تقود السعودية حراكاً ثقافياً كبيراً وصلت تأثيراته إلى الدول العالمية. وفي إطار جهودها لتطوير قطاعاتها الإبداعية والثقافية بما يتماشى مع رؤية 2030، برز اسم الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود كأحد أبرز صناع هذا الحراك، وأول وزير للثقافة.
النشأة والمسيرة المهنية
ولد الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود في 16 سبتمبر 1985، ويشغل حالياً منصب وزير الثقافة في المملكة العربية السعودية، وهو أول من تولى هذا المنصب منذ استحداث الوزارة. يشغل كذلك عدة مناصب بارزة من بينها محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا منذ يوليو 2017، ورئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الثقافي منذ تأسيسه في عام 2021، ما يجعله أحد أبرز المسؤولين المنخرطين في تنفيذ مستهدفات رؤية السعودية 2030 في المجال الثقافي.
تخرج الأمير بدر في كلية الحقوق بجامعة الملك سعود في الرياض، حيث نال درجة البكالوريوس في القانون، قبل أن يبدأ مسيرته المهنية في القطاع الخاص كمسؤول تنفيذي ومستثمر في مجالات الطاقة والعقارات والاتصالات.
في ديسمبر 2015 تولى الأمير بدر رئاسة مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، وهي إحدى أكبر شركات النشر والإعلام في الشرق الأوسط، والتي توسعت في عهده إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. وشهدت المجموعة تطورات مهمة، من أبرزها توقيع اتفاقية شراكة مع “بلومبيرغ نيوز” لإطلاق منصة “بلومبيرغ العربية” في سبتمبر 2017، ثم الاستحواذ على حصة 51% من شركة “أرقام” المتخصصة في الأخبار المالية الإلكترونية في أكتوبر من العام نفسه.
كما وقع في يناير 2017 اتفاقية تعاون بين المجموعة ومؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز الخيرية (مسك) لتوفير الدعم الإعلامي والاتصالي لبرامج المؤسسة الخاصة بالشباب.
وترأس الأمير بدر مجلس إدارة معهد مسك للفنون، الذي يهدف إلى تعزيز الدبلوماسية الثقافية والتبادل الفني على الصعيد الدولي.
تولى الأمير بدر منصب محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا في يونيو 2017، التي تهدف إلى تطوير المواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام في منطقة المدينة المنورة، وتحويلها إلى وجهة ثقافية عالمية. وفي أبريل 2018، وقع اتفاقية مع وزير الخارجية الفرنسي آنذاك جان إيف لودريان تهدف إلى الاستفادة من الخبرات الفرنسية في ترميم وتطوير العلا على مدى عشر سنوات.
ولم تقتصر جهود الأمير بدر على التعاون الدولي، بل امتدت لتشمل مبادرات محلية واسعة، من بينها إطلاق خمس مبادرات جديدة في أغسطس 2018 لتطوير محافظة العلا، أبرزها برنامج للبعثات الدولية لطلاب العلا، وبرامج مجتمعية للحفاظ على التراث وخلق فرص عمل في هذا القطاع.
في 24 فبراير 2021، تم تعيين الأمير بدر نائب لرئيس مجلس إدارة شركة السودة للتطوير، التي يرأس مجلس إدارتها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ضمن خطة طموحة لتطوير الوجهات الجبلية والسياحية في المملكة.
كما يرأس الأمير بدر اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم منذ عام 2019، بالإضافة إلى عضويته في عدد من المجالس والهيئات الوطنية والدولية، مثل مجلس إدارة مؤسسة التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألف)، ومنظمة بانثيرا المعنية بحماية السنوريات البرية.
كما يقود عدداً من المؤسسات والمجالس الثقافية غير الربحية، منها رئاسة مجلس إدارة معهد مسك للفنون ومجلس أمناء صندوق النمر العربي، إضافة إلى أدواره القيادية في مشاريع ومبادرات استراتيجية ترتبط بـ رؤية السعودية 2030.
ومن أبرز المناصب الثقافية التي يشغلها:
- عضو مجلس أمناء المتحف الوطني السعودي.
- رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الثقافي.
- عضو مجلس أمناء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.
- عضو مجلس أمناء المعهد الملكي للفنون التقليدية.
- رئيس مجلس إدارة هيئة تطوير الطائف.
من تأسيس الهيئات إلى قيادة المشهد الثقافي
تم تعيين الأمير بدر عضواً في مجلس إدارة الهيئة العامة للثقافة، وهي هيئة حكومية أُنشئت لتعزيز القطاع الثقافي في المملكة، ودعمه بما يواكب التوجهات الوطنية نحو تنمية مستدامة للثقافة والفنون.
وبعد أقل من شهرين في 2 يونيو 2018، صدر الأمر الملكي بتعيين الأمير بدر وزيراً للثقافة، ليكون بذلك أول من يتولى هذا المنصب في تاريخ المملكة. وبموجب تعيينه قدم استقالته من رئاسة مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، ليتفرغ لقيادة وزارة الثقافة في مرحلة تأسيسها.
جاءت وزارة الثقافة السعودية كمحور استراتيجي من محاور رؤية المملكة، حيث تهدف إلى تطوير البنية التحتية للقطاع الثقافي، وتمكين المبدعين السعوديين، وتعزيز الهوية الوطنية. وفي أول تصريح رسمي له بعد توليه المنصب، أكد الأمير بدر أن الوزارة تسعى إلى تعزيز الهوية السعودية، ودعم الشباب في مختلف المجالات الإبداعية، من الفنون البصرية إلى الأدب والموسيقى والطهي، واعتبر أن الثقافة رافعة حضارية وشريك في التنمية.
رئاسة 11 هيئة ثقافية تغطي 16 قطاع
أسندت إلى وزير الثقافة رئاسة مجالس إدارات 11 هيئة ثقافية، تُعنى بتنظيم وتطوير 16 قطاعًا ثقافيًا مختلفًا، وجاء ذلك في إطار إعادة هيكلة القطاع الثقافي. وتشمل هذه الهيئات:
- هيئة الأدب والنشر والترجمة
- هيئة الأزياء
- هيئة الأفلام
- هيئة التراث
- هيئة فنون العمارة والتصميم
- هيئة الفنون البصرية
- هيئة المتاحف
- هيئة المسرح والفنون الأدائية
- هيئة المكتبات
- هيئة الموسيقى
- هيئة فنون الطهي
تشرف هذه الهيئات على تطوير السياسات والمعايير للقطاعات المختلفة، وتنظيم الفعاليات والبرامج، ودعم المواهب، وإطلاق المبادرات التي تعزز من الحضور الثقافي السعودي على المستويين المحلي والعالمي.
منح الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الأمير بدر وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الأولى تقديراً لجهوده الكبيرة في تطوير القطاع الثقافي وخدمة المملكة بتاريخ 6 أبريل 2021، وهو من أعلى الأوسمة التي تُمنح لشخصيات بارزة في المملكة.
تمكين السينما والفنون السعودية نحو العالمية
يولي الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة السعودي، اهتمام كبير بالفنون بجميع أشكالها، لا سيما القطاع السينمائي، بما أنها أدوات التعبير الثقافي والحضاري في العصر الحديث. وقد أكد الأمير في عدة تصريحات صحافية على أهمية تمكين السعوديين من سرد قصصهم بأنفسهم، قائلاً: “نتطلع لوصول قصصنا السعودية إلى أكبر المحافل السينمائية العالمية لتنافس بقية الصناعات السينمائية في العالم”.
وقد أطلق برنامج تمويل قطاع الأفلام بميزانية تقدر بـ 879 مليون ريال سعودي ضمن جهود الوزارة، وهو أحد أكبر برامج الدعم المباشر المخصصة لصناعة السينما في المملكة. كما تم تأسيس الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وإطلاق مبادرة “فيلم العلا” كأول كيان حكومي يتخصص بدعم الإنتاج السينمائي محلياً وعالمياً، بهدف تحويل محافظة العلا إلى وجهة تصوير عالمية.
كما أولى الأمير بدر اهتماماً خاصاً ببناء الكوادر الوطنية في القطاع الفني والسينمائي، من خلال تدريب أكثر من 1400 شاب وشابة سعودية على مهارات متنوعة تشمل: التمثيل، الكتابة، الإنتاج، الإخراج، الموسيقى، والمؤثرات البصرية.
كشفت صحيفتا نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال أن الأمير بدر لعب دوراً في عملية شراء لوحة الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي الشهيرة “سالفاتور مندي” في 7 ديسمبر 2017، وهي إحدى أغلى اللوحات في التاريخ. وفي اليوم التالي، أعلنت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي أنها استحوذت على اللوحة، وأنها ستُعرض في متحف اللوفر أبوظبي.
يسعى الأمير بدر إلى تعزيز حضور الفن السعودي المعاصر على الساحة الدولية، إذ دعمت وزارة الثقافة مشاركة فنانين سعوديين في عدد من المحافل العالمية، منها:
- بينالي “بينالسور” للفن المعاصر
- الدورة الـ58 لمعرض البندقية للفنون (بينالي البندقية)
- معرض الذكاء الاصطناعي والحوار بين الثقافات في متحف هيرميتاج بروسيا
كما أعلن الأمير بدر عن تأسيس المتحف السعودي للفن المعاصر بالتعاون بين وزارة الثقافة وهيئة تطوير بوابة الدرعية في خطوة لتعزيز البنية التحتية للفنون البصرية. ويهدف المتحف إلى أن يكون مركز للهوية البصرية المعاصرة في المملكة، ومنصة لعرض أبرز أعمال الفنانين السعوديين، وترويجها داخل المملكة وخارجها.
كما أقيم تحت إشراف مباشر من وزير الثقافة بينالي الفنون الإسلامية الأول في صالة الحجاج بمدينة جدة عام 2023، بمشاركة أكثر من 40 فنان عالمي.
ضم الحدث أربعة أجنحة عرض داخلية وجناحين خارجيين، واشتمل على:
- أكثر من 50 عمل فني جديد بتكليف خاص.
- 280 قطعة أثرية.
- وأكثر من 15 قطعة أثرية تعرض للمرة الأولى على الإطلاق.
ويُعد هذا المعرض أحد أبرز الفعاليات التي تربط الإبداع المعاصر بجذور التراث الإسلامي، مقدّماً منصة عالمية للحوار بين الثقافات من خلال الفن.
باختصار، يعد الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود القائد الفعلي لعملية التحول الثقافي التي تشهدها المملكة منذ سنوات وحتى الآن. وبفضل خبراته ودعم رؤية 2030 يُتوقع أن يتطور القطاع الثقافي في السعودية بشكل أكبر خلال السنوات القادمة.
اقرأ أيضاً: الثقافة في السعودية ونمو في الناتج المحلي بحلول 2030

