتمعية والرسمية للدولة السعودية تجاه تلك الرياضات وتجاه الجمهور الراغب في متابعتها وتشجيعها، سواء من جماهير الأسر الرياضية أو من عموم الجماهير.
وذلك منذ العام 2018، عندما تم إصدار مرسوم ملكي سعودي يسمح للعائلات السعودية بدخول الملاعب ومتابعة المباريات والفعاليات، الأمر الذي ظهرت نتائجه مباشرة على القطاع الرياضي السعودي بصفة عامة، وقطاع الرياضة النسائية ومتابعيه بصفة خاصة؛ حيث ارتفعت نسبة حضور المشجعين من النساء في جميع الملاعب إلى أكثر من 150%، وأصبح هناك فريق وطني نسائي، لدى أكثر من 25 اتحاداً سعودياً، إلى جانب شخصية نسائية واحدة على الأقل متخصصة في الإدارة الرياضية من النساء ضمن هيكل هذه الاتحادات الرياضية ذاتها.
ولم تقتصر مشاركة النساء فقط على عناصر نسائية محدودة في الاتحادات الرياضية، وإنما شاركت السعوديات أيضاً في تشكيل وإدارة وتسيير الروابط والمجموعات الرياضية المجتمعية، حيث إن أكثر من 70% من أعضاء هذه الروابط والمجموعات هم من النساء.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن الجمع بين جمهرة الملاعب السعودية النسائية، وإشراك شخصيات نسائية قوية في الإدارة الرياضية، كان له أكبر الأثر الإيجابي في تطوير منظومة الرياضات النسائية السعودية.
وتكفي الإشارة هنا، إلى العديد من الأسماء النسائية التي تشارك بفاعلية في المناصب الإدارية، ومنها (شيماء بنت صاح الحصيني) على رأس الإدارة التنفيذية للاتحاد السعودي للرياضة للجميع، و(لمياء بن بهيان) في منصب النائب المباشر لرئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، و(منيرة البراك) على رأس الإدارة التنفيذية للجنة السعودية للبادل، و الأميرة (مشاعل بنت فيصل) في عضوية اللجنتين النسائية والمنتخبات لاتحاد الدراجات السعودي، إضافة لأسماء أخرى عديدة، تساهم بفاعلية في النهوض بمنظومة الرياضات النسائية بالمملكة.
اقرأ أيضًا: السعودية تنفرد بتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2034.. وتواصل صياغة الهوية الرياضية بإنجازات حصرية للعقد القادم
ظهور و انطلاق
و كان عام 2019 شاهداً على بروز نجم البطولات الرسمية والودية للاعبات السعوديات، حيث كان أكثر من 2400 لاعبة سعودية مسجلاً في الاتحادات الرياضية السعودية المختلفة، وهو ما شهد معه هذا العام، انخراط أكثر من 65 لاعبة سعودية في المنافسة على ثماني رياضات بدورة ألعاب مجلس التعاون الخليجي، بل والفوز بــ 11 ميدالية.
وخلال دورة الألعاب الدولية للأولمبياد الخاص في العاصة الإماراتية (أبو ظبي) في نفس العام، شاركت 21 لاعبة سعودية في المنافسات، واستطعن الحصول على 29 ميدالية، ولأول مرة برزت بطلة سعودية في المبارزة هي (الحسناء الحماد) عندما فازت بالميدالية الذهبية الأولى للسعودية في هذه اللعبة خلال منافسات البطولة العربية في الكويت تحت 20 عاماً، وكذلك بالميدالية الفضية تحت 15 سنة وهي في مرحلة عمرية لم تتجاوز 12 عاما.
ومن جهة أخرى شهد العام ذاته ولأول مرة، ظهور فريق البولينج السعودي خلال بطولة العالم النسائية للعبة، كما شاركت الفرق النسائية السعودية في كأس العالم للأهداف العالمية (GG W Cup) في الدورتين المنعقدتين على التوالي في كوبنهاجن ونيويورك خلال شهرى مايو وسبتمبر 2019.
وهذا الظهور الكبير للرياضات النسائية السعودية الذي شهده عام 2019، تبعه مشاركات أخرى عديدة لاحقاً في السنوات التالية، مثل مشاركة أكبر الوفود النسائية الرياضية، في البطولة العربية بالشارقة عام 2020، والذي كان مكوناً من 72 لاعبة، حققن 12 ميدالية متنوعة، وعلى مستوى كرة القدم النسائية، أتاح النقل الإعلامي المكثف للمسابقات النسائية الجديدة في المملكة مثل الدوري السعودي لكرة القدم للسيدات، و دوري الصالات النسائي لكرة القدم، زخماً إيجابياً في اتجاه اشتداد المنافسات المحلية والدولية في هذه اللعبة وفي غيرها.
وخلال 2022، استطاع منتخب السعودية لكرة القدم النسائية، الفوز باللقب الأول في تاريخه، عندما حصل على كأس بطولة الدمام الدولية 2023 متجاوزاً منتخبات قوية مثل منتخب باكستان وجزر القمر وموريشيوس.
وهو ما ساعد مؤخراً، على قيام الاتحاد الدولي لكرة القدم بمنح هذا المنتخب، تصنيفاً دولياً للمرة الأولى؛ حيث حل الأخضر النسائي في المرتبة الحادية والسبعين بعد المئة ضمن قائمة دولية تضم أكثر من 185 منتخباً.
ويتوقع مستقبلاً أن يتم تحقيق مراكز متقدمة ضمن هذا التصنيف، خاصة إذا حصلت السعودية على كأس آسيا للسيدات 2026، وهي البطولة التي يُرجح فوز المملكة بتنظيمها واستضافتها.
اقرأ أيضًا: رالي جميل للسيدات 2024: السعوديات في صدارة المشاركات و100 فريق عالمي
استثمارات البطولة
وكواحدة من أدوات التطوير والتحديث الرياضي للمنظومة النسائية الرياضية في المملكة، سيظل الاستثمار الرياضي يحتل المكانة البارزة في هذا الإطار، خاصة مع ما تحقق من نتائج إيجابية كفلها الاستثمار السعودي في رياضات الرجال المختلفة.
ومن ثم، يجب هنا استحضار قيمة المتغيرات الإيجابية الحادثة في التمكين الاقتصادي لنساء السعودية، واللائي بتن يمتلكن أكثر من 300.000 شركة، ويستحوذن ـــــ مثلهن مثل نساء الولايات المتحدة الأمريكية ـــــــ على قرابة الــ 25% من إجمالي الشركات الناشئة ومتوسطة الحجم والصغيرة.
إضافة لتمتعهن بأجور متساوية مع الرجال، وهو ما يعني مجملاً إمكانية توجه قوى الاقتصاد النسائي هذه إلى الاستثمار الأقرب في أنشطة النساء الرياضية ومجالات احتياجاتهن اللوجيستية من الأدوات والملابس والمستلزمات التأهيلية الخاصة بالإعداد البدني والتدريب.
وبالتالي يمكن القول إننا بصدد قوة استثمارية ناشئة ومتجانسة ومتعاضدة، سيدعمها التمكين الاقتصادي للنساء من جهة، كما ستمثلها وتمهد لها الأنشطة الرياضية النسائية على كافة الأمداء القريبة والمتوسطة والبعيدة من جهة أخرى.
وبالطبع، لا يخفى على جهات الاستثمار السعودية العليا كصندوق الاستثمارات العامة، ما تمثله الرياضات النسائية من أهمية استثمارية كبيرة في المرحلة القادمة، خاصة مع تضاؤل حجم الاستثمارات المتاحة ضمن نطاق دوري محترفي كرة القدم للرجال والمتخم باستثمارات ضخمة.
ومن ثم، ستفتش المملكة حالاً ومستقبلاً عن بدائل استثمارية جديدة في قطاع الرياضات النسائية، وهو ما سيدفع باتجاه استقطاب البطولات النسائية العالمية الكبرى إلى أراضي المملكة، مع بذل جهود مكثفة لرفع احترافية اللاعبات السعوديات وخاصة في لعبات نسائية شهيرة يأتي في مقدمتها لعبة التنس؛ حيث تخطط وزارة الرياضة السعودية حالياً بالتعاون مع الصندوق السيادي للمملكة في ضخ الاستثمار الأكبر من نوعه وحجمه في منظومة الرياضة النسائية، والذي يأتي ضمن نطاقه عروض استثمارية بقيمة مليار دولار لدمج وتفعيل واستضافة جولات التنس الدولية للرجال والسيدات.
وترى القيادة السعودية أن الاستثمار الرياضي مهما كانت ضخامته وكلفته، يعد متماشياً مع رؤية 2030 الطامحة لتعزيز مشاركة النساء في الرياضة، خاصة في ظل قناعات وطنية ورسمية، بجدوى الاستثمار الرياضي وفائدته لأكثر من 35 مليون سعودي وسعودية، أكثر من نصفهم في مراحل عمرية شابة لا تتجاوز سن الخامسة والعشرين.
ولذا تكثف الحكومة السعودية اهتماماتها الرياضية بتوسيع دائرة اللعبات النسائية، مع منح أولوية لنساء كرة القدم، ومنذ عام 2021، يرتفع بالفعل عدد المسجلات الرياضيات، ليتجاوز 330.000 رياضية سعودية.
كما ارتفع عدد الأندية بنسبة تزيد على 55%، في حين بلغت نسبة ارتفاع المنتخبات الوطنية النسائية 300%، وقفزت نسبة اللاعبات السعوديات المحترفات لأكثر من 190%، من بينهن 14.000 لاعبة تنس متمكنة.
وبعد اجتهاد المملكة في إخراج استضافتها لبطولة اتحاد غرب آسيا لكرة القدم للسيدات 2024 في أبهى صورة، تتطلع البلاد لاستضافة كأس العالم للسيدات لكرة القدم 2035 بعد عام واحد من حدثها الأبرز المنتظر، وهو كأس العالم 2034 لكرة القدم رجال.
و ختاماً، تسير خطط التحديث السعودي للرياضات النسائية على طريق التحول الواضح من الهواية إلى الاحتراف والمنافسة، ولكن يتوجب، مضاعفة تكثيف جرعات الوعي التعليمي والأكاديمي بأهمية الممارسة الرياضية لكافة الشرائح المجتمعية، كخطوة مهمة لتوطين الممارسات الرياضية النسائية، وكمنطلق لتأسيس جيل من الرياضيات القادرات على استقطاب البطولات وصناعة البطلات والأبطال.
اقرأ أيضًا: المؤتمر الدولي الخامس لعلوم الرياضة والنشاط البدني