بينما تعيش الأسواق العالمية على وقع تقلبات جيوسياسية وتوترات اقتصادية متصاعدة، تبرز منطقة الخليج كواحة استثمارية واعدة وسط صحراء من الشكوك. وفي مشهد لافت يعكس هذا التحول، احتضنت العاصمة البريطانية لندن أعمال المؤتمر السنوي الرابع لبورصات الخليج، بتنظيم من بنك «إتش إس بي سي HSBC»، وبمشاركة نوعية واسعة جمعت بين ممثلي الأسواق الخليجية الكبرى، وأكثر من 300 مستثمر من أبرز المؤسسات العالمية.
جاء هذا الحدث في توقيت بالغ الحساسية، حيث يسعى المستثمرون إلى إعادة رسم خرائطهم الاستثمارية بعيداً عن الأسواق التقليدية المأزومة، متطلعين إلى أسواق ناشئة تثبت قدرتها على تحقيق الاستقرار والنمو. ومع تصاعد دور السعودية كرائدة للتحولات الاقتصادية في المنطقة، برزت المملكة كأحد المحاور الرئيسة للنقاشات التي شهدها المؤتمر.
بورصات الخليج: محطة استراتيجية للحوار المالي
نظّم بنك «إتش إس بي سي» هذا اللقاء السنوي في لندن ليكون بمثابة منصة دولية للحوار بين بورصات الخليج والمستثمرين العالميين، بمشاركة البورصات السبع في مجلس التعاون، وأكثر من 100 مؤسسة خليجية، وشخصيات اقتصادية مرموقة. والمؤتمر لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل تجسيد عملي للتحول العميق في النظرة العالمية تجاه الأسواق الخليجية.
وفي ظل مناخ اقتصادي عالمي يتسم بعدم اليقين، كانت الرسالة واضحة: الخليج، والسعودية تحديداً، لم تعد مجرد سوق نفطية، بل بيئة خصبة للاستثمار المتنوع والطويل الأمد.
السعودية في الصدارة: قصص نمو من الواقع
خلال اليومين الأولين من المؤتمر، كانت المملكة العربية السعودية محط الأنظار، بمداخلات نوعية من كبار المسؤولين، من بينهم وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، ورائد الحميد، وكيل هيئة السوق المالية. ناقش المتحدثون التحولات الاقتصادية الجارية في المملكة، التي لم تعد تقتصر على خطط طويلة الأجل، بل بدأت تُترجم إلى أرقام واقعية ونمو فعلي.
وسلطت الجلسات الضوء على نمو الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 3.4% خلال الربع الأول من العام الجاري، وهو ما تجاوز التقديرات المبدئية، مدفوعاً بقطاعات مثل التصنيع والخدمات، وسط جهود مكثفة لتحرير السوق المالية وتعزيز كفاءتها وجاذبيتها.
ثقة متجددة من المستثمرين العالميين
أشار الرئيس التنفيذي لبنك «إتش إس بي سي» العربية السعودية، فارس الغانم، إلى أن النشاط الملحوظ في السوق السعودية يعكس ثقة المجتمع الاستثماري العالمي بإمكانات المملكة على المدى الطويل، رغم ما يشهده الاقتصاد الدولي من تقلبات حادة.
أما محمد الرميح، المدير التنفيذي لـ«تداول السعودية»، فقد أكّد أن الإصلاحات الاقتصادية الجارية في المملكة فتحت الباب أمام فرص استثمارية واسعة، مدعومة بالشفافية وتسهيلات الملكية للمستثمرين الأجانب.
اقرأ أيضاً: السعودية: استهداف المنشآت النووية انتهاك للقانون الدولي.. ماذا يقول الأخير؟!
هذا وأوضحت تحليلات «إتش إس بي سي» أن المعوقات السابقة مثل الاعتماد على النفط أو ضعف السيولة لم تعد تُمثّل عائقاً، إذ ساهمت الاكتتابات العامة المتسارعة وتوسيع نطاق الملكية الأجنبية في تحسين موقع السعودية في مؤشرات الأسواق الناشئة.
وخلال الربع الأول من العام، تصدرت المملكة حركة الإدراجات على مستوى الخليج بـ 12 اكتتاباً عاماً أولياً في قطاعات متنوعة، بينها الصحة والعقارات والخدمات المالية، وهو إنجاز يُسجَّل في وقت تعاني فيه الأسواق العالمية من تباطؤ واضح في هذا المضمار.
الخليج مركز جديد لرأس المال العالمي
وأكّد الغانم في تصريحاته أن قوة الموازنات العامة لدول الخليج، مقرونة بتطور البنية التحتية المالية، تجعل من المنطقة نقطة جذب متقدمة لرؤوس الأموال الباحثة عن بيئات استثمارية مستقرة وقادرة على تحقيق نمو مستدام.
وفي خطوة جديدة هذا العام، دمج «إتش إس بي سي» بين خبراء الاستراتيجيات الاقتصادية وممثلي الشركات الخليجية، ما عكس بوضوح تزايد الاهتمام العالمي بالمنطقة، وارتفاع سقف التوقعات بشأن دورها في الاقتصاد العالمي خلال المرحلة المقبلة.
ختاماً، في زمن يترنح فيه الاقتصاد العالمي على وقع الحروب التجارية والتغيرات المناخية والمخاوف السياسية، تفتح بورصات الخليج، بقيادة السعودية، صفحة جديدة من الاستقرار والنمو الطموح. ومن لندن، حمل المؤتمر رسالة مفادها أن منطقة الخليج باتت لاعباً رئيسياً على خارطة الاقتصاد العالمي، وأن زمن التبعية للنفط فقط قد ولّى.