بعد سنواتٍ من الصراع والتقلبات السياسية، فتحت سوريا اليوم صفحةً جديدةً في تاريخها السياسي، وبعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، برسالة تهنئة إلى الرئيس أحمد الشرع بمناسبة تولّيه منصب رئيس الجمهورية العربية السورية خلال المرحلة الانتقالية، وهذه الخطوة تأتي في سياق التحولات الكبيرة التي تشهدها البلاد بعد إسدال الستار على فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد، وبدء مرحلة جديدة يسعى القائمون عليها إلى إعادة بناء الدولة على أسسٍ مختلفةٍ تماماً عمّا كانت عليه.
وقد جاء هذا التطور بعد إعلان الإدارة السورية الجديدة، رسمياً تعيين أحمد الشرع رئيساً انتقالياً للبلاد، وذلك بعد مرور أكثر من شهرٍ على إنهاء حكم النظام السابق، وبالتوازي مع هذا التعيين، أعلنت القيادة الجديدة اتخاذ سلسلة قرارات حاسمة تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري، بدءاً من حلّ جميع الفصائل المسلحة، إلى تفكيك الجيش والقوات الأمنية التابعة للعهد السابق، وصولاً إلى إلغاء العمل بالدستور القائم، وحلّ مجلس الشعب، وإنهاء دور حزب البعث الذي سيطر على الحياة السياسية في البلاد لعقودٍ طويلة.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» تصريحاتٍ عن العقيد حسن عبد الغني، المتحدث باسم الإدارة العسكرية، والذي أكد أن الرئيس أحمد الشرع سيشرف على المرحلة الانتقالية، وسيكون الممثل الرسمي للبلاد في المحافل الدولية، مع تفويضه بإنشاء مجلس تشريعيٍّ مؤقتٍ يتولى مهامه إلى حين صياغة دستورٍ جديدٍ دائمٍ للبلاد ودخوله حيز التنفيذ.
وفي أعقاب هذا الإعلان، أصدرت إدارة العمليات العسكرية في دمشق، بعد اجتماعٍ واسعٍ ضمّ مختلف الفصائل والقوى السياسية، مجموعة من القرارات الحاسمة التي تهدف إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة ووضع أسسٍ جديدةٍ للحكم، ومن بين هذه القرارات، تمّ إعلان الثامن من ديسمبر يوماً وطنياً احتفالاً بـ «انتصار الثورة»، إلى جانب إلغاء جميع القوانين الاستثنائية التي كان النظام السابق قد فرضها، وحلّ مجلس الشعب الذي كان يمثل إحدى ركائز السلطة خلال العهد الماضي.
اقرأ أيضاً: مساعي سعودية لرفع سريع للعقوبات عن سوريا
كذلك، تضمنت القرارات تفكيك الجيش التابع للنظام السابق، وإعادة بنائه على أسسٍ وطنيةٍ شاملةٍ لا تتبع لأي ولاءاتٍ سياسيةٍ أو حزبية، فضلاً عن حلّ جميع الأجهزة الأمنية القديمة واستبدالها بجهازٍ أمنيٍّ جديدٍ يهدف إلى حماية المواطنين وضمان الاستقرار الداخلي.
كما شمل الإعلان إنهاء وجود حزب البعث العربي الاشتراكي، وحظر إعادة تشكيله تحت أي مسمى آخر، مع تحويل ممتلكاته وأصوله إلى الدولة.
وضمن خطةٍ تهدف إلى تحقيق وحدة البلاد، أعلنت الإدارة العسكرية حلّ كافة الفصائل المسلحة والتشكيلات السياسية والمدنية المنبثقة عن الثورة، ودمجها في مؤسسات الدولة، في خطوةٍ ترمي إلى ضمان انسجامٍ وطنيٍّ يمهّد لمرحلة بناء الدولة الحديثة.
وفي كلمته الأولى بعد تسلمه منصب الرئاسة الانتقالية، كشف أحمد الشرع عن ملامح المرحلة المقبلة، مشدداً على أن الأولوية الآن هي إطلاق حوارٍ وطنيٍّ شاملٍ يجمع مختلف مكونات المجتمع السوري. كما أعلن أنه سيتم خلال الأيام القادمة تشكيل لجنةٍ تحضيريةٍ لمؤتمر الحوار الوطني، إلى جانب لجنةٍ أخرى تختص باختيار مجلس تشريعيٍّ مؤقتٍ، بحيث يكون الإعلان الدستوري الذي سيصدر لاحقاً هو المرجع القانوني لتنظيم المرحلة الانتقالية.
وفيما يتعلق بالملفات الأكثر حساسية، أكد الشرع أن تحقيق السلم الأهلي سيكون في مقدمة الأولويات، متعهداً بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت بحق الشعب السوري عبر آلية عدالةٍ انتقاليةٍ تضمن تحقيق الإنصاف ومنع الإفلات من العقاب، كما شدّد على ضرورة إعادة توحيد الأراضي السورية تحت سلطةٍ وطنيةٍ واحدة، وإنهاء حالة التشظي التي عانت منها البلاد لسنواتٍ طويلة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد أوضح الرئيس الانتقالي أن المرحلة القادمة ستشهد جهوداً مكثفة لإعادة بناء الاقتصاد السوري، وتعزيز فرص العمل، واستعادة الخدمات الأساسية التي دمرتها سنوات الحرب، بهدف توفير بيئةٍ معيشيةٍ أفضل للمواطنين، وإعادة البلاد إلى مسارها الطبيعي كدولةٍ ذات وزنٍ إقليميٍّ ودولي.
اقرأ أيضاً: بن فرحان من دمشق: ملتزمون بدعم سوريا وسيادتها
وفي ختام خطابه، وجّه أحمد الشرع رسالةً مباشرةً إلى الشعب السوري، أكد فيها أن هذه المرحلة الانتقالية لا يمكن أن تنجح دون مشاركةٍ فعالةٍ من جميع السوريين، سواء في الداخل أو في الخارج، معتبراً أن هذه فرصةٌ تاريخيةٌ لإعادة بناء سوريا على أسسٍ من الحرية والعدالة والكرامة، كما دعا اللاجئين والنازحين إلى المساهمة في إعادة إعمار وطنهم، مشدداً على أن ما تحقق حتى الآن لم يكن ليحدث لولا تضحيات الشعب السوري الذي ناضل لسنواتٍ من أجل هذا اليوم.
واختتم الشرع كلمته قائلاً: «نحن أمام تحدٍ كبير، لكننا قادرون على تجاوزه إذا توحدت جهودنا، وإذا عملنا معاً من أجل مستقبل سوريا الحرة، لن يكون هناك إقصاءٌ أو تهميش، ولن تُعاد أخطاء الماضي. هذه سوريا الجديدة، سوريا التي نحلم بها جميعاً».