ما بين ضفاف البحر الأحمر والصحراء التي تزخر بالشمس، تمتد خطوط الأمل التي ترسم ملامح شراكة جديدة بين مصر والسعودية، وليس الأمر مجرد كابلات تربط بين دولتين، بل شريان حيوي يحمل في طياته وعوداً بالكهرباء المستدامة والتعاون الإقليمي الذي يتجاوز حدود الطاقة.
إذ تسعى مصر لإطلاق مشروع «الربط الكهربائي» مع السعودية بحلول صيف العام المقبل، بهدف تحقيق «استقرار واستدامة الكهرباء في البلاد»، إلى جانب «الاستفادة من الخبرات السعودية في مجالات تخزين الطاقة وتطوير أنظمة الشبكات الذكية».
ويؤكد الخبراء أن هذا المشروع سيُسهم في «تعزيز مرونة توزيع الكهرباء خلال أوقات الذروة في كلا البلدين»، كما يُعد خطوة مهمة في «ربط الشبكات الكهربائية للدول العربية في أفريقيا وآسيا».
وناقش وزير الكهرباء المصري محمود عصمت مع نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، خلال لقائهما في الرياض، آخر تطورات المشروع، وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية أن الربط الكهربائي بين البلدين يهدف إلى «الاستفادة من اختلاف فترات الذروة وتوزيع الأحمال، مما يسهم في إدارة الفائض الكهربائي وتحقيق استقرار أكبر للشبكتين».
ووقعت اتفاقية تعاون بين مصر والسعودية في عام 2012 لإنشاء المشروع بتكلفة بلغت 1.8 مليار دولار أميركي، وأعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في أكتوبر الماضي، أن المشروع يهدف إلى إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين.
اقرأ أيضاً: السعودية تسعى لتعزيز التعاون مع مصر في الصناعة والتعدين
وأشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نوفمبر، إلى أن المشروع يمثل «نموذجاً للتعاون الإقليمي في مجال الطاقة»، وفقاً لبيان صادر عن الرئاسة المصرية، وفي تصريح حديث، أكد وزير الكهرباء المصري أن «الأعمال التنفيذية للمشروع تسير وفق الجدول الزمني المخطط له، بهدف تشغيله ضمن الشبكة الموحدة مع بداية الصيف المقبل»، منوهاً إلى وجود فريق عمل متخصص يعمل على تذليل العقبات وتسريع الإنجاز، كما أوضح أن نجاح المشروع سيمهد الطريق لمشروعات إضافية، خاصة في مجال الطاقة النظيفة.
وأعلن رئيس الوزراء المصري أن خط الربط الكهربائي سيبدأ العمل في أيار/مايو أو حزيران/يونيو المقبلين، مشيراً إلى أهميته كأحد أبرز إنجازات قطاع الطاقة في البلاد، وأشار وزير الكهرباء المصري إلى «الاستفادة من الخبرات السعودية في مشاريع تخزين الكهرباء باستخدام البطاريات المستقلة»، التي ساعدت في تعزيز استقرار الشبكة ومرونتها داخل المملكة، كما أكد أهمية «نظام العدادات الذكية» والتحول الرقمي الذي يدعم شبكة كهرباء متطورة قادرة على استيعاب الطاقة المتجددة.
وتفقد الوزير عصمت بعض مشاريع بطاريات التخزين المستقلة في السعودية، للاطلاع على دورها في استقرار الشبكة الكهربائية، ويرى خبراء أن المشروع يُسهم في تحقيق «استدامة خدمة الكهرباء» عبر تبادل الطاقة بين البلدين خلال أوقات الذروة، وأوضح حافظ سلماوي، رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء السابق، أن المشروع يفتح فرصاً للاستثمار في الطاقة المتجددة، وخاصة في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مصر.
كما يُتيح بدائل للحكومة المصرية خلال أوقات عجز الإنتاج، مثل الاستفادة من الكهرباء السعودية بدلاً من استيراد الوقود، وفي ديسمبر، وقع وزراء الكهرباء العرب اتفاقيتين لإقامة «سوق عربية مشتركة للكهرباء»، مما يعزز التكامل الكهربائي بين الدول العربية، وفقاً لوزارة الكهرباء المصرية.
وأكد خبير الطاقة المصري علي عبد النبي أهمية مشاريع تخزين الكهرباء في مصر لدعم التوسع في الطاقة المتجددة، نظراً لتقطع إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مشدداً على ضرورة هذه الخطوة لضمان استدامة الإمدادات الكهربائية.
وتراهن مصر بشكل كبير على مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، معتبرةً إياه خطوة جوهرية نحو تحقيق «السوق العربية الموحدة للكهرباء»، والتي تُعدّ بمثابة الأساس الأول لتوسيع التعاون الكهربائي على مستوى العالم العربي، تحت إشراف جامعة الدول العربية.
اقرأ أيضاً: السعودية ومصر تعززان علاقتهما الثنائية بمواجهة التحديات
وكان قد عقد في القاهرة الاجتماع الخامس عشر للمجلس الوزاري العربي للكهرباء، بمشاركة ممثلين عن 22 دولة عربية، وأعلنت وزارة الكهرباء المصرية أن الحدث سيتضمن توقيع اتفاقيتين تهدفان إلى تعزيز التعاون العربي في مجال الكهرباء، مما يجعل المشروع من أبرز المبادرات التكاملية على الصعيد العربي.
وحينها، أكد خبراء أن المشروع سيُسهم في تحقيق أمن الطاقة للدول العربية، وخفض تكاليف إنتاج الكهرباء، إضافة إلى تعزيز القدرة التنافسية في تقديم الخدمات الكهربائية، الأمر الذي يدعم رفع كفاءة الإنتاج بشكل عام.
وفي هذا السياق، وقّعت 16 دولة عربية في عام 2016 مذكرة تفاهم لتأسيس سوق عربية موحدة للكهرباء، برعاية جامعة الدول العربية، ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في نيسان/أبريل 2017، بدعم فني ومالي من البنك الدولي، ضمن خطة زمنية تستهدف اكتمال المشروع بحلول عام 2038.