مساء أمس الثلاثاء 14 أكتوبر من قلب مدينة جدة كتب التاريخ الرياضي السعودي مجدداً بتوقيت سابعة التأهل.. في ليلة كروية لا تُنسى على أرض ملعب “الإنماء” بمدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة، حجز المنتخب السعودي الأول لكرة القدم مقعده مباشرةً ورسمياً في كأس العالم 2026، بعد أن انتزع تعادلاً سلبياً بطعم النصر أمام نظيره العراقي، ليعلن عن تأهله السابع في تاريخه إلى المحفل العالمي الكبير ليقود العرب نحو الحلم بالتتويج.
أجواء جدة مشحونةٌ بالحماس والترقب منذ الساعات الأولى للمساء، فجدة لمن تنم منذ ليل الاثنين.. فجر الثلاثاء، مساءً امتلأت المدرجات بجماهير الأخضر التي رفعت الأعلام ورددت بحناجر مليئة بالإرادة وخفقت بقلوب تريد معانقة الحلم “هيّا يا سعودي”، مدفوعة بإيمان راسخ بأن “الأخضر لا يخذل في المواعيد الكبرى”. في ها المقال سننقل مجريات أرض الملعب المشتعلة منذ الصافرة الأردنية المُعلنة بداية اللقاء حتى الختام بالفوز السعودي، سنعرض جهود اللاعبين على أرض الملعب وإضاعة بعضهم للفرص، وكيف أشعل الجمهور السعودي المتألق خلف منتخبه المدرجات.
مباراة مشتعلة منذ البداية.. السعودية تريد كأس العالم
دخل منتخب السعودية بقيادة مدربه الفرنسي “هيرفي رينارد” اللقاء وهو يعلم أن التعادل يكفيه لضمان التأهل على حساب العراق متفوقاً بفارق الأهداف، لكن ذلك لم يمنع اللاعبين من تقديم أداء هجومي متوازن ومليء بالندية، فالأخضر معروف بقدرته الهجومية وبتكتيك لعبه المعتمد على الهجوم.
منذ الدقائق الأولى، حاول الأخضر فرض إيقاعه عبر تحركات “سالم الدوسري” و”صالح أبو الشامات” و”عبد الله الخيبري”. في الدقيقة 55 كادت جماهير المدرجات أن تنفجر فرحاً عندما انفرد القائد “الدوسري” بالحارس العراقي “جلال حسن”، لكن الأخير أبعد الكرة ببراعة ليؤجل لحظة الاحتفال.
في المقابل، حاول المنتخب العراقي تهديد مرمى “نواف العقيدي”، الذي تألق في الدقيقة 94 وأنقذ هدفاً محققاً من ركلة حرة مباشرة، ليحافظ على الشباك نظيفة ويضمن لمنتخب السعودية بطاقة المونديال رسمياً.
مجريات المباراة… أعصاب مشدودة حتى صافرة النهاية
منذ صافرة البداية، ملامح الحذر سيطرت بوضوح على الطرفين، لكن السيطرة الميدانية مالت للسعودية،بفضل تحركات “عبدالله الخيبري” و”سلمان الفرج” في الوسط، وانطلاقات “سالم الدوسري” و”صالح أبو الشامات” على الأطراف.
بدا واضحاً أن المباراة لن تكون سهلة على كلا المنتخبين. دخل المنتخب العراقي المواجهة بعزيمة البحث عن الفوز الذي يمنحه فرصة التأهل المباشر وكان اندفاعياً في اللعب، بينما لعب المنتخب السعودي بتوازن تكتيكي عالٍ، مدركاً أن التعادل يكفيه لبلوغ المونديال دون الدخول في حسابات معقدة.
في الدقيقة 13 جاءت أولى المحاولات السعودية الخطيرة بتسديدة من “أبو الشامات” لكنها مرّت فوق العارضة، قبل أن يرد العراق في الدقيقة 25 بتسديدة قوية من “إبراهيم بايش” كادت تهز شباك الأخضر لولا تدخل “سعود عبدالحميد” في اللحظة الأخيرة. سارت المباراة على إيقاع الندية و التشويق والإثارة، حيث تبادل المنتخبان السيطرة، مع أفضلية تقاس نسبياً لصالح الأخضر في وسط الميدان، في حين شكلت الكرات الثابتة مصدر القلق الأكبر للحارس السعودي الشاب.
اقرأ أيضاً: آمال المنتخبات العربية للوصول إلى كأس العالم!
شوطٌ بعثر التحفظ الدفاعي .. الدوسري وقف بين المجد والندم
في الشوط الثاني، خرج منتخب السعودية من تحفظه الدفاعي بحثاً عن هدف يؤمّن التأهل مبكراً إلى كأس العالم، وجاءت أبرز فرص المباراة في الدقيقة 55 حين تلقى “سالم الدوسري” تمريرة متقنة من “الفرج”، لينفرد بالحارس “جلال حسن” وجهاً لوجه، لكنه سدد الكرة بقوة تصدى لها الحارس العراقي ببراعة وأنقذ منتخب بلاده من هدف محقق.
عاد الدوسري بعد ثلاث دقائق ليجرب حظه من خارج المنطقة بتسديدة قوية مرت عالية عن المرمى، وسط حسرة واضحة على وجهه واحتفالات مؤجلة في المدرجات الخضراء، شدت الأعصاب أكثر، إنه الشوط الثاني شوط الحسم ويعرف بشوط المدربين، فالفرنسي جالس على أعصابه يراقب.
في الدقيقة 65، أطلق “عبدالله الخيبري” تسديدة صاروخية تصدى لها الحارس مجدداً، في حين رد العراق بضغط متأخر كاد يثمر عن هدف قاتل في الدقيقة 94، لولا تألق الحارس “نواف العقيدي” الذي أبعد كرة ثابتة ببراعة جعلت الجمهور يقف مصفقاً له حتى بعد صافرة النهاية.
من جدة إلى أميركا.. انطلق الأخضر نحو الحلم
رحلة الأخضر بالكأس بدأت من أمريكا في التسعينيات، رفع المنتخب السعودي رصيده بهذا التأهل إلى سبع مشاركات في نهائيات كأس العالم، ليؤكد مكانته كأكثر المنتخبات العربية الآسيوية حضوراً في المونديال. من مونديال أمريكا 1994 حين أبهر العالم بهدف “سعيد العويران” التاريخي أمام بلجيكا وتأهله إلى دور الـ16، مروراً بفرنسا 1998، وكوريا واليابان 2002، وألمانيا 2006، ثم العودة القوية في روسيا 2018 وقطر 2022 بانتصاره المذهل على الأرجنتين، وصولاً إلى أمريكا 2026، يثبت منتخب السعودية أنه لا يغيب طويلاً عن الاستحقاقات الكبرى. فهل ستكون هذه السابعة سابعة النصر للأخضر.. والنصر للحلم العربي بالتتويج بكأس العالم؟
السعودية تقود القافلة العربية.. الجميع اصطف نحو الحلم
تأهل السعودية عزز الحضور العربي في مونديال 2026، حيث بلغ عدد المنتخبات العربية المتأهلة حتى الآن سبعة منتخبات، وهم: السعودية، المغرب، تونس، الجزائر، مصر، قطر، والأردن، في رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ كأس العالم.
وربما يرتفع الرقم إلى ثمانية حال تأهل العراق أو الإمارات من الملحق العالمي المقام في نوفمبر المقبل.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الآسيوي يُشعل الخليج عبر جدول مباريات الملحق لكأس العالم 2026
ما بعد نصر جدة … ماذا ينتظر السعودية
المهمة المقبلة للسعودية ليست سهلة، فالمونديال القادم 2026 سيشهد مشاركة 48 منتخباً للمرة الأولى في التاريخ، لكن السعودية تدخل بثقة وخبرة، وبجيل قادر على كتابة فصول جديدة ربما تختتم باللقب أو بالوصافة، ليس بعيداً أن يكون هذا الجيل بقيادة الدوسري، الفرج، والعقيدي، هو من يقود السعودية إلى أول عبور إلى ربع النهائي، أو أبعد من ذلك.
تتأهب السعودية لاستحقاقات رياضية قادمة، منها استضافة كأس العالم 2034، يبدو أن كرة القدم لم تعد مجرد رياضة في البلاد، بل رمزاً لنهضة وطن ومثابرة شعب يرى في كل انتصار خطوة نحو مستقبل مشرق.
المدرب الفرنسي يعبر ثانيةً مع السعودية إلى كأس العالم
كتب الفرنسي “رينارد” المدير الفني للمنتخب السعودي التاريخ مع فريقه، بعدما قاده إلى نهائيات كأس العالم 2026، ليسجل الأخضر حضوراً ثانياً في المونديال تحت قيادة المدرب الفرنسي الذي كان قد قاده إلى مونديال قطر 2022، وحقق”رينارد” إنجازاً تاريخياً بعدما أصبح أول مدرب يتأهل بالمنتخب السعودي مرتين إلى كأس العالم.
رحل رينارد عن الأخضر عام 2023 ليعود قبل شهرين من نهاية عام 2024 ليقود المنتخب السعودي خلفاً للإيطالي “روبرتو مانشيني”، وسبق لرينارد قيادة منتخب المغرب في كأس العالم 2018، وفي حال استمراره مع الأخضر فإنه سيكتب تاريخاً جديداً في المونديال الذي سيشارك فيه مدرباً للمرة الثالثة على التوالي.
الختام مع الشغف .. مع الجماهير السعودية
كانت جماهير “أخضر السعودية” هي نجم المدرجات والمباراة بلا منازع. منذ ساعات العصر، تدفقت الحشود الخضراء نحو “الجوهرة المشعة”، ورفرفت الأعلام السعودية في كل زاوية من الملعب، قلنا سابقاً أن جدة لم تنم في هذه الليلة. عند صافرة النهاية، تحوّل المدرج إلى لوحة فنية من الفرح، فاختلطت دموع الفرح بالتصفيق الحار و الحناجر الهاتفة بشغف:
من جدة لأمريكا.. الأخضر في العلالي!
أما على مواقع التواصل الاجتماعي، تصدّر وسم #السابعة_خضراء التريند في المملكة وعموم الخليج خلال دقائق قليلة بعد انتهاء المباراة، حيث عبّر الناشطون والمغردون على وسائل التواصل عن فخرهم بمنتخبهم، ووصفوه برمز العزيمة والإصرار، فرحين بهذه الاستمرارية السعودية، متأملين الظفر بنتائج جيدة في كأس العالم.

