في أجواء دبلوماسية تعكس دفء العلاقات بين الدولتين، وصلت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى المملكة العربية السعودية مساء السبت، في زيارة تحمل في طياتها رسائل متعددة وتعهدات بتعزيز التعاون بين البلدين.
الزيارة، التي تستمر حتى يوم غد الاثنين، تمثل خطوة لافتة نحو تحقيق المزيد من التقارب الاقتصادي والسياسي بين الرياض وروما، وسط تطورات عالمية متسارعة تتطلب تحالفات أعمق وشراكات أقوى.
استُقبلت ميلوني بحفاوة في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، حيث كان في استقبالها الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة، إلى جانب الأمير فيصل بن سطام السفير السعودي لدى إيطاليا، والدكتور ماجد القصبي وزير التجارة، والعديد من الشخصيات البارزة من الجانبين، وهذا الاستقبال الرسمي يعكس أهمية الزيارة التي تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً على مختلف الأصعدة.
وفي إطار برنامج زيارتها، يُنتظر أن تلتقي ميلوني بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في محافظة العلا التاريخية، حيث ستركز المحادثات على ملفات إقليمية ودولية حيوية، ومن بين القضايا التي سيتم التطرق إليها الوضع في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى النزاعات المستمرة في اليمن وفلسطين، والتطورات في البحر الأحمر، وملفات أخرى تتعلق بإيران وأوكرانيا.
كما يُتوقع أن يتمخض اللقاء عن توقيع اتفاقيات تعاون تشمل الدفاع، والنقل المستدام، والطاقة، والرياضة، بالإضافة إلى حماية التراث الثقافي والأثري.
اقرأ أيضاً: فنون الطهي السعودية في إيطاليا وافتتاح مقهى إرث
من بين أبرز المحطات في جدول الزيارة، انعقاد طاولة مستديرة في العلا تجمع بين ممثلي كبريات الشركات والمؤسسات في البلدين، وهي فرصة لاستكشاف المزيد من إمكانات التعاون والاستثمار، ومن المتوقع أن تُثمر هذه الاجتماعات عن توقيع المزيد من الاتفاقيات التي ستعزز العلاقة بين الرياض وروما، وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مشاريع ضخمة ضمن رؤية السعودية 2030.
اللافت في هذه الزيارة أنها تأتي في سياق تاريخي غني يربط بين البلدين، حيث كانت إيطاليا من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع المملكة في عام 1932، ومنذ ذلك الحين، تطورت هذه العلاقات بشكل كبير عبر الزيارات المتبادلة والاتفاقيات التي تُعزز التعاون بينهما في مختلف المجالات، وفي عام 1933، وقعت الدولتان أول اتفاقية رسمية للتعاون، لتُرسي بذلك أسساً متينة للعلاقات الثنائية.
وفي سياق متصل، وافق مجلس الوزراء السعودي في مارس 2024 على مشروع مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس شراكة استراتيجي بين الحكومتين، وهو ما يعكس حرص الطرفين على تطوير شراكتهما لتشمل مجالات أوسع وأكثر تنوعاً، كما أُعلن عن نية تعزيز التعاون في مجالي الرياضة والتنمية من خلال مذكرتَي تفاهم جديدتين.
الجانب الاقتصادي يشكل محوراً أساسياً في زيارة ميلوني، حيث أعرب اتحاد الأعمال الإيطالي الذي يضم آلاف الشركات عن استعداده لتوسيع استثماراته في السعودية، وجاء هذا الإعلان خلال ملتقى الأعمال السعودي الإيطالي الذي انعقد بمقر اتحاد الغرف السعودية، حيث شارك ممثلو أكثر من 140 شركة إلى جانب شخصيات حكومية من البلدين. هذا الملتقى شهد مناقشات مثمرة حول فرص الاستثمار ضمن قطاعات رئيسية مثل البنية التحتية، والخدمات اللوجيستية، والتقنيات الرقمية، والبناء والتشييد.
اقرأ أيضاً: أول مقاتلة جوية بصناعة سعودية تنضم إلى اليابان وإيطاليا وبريطانيا
محافظ إقليم لومبارديا الإيطالي، أتيليو فونتانا، أكد خلال الملتقى أهمية دور الإقليم في دعم الاقتصاد الإيطالي، مشيراً إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للإقليم يتجاوز 444 مليار دولار، مما يجعله شريكاً أساسياً للاستثمار الدولي، وأعرب فونتانا عن رغبة بلاده في مشاركة خبراتها مع المملكة في مختلف القطاعات، مع توفير محفزات إضافية للمستثمرين السعوديين.
من جانبه، أشار المهندس كامل المنجد، رئيس مجلس الأعمال السعودي الإيطالي، إلى أن حجم التجارة الثنائية بين البلدين وصل إلى 38 مليار ريال سعودي، مؤكداً أن هناك إمكانات كبيرة لتعزيز هذه العلاقات، كما لفت إلى أهمية دور الخبرات الإيطالية في دعم المشاريع السعودية العملاقة، مشدداً على أن التعاون بين البلدين يُمكن أن يفتح آفاقاً جديدة للتنمية المستدامة.
في ختام زيارتها إلى السعودية، تتوجه رئيسة الوزراء الإيطالية إلى البحرين، في أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء إيطالي إلى المنامة، ومن المتوقع أن تبحث مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة قضايا التعاون الثنائي، وخصوصاً في مجالات الدفاع ومكافحة الهجرة غير النظامية، مما يبرز الأهمية المتزايدة لدور إيطاليا في تعزيز التعاون مع دول الخليج العربي.
وبهذه الزيارة، تؤكد إيطاليا والمملكة العربية السعودية رغبتهما المشتركة في تعزيز العلاقات الثنائية بما يتماشى مع متطلبات المرحلة، واضعين رؤية مشتركة لتعاون استراتيجي طويل الأمد يُعزز مكانة البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية.