في زمنٍ باتت فيه الحروب تُدار على الهواء مباشرة، ويتحوّل فيها الدبلوماسيون إلى رسل توصد أمامهم بوابات الاحتلال، تأتي حادثة منع الوفد الوزاري العربي من دخول الضفة الغربية كأحد المشاهد التي تعكس التحديات الكبيرة الماثلة أمام عمليات السلام والتفاوض السياسي في المنطقة. فقد قوبلت خطوة الوفد العربي، الذي كان يعتزم لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، برفض «إسرائيلي» مباشر وصريح، حمل في طيّاته رسالة تتجاوز حدود الإجراءات البروتوكولية إلى عمق المعادلة السياسية المتفجرة في فلسطين.
الاحتلال يرفع الفيتو بوجه الاجتماع في الضفة الغربية
في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظرائه الأردني والمصري والبحريني، والأمين العام لجامعة الدول العربية، في العاصمة الأردنية عمّان، أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن استيائه الشديد من قرار «إسرائيل» منع زيارة اللجنة الوزارية العربية إلى الضفة الغربية، واعتبر أن هذا الرفض «تعبير صارخ عن رفضها لمسار السلام، وإصرار على استخدام العنف». وأضاف أن مثل هذا السلوك يكشف عن رفض واضح لأي حلول سياسية جادة، في وقتٍ تعاني فيه المنطقة من تداعيات حرب مدمّرة في قطاع غزة.
الحرب على غزة ومشهدية العنف المستمرة
وجاء منع الوفد من الهبوط في رام الله كخطوة «إسرائيلية» متعمّدة لتعطيل التحركات السياسية العربية، حيث أعلنت تل أبيب أنها لن تتعاون مع الزيارة التي تهدف ـ حسب بيان الوفد ـ إلى دعم إقامة الدولة الفلسطينية. وهذا الرفض ترافق مع تصعيد «إسرائيلي» غير مسبوق في الضفة الغربية، وهو ما رآه الأمير فيصل دليلاً على نوايا مبيّتة لضرب أي احتمال لقيام الدولة الفلسطينية وتقويض دور السلطة الفلسطينية.
في سياق متصل، شدّد الوزير السعودي على أن الحرب الدائرة في قطاع غزة أظهرت بوضوح أن «الحلول العسكرية ليست طريقاً إلى الأمن»، بل إنها تسهم في تغذية العنف وزعزعة الاستقرار. وأضاف أن استمرار الحرب من دون أفق سياسي يعكس عجزاً دولياً وغياب الإرادة الحقيقية لإنهاء المعاناة الإنسانية.
اقرأ أيضاً: غزة على طاولة الحوار مجدداً: اللجنة الخماسية تلتقي مبعوث ترامب
جهود دبلوماسية في وجه الرياح المعاكسة
ورغم التصعيد «الإسرائيلي»، أكد الأمير فيصل أن اللجنة المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية الاستثنائية، ستواصل تحرّكاتها الدبلوماسية لدفع المجتمع الدولي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وأعلن أن مؤتمراً سيُعقد في نيويورك يوم 18 يونيو، برعاية فرنسية – سعودية، للضغط باتجاه تسريع وقف الحرب وجمع الدعم الدولي لصالح الحل السياسي.
وشدّد وزير الخارجية السعودي في المؤتمر الصحافي على أن من يؤمن بمبدأ «حل الدولتين» يجب أن يُترجم هذا الموقف باعتراف رسمي وواضح بدولة فلسطين. واعتبر أن الاعتراف الدولي هو الخطوة الأولى لكسر الجمود، ومقدمة لأي عملية تفاوضية جادة.
لقاء في القصر الملكي الأردني
وفي تطوّر متصل، استقبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الوفد الوزاري العربي في عمّان، وأكد أهمية تكثيف الجهود العربية لوقف العدوان على غزة وضمان إيصال المساعدات الإنسانية. كما حذّر الملك من التصعيد الخطير الذي يهدد حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وبحسب بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني، شدّد الملك عبد الله على ضرورة حشد الدعم الدولي لتمكين الفلسطينيين من نيل حقوقهم المشروعة، والعمل على إطلاق مسار سياسي يفضي إلى حل الدولتين، وفق مرجعيات الشرعية الدولية وحدود الرابع من حزيران عام 1967.
واعتبرت مصادر سياسية أردنية أن الموقف السعودي منح زخماً جديداً لتحرّكات اللجنة الوزارية العربية، خاصة أن الرياض تمكنت في الأشهر الأخيرة من إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية، بما في ذلك الملفين السوري واللبناني، وهو ما أعاد توجيه البوصلة نحو دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
مخططات تل أبيب ورفض المسارات السياسية
وترى تلك المصادر أن «إسرائيل» تسعى من خلال خطواتها الأخيرة إلى إفشال أي محاولة لصياغة خارطة طريق نحو مفاوضات جدية، لا سيما في ظل ما يُعرف بملفات الوضع النهائي (القدس، الحدود، اللاجئين، الأمن)، وهي ملفات تعتبرها الحكومة «الإسرائيلية» اليمينية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو خطوطاً حمراء غير قابلة للنقاش.
من جهته، أشار وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، مؤكداً أن منع دخول المساعدات يُعدّ خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، وانتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية. وأشار إلى أن «سياسة التجويع» باتت أداة ممنهجة لفرض الأمر الواقع.
أما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فرأى أن قرار منع الوفد العربي من دخول الضفة يقدم دليلاً إضافياً على ما وصفه بـ«غطرسة إسرائيل وتطرف حكومتها»، معتبراً أن هذه الخطوة تعكس تحدياً صارخاً للقانون الدولي ومبادئ احترام السيادة والجهود الدبلوماسية.
فرصة حاسمة لإحياء حل الدولتين
وفي ظل التصعيد المستمر في غزة والضفة الغربية، يبرز مؤتمر نيويورك الدولي، المقرر عقده بين 17 و20 حزيران/يونيو 2025، كمحطة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية. إذ يأتي هذا المؤتمر بمبادرة مشتركة بين المملكة العربية السعودية وفرنسا، ويهدف إلى إعادة الزخم للمسار السياسي المتعثر، من خلال حشد الدعم الدولي للاعتراف بدولة فلسطين وتعزيز حل الدولتين.
وكان قد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الاعتراف بدولة فلسطينية يمثل «واجباً أخلاقياً وضرورة سياسية»، مشيراً إلى أن المؤتمر يسعى لتوفير ضمانات أمنية لـ «إسرائيل»، بما يضمن «حقها في العيش بسلام داخل حدود آمنة»، في إطار حل شامل لا يُقصي طرفًا لصالح آخر على حدّ تعبيره.
ومن جانبه، كان قد شدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على أن المؤتمر يهدف إلى «دفع أكبر قدر ممكن من الدول للاعتراف بدولة فلسطين وتجييش الرأي العام الدولي والسياسة الدولية لإيجاد مسار سريع لوقف الحرب في غزة». فيما وصف رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيلمون يانغ، المؤتمر بأنه «فرصة حاسمة يجب اغتنامها لرسم مسار لا رجعة فيه نحو تطبيق حل الدولتين»، مؤكداً على ضرورة نجاحه.
ورغم التحديات السياسية والقانونية، بما في ذلك الفيتو الأمريكي المحتمل والرفض «الإسرائيلي»، فإن مؤتمر نيويورك يمثل فرصة دبلوماسية مهمة لإعادة وضع القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الدولي. ونجاح المؤتمر في بلورة خريطة طريق واضحة، مدعومة بإجماع دولي، قد يشكل نقطة تحول فعلية نحو إنهاء الصراع. أما إذا اقتصر على بيانات دعم وشعارات عامة، فسيكون مجرد محطة رمزية أخرى في مسار طويل من المحاولات غير المكتملة.
وتبقى آمال الفلسطينيين ومعهم عموم دعاة السلام في المنطقة، معلقة على نتائج هذا المؤتمر الذي قد يكون بمثابة بداية جديدة نحو تحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، وعلى التحالف الدولي لحل الدولتين الذي كانت قد أطلقته المملكة العربية السعودية قبل حوالي عام لإرساء حل للقضية الفلسطينية على أساس جوهر «مبادرة السلام العربية» التي أطلقت في قمة بيروت لعام 2003، والذي ضم في خطواته الأولى أكثر من 140 دولة حول العالم.