في عالم يشهد تحولات متسارعة على الصعد السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، برزت قمة كوالالمبور الثلاثية التي جمعت بين دول مجلس التعاون الخليجي، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان ASEAN)، وجمهورية الصين الشعبية، كمحطة مفصلية تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الإقليمي والدولي. القمة، التي انعقدت في العاصمة الماليزية في مايو 2025، مثّلت أول اجتماع من نوعه بين هذه الأطراف مجتمعة، وأرسلت إشارات واضحة إلى نية الدول المعنية رسم ملامح شراكة استراتيجية طويلة الأمد قائمة على التكامل والتنمية المستدامة.. فماذا جرى في قمة الخليج و«آسيان» والصين؟
ترأس وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، وفد بلاده إلى القمة الثلاثية، نيابةً عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وفي كلمته، أكد الوزير على أهمية تعميق الشراكة مع رابطة آسيان، موضحاً أن انضمام الصين إلى هذا المسار يضفي بعداً إضافياً على التعاون الإقليمي، ويوفّر فرصة لبناء تكامل اقتصادي طويل الأمد.
وأوضح الأمير فيصل أن المملكة، ضمن رؤية 2030، ملتزمة بتوفير بيئة استثمارية جاذبة، وتحفيز التجارة، وتسهيل التبادل التجاري بين دول الخليج وآسيان والصين. كما شدد على أهمية التحول نحو الطاقة النظيفة، وتفعيل مبادرات الحزام والطريق لتعزيز الترابط الإقليمي، إلى جانب دعم الاقتصاد الرقمي وتمكين الشركات الناشئة.
الخليج و«آسيان» والصين: استحضار قمة الرياض
وأشار وزير الخارجية إلى أن هذه القمة تأتي امتداداً لقمة الرياض التي عُقدت في أكتوبر 2023 بين دول مجلس التعاون وآسيان، والتي أرست دعائم شراكة طموحة عززت الروابط الاقتصادية والتجارية، وفتحت آفاقاً جديدة في مجالات الأمن والطاقة والتعليم والابتكار. واعتبر أن ما تحقق خلال العامين الماضيين من نمو في التبادل التجاري بنسبة 21% ليصل إلى 123 مليار دولار، يعكس الإمكانات الحقيقية لهذه الشراكة الثلاثية.
اقرأ أيضاً: قمة الرياض تضع خطاً أحمر وتنادي: «اعزلوا إسرائيل»!
الكويت: نحو تكامل ثلاثي شامل
من جهته، اعتبر ولي العهد الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح أن القمة الثلاثية لا تُعد مجرد حدث دبلوماسي، بل تمثل تحولاً نوعياً في مفهوم التعاون المتعدد الأطراف. ودعا إلى تحقيق تكامل تجاري واستثماري بين الأطراف الثلاثة، وتعزيز أمن الطاقة والغذاء، وتوسيع مجالات التعاون في التكنولوجيا والتعليم والثقافة.
كما جدّد تأكيد مجلس التعاون الخليجي على مواقفه الثابتة تجاه القضايا الدولية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، داعياً إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، ومعبّراً في الوقت ذاته عن دعم دول المجلس لكل ما من شأنه أن يضمن وحدة واستقرار سوريا.
من جانبه، اعتبر أمين عام مجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، أن القمة تعكس واقعاً جديداً تؤكده الأرقام. فعدد سكان الدول المشاركة يفوق 2.14 مليار نسمة، أي ما يقارب 27% من سكان العالم. أما الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول فيتجاوز 24 تريليون دولار، وهو ما يعادل أكثر من 22% من الناتج العالمي.
وأشار البديوي إلى أن حجم التبادل التجاري بين مجلس التعاون وكل من الصين وآسيان بلغ 347 مليار دولار في 2023، داعياً إلى مضاعفة الجهود لتعزيز التكامل الاقتصادي، خاصة في ظل الإطار الاستراتيجي المشترك 2024–2028، الذي يغطي مجالات متعددة مثل التكنولوجيا والطاقة والسياسة والأمن الغذائي.
الصين: نواة لتعاون متعدد الأبعاد
بدوره، أكد رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، أن الصين ملتزمة بتعزيز التعاون الثلاثي بشكل يخدم المصالح المشتركة، مشيراً إلى أن الانضمام لهذه القمة يعكس رغبة بكين في بناء شراكات قائمة على التعاون لا على المنافسة. واعتبر أن مشاريع الحزام والطريق تتيح للدول المعنية فرصاً فريدة لتطوير البنى التحتية وتعزيز الترابط الإقليمي.
وشدد على أن التنمية الاقتصادية والسلام في المنطقة يتطلبان تعاوناً فعالاً يربط بين القدرات المتاحة لكل طرف، ويُسرّع من وتيرة التقدم في ملفات الطاقة، الاقتصاد الرقمي، والأمن السيبراني.
ومن جهنه، عبّر رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، عن تفاؤله بالقمة الثلاثية، ورأى أنها تُشكّل بداية فصل جديد من التعاون بين شعوب آسيا والخليج. وأشار إلى أن السوق المشتركة التي تضم الصين، مجلس التعاون، وآسيان، قادرة على تحفيز نمو اقتصادي هائل، بفضل تضافر مواردها وإمكاناتها البشرية والمالية.
وأكد على أهمية التعاون في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والتعليم، لخلق بيئة اقتصادية مرنة قادرة على التصدي للتحديات المتسارعة، خصوصاً في مجالات التغير المناخي وأمن الغذاء والطاقة.
قضايا سياسية على طاولة القمة
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن القمة لم تقتصر على الملفات الاقتصادية، بل تناولت أيضاً قضايا سياسية دولية ملحّة. فقد أكد المشاركون على ضرورة إنهاء النزاع في أوكرانيا عبر الوسائل السلمية، كما طالبوا بتحقيق تسوية عادلة وشاملة للصراع في فلسطين. وعبّروا عن قلقهم من التهديدات الأمنية المتصاعدة في البحر الأحمر وخليج عدن، مطالبين بموقف دولي موحّد لحماية الممرات البحرية وضمان حرية الملاحة وفق القانون الدولي.
