تحت سماء تعج بالمتغيرات، وفي زمن تتسارع فيه التحالفات والتحديات، تظهر العلاقات السعودية الأمريكية كصفحة مضيئة في كتاب الدبلوماسية الدولية، إنها علاقات لا تعرف الركود، وتتجاوز في عمقها حدود المصالح التقليدية لتلامس آفاقاً جديدة من التعاون الاستراتيجي الجديد.
آخر ما حرّر في هذا السياق، هو كلام سفير الولايات المتحدة لدى المملكة مايكل راتني، الذي يحمل في جعبته رسائل عديدة من واشنطن؛ رسائل تسعى لفتح أبواب جديدة من التعاون، تمتد من أروقة السياسة والدفاع إلى فضاءات التكنولوجيا والابتكار.
في تصريحاته الأخيرة، أكد “راتني” أن العلاقات السعودية الأمريكية تسير نحو مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، وأشار إلى أن هذه العلاقات لم تعد تقتصر فقط على المجالات التقليدية مثل النفط والطاقة، بل توسعت لتشمل مجالات جديدة كالتكنولوجيا، الفضاء، والاقتصاد الرقمي.
وقال السفير الأمريكي إن المملكة، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تشهد تحولاً كبيراً في جميع جوانب الحياة، وإن الولايات المتحدة تسعى لدعم هذه التحولات بما يخدم مصالح البلدين.
وفي إطار حديثه عن التعاون الأمني بين البلدين، أشار “راتني” إلى أن السعودية والولايات المتحدة تعملان على تعزيز شراكتهما الدفاعية في مواجهة التهديدات الإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بالـ “الأنشطة الإيرانية” في المنطقة حسب وصفه.
وأضاف أن البلدين يعملان على إبرام اتفاق دفاعي شامل يضمن استقرار المنطقة ويعزز من القدرات الدفاعية السعودية، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية تستعد لرفع الحظر عن مبيعات الأسلحة الهجومية للمملكة، ما يعكس تحسن العلاقات بين البلدين بعد فترة من التوترات.
اقرأ أيضاً: تحالف دولي للاستثمار في الهيدروجين السعودي الأخضر
من جهة أخرى، تطرق “راتني” إلى موضوع تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، مشيراً إلى أن المملكة تضع قضية إقامة دولة فلسطينية كشرط أساسي لأي اتفاق تطبيع.
وأوضح أن الولايات المتحدة تدعم هذا الموقف، وتسعى للضغط على إسرائيل للقبول بمسار يؤدي إلى حل الدولتين، مضيفاً أن الصراع الجاري بين إسرائيل وحماس في غزة قد أثر سلباً على مسار المفاوضات، إلا أن الجهود الدبلوماسية مستمرة للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف حسب تعبيره.
اقرأ أيضاً: فيصل بن فرحان يبحث مع بلينكن جهود وقف إطلاق النار في غزة
اقتصادياً، تشهد العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً في مجالات غير تقليدية، حيث تعمل الشركات الأمريكية على تعزيز حضورها في السوق السعودي من خلال الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، والابتكار، والتعليم.
وفي هذا السياق، بيّن السفير “راتني” أن السعودية تسعى لتصبح مركزاً عالمياً للتكنولوجيا والابتكار، وأن الشركات الأمريكية ترى في هذا الطموح فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
اقرأ أيضاً: استثمارات سعودية أمريكية جديدة بمليارات الدولارات
يشار إلى أنه في 19 أيار/مايو 2024، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة بمستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان.
خلال هذا اللقاء، كُشف عن صيغة شبه نهائية لمشروعات الاتفاقيات الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وجرى الحديث عن تجاوز 90% من عقبات الصفقة الأمنية الكبرى بين واشنطن والرياض.
وعند سؤال “راتني” عن التوقيت المحتمل لإبرام الاتفاق النهائي بين الجانبين، أجاب: «أتمنى لو كان بإمكاني تحديد إطار زمني لذلك. بالنسبة لنا، وللسعودية، نتمنى أن نتمكن من إتمام هذا الأمر غداً. ولكن المنطقة معقدة، وهناك العديد من التعقيدات المرتبطة بالاتفاقية نفسها. لذا سنواصل العمل على ذلك بأقصى جهدنا».
وفي حديثه عن مستقبل العلاقات السعودية الأميركية، قدم مايكل راتني نظرة متفائلة، مشيراً إلى أن العلاقة بين البلدين في وضع جيد حالياً، ومن المتوقع أن تزداد تحسناً في المستقبل.
وأوضح أن هناك سببان رئيسيان لهذا التفاؤل الذي يبديه: الأول هو قوة العلاقات الرسمية بين حكومتي البلدين، حيث شهد خلال فترة تواجده في المملكة تعزيزاً لهذه الروابط، مع زيارات متزايدة من أعضاء الكونغرس والإدارة الأميركية، ما يعزز الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية.
أما السبب الثاني الذي أشار إليه، فهو الفرص المتزايدة أمام المواطنين الأميركيين العاديين للتعرف على السعودية وزيارتها، خصوصاً أن المملكة تعمل على تطوير قطاع السياحة، ما يتيح للأميركيين فرصة زيارة البلاد واستكشافها.
إلى هنا، ينتهي مقالنا هذا، ويبقى السؤال مفتوحاً حول اللحظة التي سيتم فيها التوقيع النهائي لهذه الاتفاقيات الاستراتيجية التي يجري الحديث عنها منذ شهور عدّة، والتي كما يبدو سيكون لها وزنها وتأثيرها الكبير في المنطقة.