في مشهد عالمي يهيمن عليه تقلّب الأسواق وتقاطع المصالح الاقتصادية، يواصل تحالف «أوبك بلس» عزفه المتقن على أوتار سوق النفط، متخذاً قرارات لا تُقرأ فقط في سياق السياسة الطاقية، بل تُفهم أيضاً كلغة دبلوماسية تُعيد رسم توازن القوى في صناعة تعد شريان الاقتصاد العالمي.
في هذا السياق، يبدو التحالف كأنه «مايسترو» يقود أوركسترا معقدة، حيث يُضبط الإيقاع بين الإنتاج والطلب، وتُعاد صياغة الموازين بما يخدم مصالح أعضائه ويُبقي الأسواق تحت السيطرة.
مؤخراً، أعلن تحالف «أوبك بلس» عن تمديد تخفيضات إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، ليستمر هذا الإجراء حتى نهاية عام 2026 بدلاً من الموعد السابق الذي كان محدداً لنهاية العام المقبل، وبالإضافة إلى ذلك، قررت ثماني دول أعضاء في التحالف، تشارك في تخفيضات طوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً، تمديد خطتها لتقليص هذه التخفيضات لمدة ثلاثة أشهر إضافية، حتى نهاية مارس (آذار) 2025 بدلاً من بداية العام نفسه، كما شكرَ «أوبك بلس» المملكة العربية السعودية على «التزامها الراسخ باستقرار سوق النفط العالمية».
وأوضحت أمانة «أوبك» أن هذا القرار يهدف إلى دعم استقرار سوق النفط العالمية، مع التأكيد على إمكانية تعديل التخفيضات أو إيقافها مؤقتاً بناءً على تطورات السوق، وفي هذا السياق، عُقد اجتماعين افتراضيين: الأول هو الاجتماع الوزاري الثامن والثلاثين للدول الأعضاء في «أوبك» والدول المشاركة من خارجها، حيث أعربت الدول المشاركة في إعلان التعاون عن شكرها للمملكة العربية السعودية على قيادتها الاستثنائية ودورها المحوري في استقرار سوق النفط، وتحت رئاسة وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، تمكنت الدول المشاركة من مواجهة التحديات برؤية استراتيجية وتعزيز التوافق والتوازن في السوق.
أما الاجتماع الثاني، الذي جرى على هامش الاجتماع الوزاري، فقد ضم الدول الثماني الأعضاء في «أوبك بلس» التي سبق أن أعلنت عن تعديلات طوعية إضافية في أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023، وهي: السعودية، روسيا، العراق، الإمارات، الكويت، كازاخستان، الجزائر، وسلطنة عمان.
وتضمنت نتائج هذين الاجتماعين تمديد تخفيضات إنتاج النفط من قِبل التحالف بكامله بمقدار مليوني برميل يومياً حتى نهاية 2026، كما قررت الدول الثماني تمديد خطة التعديلات الطوعية الإضافية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً، المُعلن عنها في نوفمبر 2023، حتى نهاية مارس 2025 بدلاً من مطلع العام المقبل، مع إعادة كميات هذه التخفيضات تدريجياً على أساس شهري حتى نهاية سبتمبر (أيلول) 2026، وذلك لدعم استقرار السوق على مدى 18 شهراً بدلاً من 12 شهراً سابقاً.
بالإضافة إلى ذلك، مددت الدول الثماني الخفض الطوعي البالغ 1.65 مليون برميل يومياً، الذي جرى الإعلان عنه في أبريل 2023، حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2026، وجرى الاتفاق على تمديد فترة التقييم حتى بداية نوفمبر 2026، للاستناد إلى هذا التقييم في تحديد مستويات الإنتاج لعام 2027.
ومنحت الإمارات العربية المتحدة إذناً بزيادة إنتاجها بمقدار 300 ألف برميل يومياً ابتداءً من أبريل وحتى نهاية سبتمبر 2026، بدلاً من الخطة السابقة التي كانت تبدأ في يناير/كانون الثاني 2025.
اقرأ أيضاً: ثلاث دول ملتزمة بالتخفيضات و«أوبك بلس» أوائل ديسمبر
وحُدّد موعد الاجتماع الوزاري التاسع والثلاثين للدول الأعضاء في «أوبك» وخارجها في 28 مايو/أيار 2025، كما تقرر عقد الاجتماع الـ 189 العادي لمؤتمر «أوبك» في 10 ديسمبر/كانون الأول 2024 عبر تقنية الفيديو، برئاسة وزير النفط في الغابون ورئيس المؤتمر لعام 2024، مارسيل أبيكي، ويُعقد هذا المؤتمر مرتين سنوياً لمراجعة شؤون المنظمة ومناقشة القضايا الداخلية الرئيسية.
وبعد هذه القرارات، شهدت أسعار النفط ارتفاعاً طفيفاً، حيث ارتفع خام برنت بمقدار 40 سنتاً أو ما يعادل 0.55% ليصل إلى 72.71 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بمقدار 40 سنتاً أو ما يعادل 0.58% ليصل إلى 68.94 دولار للبرميل.
يأتي هذا التحرك لتعزيز الجهود الاحترازية التي يبذلها تحالف «أوبك بلس» لدعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، وفي تعليقاتهم على القرارات، أشار نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى أن «أوبك بلس» تؤكد على الامتثال العالي لحصص الإنتاج، موضحاً أن تمديد زيادة الإنتاج مرتبط بعوامل موسمية، وتوقع ارتفاع الطلب على النفط بمقدار مليون برميل يومياً في العام المقبل.
اقرأ أيضاً: ما حقيقة تهديدات السعودية لـ «أوبك+» وقصة الـ 50 دولار؟
من جهته، اعتبر وزير النفط الكويتي طارق الرومي أن تمديد الخفض الطوعي حتى نهاية مارس 2025 خطوة إيجابية تعكس التزام المنتجين بمسؤوليتهم تجاه استقرار الأسواق، وأكد وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب أن قرار تمديد التخفيضات الطوعية يهدف إلى استقرار سوق النفط العالمية خلال الأشهر المقبلة، مشيراً إلى أن الطلب العالمي لا يزال ضعيفاً نسبياً وأن الإمدادات والمخزونات كافية.
كما أعلن وزير النفط الأذربيجاني بارفيز شاهبازوف أن دول «أوبك بلس» اتفقت على إنتاج يومي يبلغ 39.7 مليون برميل حتى نهاية عام 2026، موضحاً أن حصة بلاده ستبقى دون تغيير خلال هذه الفترة، وشدد على أهمية القرارات المتخذة في ضمان استقرار سوق النفط العالمية ودعم التنمية المستدامة في قطاع النفط.