انطلقت أمس الثلاثاء، أعمال النسخة الثامنة من مبادرة مستقبل الاستثمار الذي يعقد على مدى ثلاثة أيام، من 29 إلى 31 أكتوبر 2024، في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض، تحت شعار ” أفق لا متناهٍ.. الاستثمار اليوم لصياغة الغد”.
ومن المتوقع أن يستقطب أكثر من 5000 ضيف، و500 متحدث حول مجموعة متنوعة من الموضوعات المتعلقة بالعصر الحالي، التي تشمل أكثر من 200 جلسة، تتناول موضوعات الاستقرار الاقتصادي والتنمية العادلة ومكافحة التغير المناخي، إلى جانب الذكاء الاصطناعي والابتكار والصحة والقضايا الجيوسياسية.
وتركز النسخة الثامنة هذا العام على استراتيجيات جديدة لمواجهة ومعالجة التحديات العالمية ودور أفريقيا في الاقتصاد العالمي وتعزيز دور المرأة في المناصب القيادية والهياكل الداخلية والجوانب العملية للاستثمارات.
وكان ريتشارد أتياس الرئيس التنفيذي في مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار، قد صرح أن النسخة الثامنة ستحقق رقماً قياسياً، حيث ستشهد الإعلان عن صفقات دولية بقيمة 28 مليار دولار في قطاعات مختلفة ستشمل قطاعات الأغذية والأمن السيبراني والطاقة المتجددة والترفيه، والرياضة والسياحة وغيرها ليس فقط في السعودية بل في مختلف دول العالم.
وستعزز مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار من خلال مؤتمرها السنوي في نسخته الثامنة المناقشات حول كيف يمكن للاستثمار أن يعمل كمحفز لمستقبل مزدهر ومستدام، وتوسيع آفاق ما يمكن تحقيقه للبشرية.
وفي كلمته الافتتاحية، قال رئيس مجلس إدارة مؤسسة “مبادرة مستقبل الاستثمار”، ياسر الرميان، إن “مبادرة مستقبل الاستثمار أصبحت، منذ انطلاقتها في عام 2017، قوة تحويلية في عالم الاستثمار، إذ ساهمت في تسهيل صفقات تجاوزت قيمتها 125 مليار دولار، وأصبحت قوة للعمل والتقدم”.
وأوضح أن هذه النسخة الثامنة تجمع أكثر من 7000 مشارك و600 متحدث عالمي لتسليط الضوء على أبرز التحديات العالمية والفرص الاستثمارية المتاحة.
وقال “نواجه اليوم تحديات عالمية مترابطة تتطلب حلولاً مبتكرة، حيث يسلط مؤتمر هذا العام الضوء على قضايا ملحة مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، والتفاوت في الرعاية الصحية، وكلها تمتد عبر الحدود. ومع ذلك، فإن هذه التحديات تفتح مسارات للتقدم، وهو ما يعنيه شعار هذا الحدث (أفق لا متناهٍ… الاستثمار اليوم لصياغة الغد)، الذي يجسد رؤية للاستثمار في المستقبل بهدف وطموح”.
وتوقع أن تفوق اقتصادات الأسواق الناشئة على الأسواق المتقدمة في عام 2030، “ما يؤكد الحاجة إلى استثمارات استراتيجية في المجالات التي ستقود الاقتصاد العالمي”.
وشرح الرميان أنه رغم أهمية العوائد المالية، فإن الاستثمارات التي تحقق تأثيراً إيجابياً على المجتمع والبيئة هي الأكثر استدامة، والأسواق الناشئة خير دليل على ذلك، حيث أثبتت الاستثمارات طويلة الأجل قدرتها على تحقيق عوائد مجزية وتحفيز التنمية المستدامة، والعالم لا يزال غنياً بالإمكانات غير المستغلة.
ولفت إلى أن السعودية تتمتع بدور محوري في دفع عجلة الاستثمار الهادف بفضل مواردها الفريدة وموقعها الاستراتيجي، مما يمكنها من دفع الاستثمارات في المجالات الحيوية.
وأفاد بأن قطاع الطاقة يعد من أهم القطاعات التي تستدعي الاستثمار الهادف، ويتطلب الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، واستثمارات طويلة الأجل وتعاوناً وثيقاً بين القطاعين العام والخاص.
وتسعى المملكة إلى تحقيق توازن بين احتياجات الطاقة الحالية وبناء مستقبل مستدام للأجيال المقبلة، وعلى سبيل المثال، استثمرت الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال الطاقة أكثر من 65 مليار دولار في التقنيات منخفضة الكربون منذ عام 2017.
الهيدروجين الأخضر
وضمن فعاليات المؤتمر السنوي، أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن المملكة ربما تكون الدولة الوحيدة التي ستجني مالاً من انتقال الطاقة (التحول نحو الطاقة المتجددة)، وقال: “نحن في المملكة لا نعرف كلمة (مستحيل)”.
وتابع عبد العزيز بن سلمان: “نعمل على تصدير جميع أنواع الطاقة، واستخدام اقتصاد الكربون الدائري، ونقفز إلى التصنيع وتصدير المنتجات المصنعة والهندسية، لأننا نريد تعزيز تنوعنا الاقتصادي، وخلق القيمة، ومرونة سلسلة التوريد، وخلق فرص العمل”.
واستطرد قائلاً: “نحن في الواقع أكبر منتج للهيدروجين… وجاهزون لتصدير الهيدروجين الأخضر والنظيف عالمياً، مع ضمان توفره محلياً”.
وأوضح أن “السعودية حققت في سنوات قليلة نتائج متميزة في مسار تحول الطاقة تضاهي ما حققته دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في 50 سنة”، مضيفاً: “لا توجد دولة في العالم مرت بهذا التحول في فترة وجيزة”.
ولفت إلى “أننا نواصل العمل مع (صندوق الاستثمارات العامة) لإطلاق سوق الكربون بالشكل الأمثل”، كما “نعمل مع (معادن) لتأمين احتياجاتنا من المعادن سواء محلياً أو عالمياً”.
وأشار إلى مبادرة “السعودية الخضراء“، و مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر”، اللتين أطلقتهما السعودية، قائلاً: “لا توجد مبادرة مماثلة في كل دول العالم”.
الفرص الاقتصادية في أفريقيا
قمة “أفريقيا الجديدة”، التي كانت بمثابة مقدمة للقمة، شكّلت منبراً لاستكشاف الفرص الفريدة في مختلف أنحاء القارة الأفريقية التي تُعد مصدراً غنياً لاحتياطيات العالم من المعادن، والغاز، والنفط، والأراضي الصالحة للزراعة، وتحتفظ بنسبة كبيرة من الموارد الطبيعية في العالم، سواء من مصادر الطاقة المتجددة أو غير المتجددة.
ومنحت قمة “أفريقيا الجديدة”، المجال أمام عدد من صناع القرار والوزراء والمسؤولين من جميع أنحاء العالم، لاستكشاف الفرص الاقتصادية الهائلة في القارة السمراء، والدفع بالمستثمرين ورؤوس الأموال إلى بناء تحالفات وشراكات تتجاوز الحدود وتدعم نمو البلدان في أفريقيا.
وأفريقيا هي موطن لجميع المعادن الثمينة تقريباً، وتضم نحو 30% من احتياطيات المعادن في العالم، وتنتج جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر وأنغولا وليبيا أكثر من ثلثي ثروة أفريقيا المعدنية، وذلك بسبب احتياطياتها النفطية الكبيرة، باستثناء جنوب أفريقيا التي لديها وفرة من الذهب والمواد الثمينة الأخرى.
ومع انطلاق قمة “أفريقيا الجديدة”، توقع وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن تبلغ استثمارات القطاع الخاص السعودي في قارة أفريقيا 25 مليار دولار، خلال السنوات العشر المقبلة.
وقال إنه يتم العمل حالياً على تنفيذ ما قيمته 5 مليارات دولار من هذه الاستثمارات، مؤكداً دور أفريقيا الأساسي في مواجهة التحديات العالمية، وأن شراكة المملكة معها تنمو بشكل متسارع.
وفي جلسة حوارية، أوضح وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، أن المملكة ستعمل مع أفريقيا لخلق فرص جيدة مع المستثمرين، مبيناً أن بلاده لديها استثمارات ومساعدات تنموية بالمليارات في القارة الأفريقية، وقد تمت زيادتها إلى 45 مليار دولار تقريباً لتصل إلى غالبية الدول فيها.
ولفت إلى أن ثلث الموارد المعدنية في العالم يوجد في أفريقيا، وغالبية هذه الموارد لم تُستثمر أو تُستخرج بعد، والاقتصاد العالمي يبدأ عهداً تكون فيه المعادن هي الوقود الجديد للمرحلة المقبلة من التطور الاقتصادي، مضيفاً: “إننا بحاجة إلى الجمع بين المساعدات الإنمائية والاستثمارات. نحن لا نريد مساعدة أفريقيا، بل نريد العمل معها لخلق فرص للمستثمرين”.
وتابع وزير الاستثمار: “يمكن لأفريقيا أن تكون سلة الخبز والغذاء لبقية العالم، وكذلك لنا في دول مجلس التعاون الخليجي، بما لدى القارة من إمكانات كبيرة في هذا المجال”.
وتدرك حكومة المملكة أهمية القارة السمراء، حيث عقدت قمة سعودية – أفريقية، في نوفمبر 2023، لتؤسس تعاوناً استراتيجياً بين الجانبين في مختلف المجالات، بما يعزز المصالح المشتركة ويحقق التنمية والاستقرار.
وكانت المملكة خصصت أكثر من مليار دولار للقارة السمراء ضمن “مبادرة خادم الحرمين الشريفين الإنمائية”، فضلاً عن تخطيط “الصندوق السعودي للتنمية” لضخ 5 مليارات دولار لتنفيذ مشروعات تنموية في البلدان الأفريقية على مدى السنوات العشر المقبلة.
في حين ضخت شركة “أكوا باور” أكثر من 7 مليارات دولار لإنشاء محطات طاقة متجددة في عدة دول أفريقية.
وناقش الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، خطط بلاده في مجال الطاقة وعملها على جذب الاستثمارات، وقال إن “السنغال تقوم بجهود كبيرة لفتح قطاعات جديدة وخلق آلية صحيحة لجذب الاستثمارات وإنشاء نظام صحي للاستثمار”.
وأوضح أن السنغال تستثمر لتصبح مركزاً للطاقة، “حيث نهدف إلى خفض تكلفة تشغيل الدولة بنسبة 70%، ونحن نستكشف وسائل أكثر نظافة لاستخدام الطاقة”.
من جهة أخرى، شهدت الجلسات الحوارية نقاشات ثرية أكدت ضرورة الاستقرار السياسي والإصلاحات، بوصفهما أمرين حاسمين لنمو أفريقيا، إلى جانب أهمية اقتناص وسائل أكثر نظافة لاستخدام الطاقة.
بدورها، تطرقت المستشارة الاقتصادية لرئيس مصر الدكتورة هالة السعيد، إلى الإجراءات والقوانين التي يجب تطبيقها في المجالات المختلفة وفي المشروعات التي يجري تمويلها، وأهمية التأكد من وجود قروض مناسبة للمشروعات على سنوات عدة.
التجارة الإلكترونية
وفي تصريحات صحافية بالتزامن مع مشاركة “أمازون” في المؤتمر السنوي لـ “مبادرة مستقبل الاستثمار 2024″، كشف نائب رئيس الشركة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، رونالدو مشحور، أن هذه المنطقة تشهد تطورات مهمة فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية، مؤكداً أن السعودية والإمارات هما أسرع الأسواق نمواً، إذ تضاعف العدد للمتسوقين عبر الإنترنت في هاتين الدولتين خلال العامين الماضيين.
وقال مشحور، إن التجارة الإلكترونية في المنطقة تشهد نمواً لافتاً، متوقعاً أن تصل قيمة القطاع إلى 260 مليار دولار بحلول 2029، مدعومة بالنمو المتزايد للتحول الرقمي، وفق “موردر إنتيليجينسي”.
وشرح أن فئة الشباب تحت سن الأربعين تمثل نحو 70% من مجموع السكان بالمنطقة، ما يعزز ارتفاع معدلات استخدام التقنيات الرقمية. كما يعد انتشار الهواتف الذكية من بين أعلى المعدلات في العالم، فيما يبلغ معدل انتشار الإنترنت فيها 99%.
وأكد مشحور أن التكنولوجيا المالية تحدث نقلة نوعية وتحولاً ملحوظاً في التجارة الرقمية، من خلال توفير حلول دفع مرنة وسهلة الاستخدام لضمان راحة العميل، وأن الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدعم النمو الرقمي من خلال استثمارات كبيرة في هذا المجال.
وتطرق أيضاً إلى مبادرات مثل “رؤية 2030” في السعودية، والتي تسهم في تسريع تبني التكنولوجيا الذكية، وكذلك تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى 35% بحلول نهاية العقد.
وأفصح مشحور كذلك عن تعاون مع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة السعودية (منشآت) لتمكين 40 ألف شركة صغيرة ومتوسطة بحلول عام 2025، مبيناً أنه خلال العام الماضي تم افتتاح “أكاديمية أمازون” في المملكة التي تتماشى مع برنامج تنمية القدرات البشرية لـ رؤية 2030.
وأضاف أن التجارة الإلكترونية تمثل وسيلة فعالة للشركات الصغيرة والمتوسطة لتوسيع نطاق أعمالها وتحقيق النمو، وأن السعودية تلعب دوراً رئيسياً في بناء منظومة شاملة للشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكشف أن نحو 43% من إجمالي التمويل الذي حصلت عليه الشركات الناشئة في المنطقة مصدره السعودية، ما يعكس الفرص الواعدة المتاحة للشركات الناشئة ورواد الأعمال في مجال التكنولوجيا.
ووفقاً لمشحور، تستثمر المملكة بشكل مستمر في تطوير البنية التحتية الرقمية وتبني تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، الأمر الذي يسهم في تحسين تجربة العملاء، وتعزيز سلاسل التوريد، وتطوير البنية التحتية اللوجستية، وأن الحكومة أعلنت هذا العام عن خطط لإنشاء صندوق استثماري بقيمة 40 مليار دولار لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي.
وشد مشحور على أن تطور التشريعات والتنظيمات في التجارة الإلكترونية يعتبر من العوامل المهمة التي تسهم في تعزيز مكانة المملكة، لافتاً إلى أن الحكومة السعودية أدركت مبكراً الحاجة إلى وضع إطار قانوني متين يدعم النمو السريع في هذا القطاع.
في السياق، أكد وزير التعاون التنموي والتجارة الخارجية السويدي، بنيامين دوسة، أن “مبادرة مستقبل الاستثمار” التي تعقد حالياً في الرياض تمثّل فرصة مثالية لتعزيز التجارب وإحداث تحول في حركة التعاون والتجارة، بالإضافة إلى تعزيز التنمية.
كما شدد على ضرورة خلق حالة من التكامل الاقتصادي مع الدول الأفريقية، والاستفادة من مواردها الطبيعية لتعزيز التعاون والتنمية المستدامة ومكافحة الفقر المدقع.
وشدد دوسة، على أهمية تعظيم التجارة والاستثمار الخاص والقروض وتعبئة الموارد المحلية للدول، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأكد أنه لا يمكن انتشال أي بلد من الفقر بالاعتماد فقط على المساعدة الإنمائية، مشيراً إلى أن التجارة الدولية الحرة والمستدامة القائمة على القواعد والمعايير العالمية المقبولة هي السبيل الوحيد للمضي قدماً.
اقرأ أيضاً: إطلاق مركز بروبتك السعودية وسط ارتفاع أسعار العقارات في المملكة