فنانة تشكيلية سعودية، عبرت مبكراً من دروب بلدتها (القطيف) إلى آفاق الفن والتعبير عبر بوابة الصمود والإصرار، لم تستسلم يوماً لدعاة الانغلاق والتضييق، منحتها مهرجانات الجنادرية والفن الإسلامي الأولى، متنفساً رحباً لإثبات جدارتها في امتلاك ريشة مبدعة وألوان منشدة.
تحتل معارضها المحلية والدولية مكانة بارزة في سجل فنون التعبير عن المرأة السعودية وعالمها الزاخر بالإنجاز والقدرة والعطاء، وتنشغل مساحاتها اللونية المعاصرة، بالتوثيق لانعكاسات البيئة النسائية في المملكة بكل ما تحمله من تراثيات خالدة وتجارب عتيقة وفضاءات رائدة ومستحدثة.
وهي في كل أعمالها ولوحاتها، مهمومة بإثبات جدارة السعوديات بمواكبة الحضارات الإنسانية واحتوائها، دون التخلي عن هويتهن الوطنية المتأصلة، وثقافتهن المحلية المتنوعة.. إنها الفنانة فاطمة النمر التي خصت(أرابيسك لندن) بهذا الحوار.
حاورها: محسن حسن
- بداية إلى أي حد أثرت حالة الانفتاح السعودي الجديدة في تطوير مهارات الفنون التشكيلية لدى فنانات المملكة وأنت واحدة منهن؟
ما حدث كان تغييراً كبيراً في النظرة لنا كسعوديين، ولما يمكننا تقديمه للعالم من فنون، حيث تحول الإبداع السعودي من خلال الفن، ليكون حجر الزاوية في عمليات التحديث والتطوير التي تبنتها رؤية المملكة 2030، ولم يعد الفن كأداة للتطوير مجرد كماليات، وإنما أصبح من قبيل الحاجات الضرورية المرحب بها من قبل كافة أفراد المجتمع، وخاصة على مستوى القيادات العليا، وهو ما حظي معه الفنانون السعوديون بفرص فنية واعدة وبمشاركات ومعارض غير مسبوقة مع فنانين عالميين في أهم المحافل الدولية، وبآليات مدعومة بميزانيات مالية كبيرة، وتحت رعاية هيئة الفنون البصرية ووزارة الثقافة وهيئة الأزياء، وبالتالي تطورت مهاراتنا وأدواتنا الفنية، بفعل كل هذا الدعم المادي والمعنوي.
- معرضك الأحدث في دبي وثق حضور المؤثرات السعوديات في مجتمع الجزيرة .. ما الرسائل الأهم التي تحرصين على إيصالها لجمهورك ومتابعيك من وراء الريشة والألوان؟
هذا المعرض كان معنياً بإظهار فضل صاحبات الفضل من رائدات البذل والعطاء والإنجاز من نساء الجزيرة العربية، ومن خلاله تظهر رسائلي الفنية الخاصة لجمهوري، وهي رسائل في أغلبها إنسانية تراثية قصصية، تنزع إلى استكشاف ماورائيات الذوات والأشخاص والحكايا، ولا أستطيع القول بأنني أكون خارج الإطار التعبيري والفني لتلك الرسائل، بل أجزم أنني أكون جزءاً لا يتجزأ مما تعانقه ريشتي وألواني، فمن خلالهما أعبر عن رؤيتي ومفهومي ونظرتي الفنية لما ومن حولي، ولكن يبقى أبطال لوحاتي بارزين مستأنسين بالحضور.
- الأم والفن كان لهما الدور الأكبر في إثبات ذاتك وجدارتك الإنسانية والفنية .. هل هذا صحيح؟ وماذا يحتاج بنات جيلك لإثبات جدارتهن؟
نعم، أمي وعائلتي كانا هما الحافز والسند الذي وفر لي الدعم الكامل خلال مشواري الفني، ودوما أقول إن أي فنان أو فنانة، بحاجة ماسة إلى مثل هذا الحافز، وإلى غيره من محفزات العطاء والإنجاز الفني، وبالنسبة لي كانت أمي هي ملهمتي الأولى في عالم الفن والإبداع، وحتى الآن، هي مصدر التقييم الأول لجميع أعمالي، وفيما يخص بنات جيلي، أقول إن العائلة تمتلك الدور الأكبر في تحفيز الفنان وإخراج طاقاته الكامنة، وهي التي تنطلق من خلالها الإبداعات وتتجدد.
- ما الذي أضافته لك مشاركاتك الفنية خارج المملكة؟
لا شك أن تلك المشاركات كان لها فعل السحر في تسريع وتيرة النضج الفني من خلال ما أتاحته من احتكاك حقيقي بتجارب فنية مختلفة ومتنوعة تغطي ثقافات وحضارات وبيئات فنية مختلفة، ورغم أنها لم تضف لي فنياً بشكل مباشر، إلا أنها حفزتني على البحث في الفنون وتقنياتها وأدواتها، و في الحقيقة لا نزال نحتاج إلى التوسع في هذه المشاركات مستقبلاً لأنها تضاعف من رصيدنا المعرفي حول فنون عالمنا، كما أنها تنقل ثقافتنا وتاريخنا وتراثنا إلى هذا العالم.
- أنت توقفت عن مباشرة فنون الرسم والتشكيل مدة أربع سنوات بسبب التضييق المجتمعي.. كيف كانت ملامح هذه الفترة؟
بالطبع كانت من أصعب الفترات لأنني حرمت خلالها بسبب التضييق من ممارسة أنشطتي الفنية، ولأن الفنان مثله مثل أي إنسان يمكن أن يضعف، فقد توقفت واضطررت إلى السفر خارجاً لدراسة الفنون، ولكن بفضل نتيجة التفاعل الإنساني والفني بيني وبين البيئة الحاضنة في الغربة، بدأت تجربة فنية جديدة انطلقت خلالها إبداعاتي بشكل مختلف ومتطور بل ومتنوع أيضاً من حيث الأدوات والخامات.
- الآن كيف تجدين المجتمع النسائي في المملكة في ظل الحقوق المتتابعة التي تحصل عليها المرأة السعودية؟ وما أهم لوحاتك التي جسدت من خلالها هذه المتغيرات؟
المجتمع النسائي أصبح مدعوماً بقوة في المملكة العربية السعودية على أيدي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأيضاً داخل جميع مؤسسات الدولة، فقد باتت المرأة السعودية مساوية للرجل في التقدير والمكانة وفي شغل المناصب العليا، ومن الجميل حقاً أن نساء المملكة رائدات دائماً في التمسك بهويتنا الوطنية وبتراثنا وتاريخنا، كما أنهن يقدمن مثالاً راسخاً على الثبات على العادات والتقاليد الأصيلة لبلادهن، مقابل التراجع الكبير الذي تشهده مجتمعات عدة على مستوى زعزعة القيم والمباديء والأخلاق، وفي لوحاتي دائماً ما أحاول توثيق الشخصيات النسائية الرائدة أخلاقياً، لتقديمها كقدوات محتفى بها أمام هذا العالم المتلون، ولنؤكد للجميع أن قيمنا ومبادءنا تعززنا دائماً كنساء.
- منذ أول معرضك الفنية في الأردن 2009 وحتى معرضك الأخير .. ما الذي تطور فنياً في عالم فاطمة النمر؟
ما أراه هو نضوج فني على مستوى الفكر والتجارب والحكايا التي تؤرخ، ولم أعد أنظر إلى فني و لوحاتي باعتبارات جمالية فقط، وإنما باعتبارات ثقافية وتاريخية، وأيضاً وفق اعتبارات نوعية تستحضر عطاءات النساء السعوديات والعربيات وتجلياتهم الخاصة المحتضنة لإرثنا وهويتنا، فأنا بالنهاية لا أجسد فاطمة، وإنما أجسد كل نساء الوطن، وفي كل الأحوال عندما تنضج تجاربي أجد نفسي في حاجة ماسة إلى تجديدها وإحيائها وإلباسها ثوباً جديداً.
- بالنظر إلى تأثرك الفني بالمجتمع السعودي.. ما الأماكن الأكثر تأثيراً في حياتك؟ وبم تنصحين زوار المملكة وعاشقي السفر؟
المملكة غنية بتضاريسها وثقافاتها، فمن الأماكن ما ينطق بإرث ثقافي عتيق وعاطر، ومنها ما ينطق بإطلالات الملابس والأزياء، ومنها ما ينطق بطيبة البشر وحسن العشرة، فأهل الشرقية مثلاُ تجد فيهم حب الناس وحب البحر، وأيضاً تجد روح الطبيعة والجمال وكرم الضيافة وثراء الأطعمة وتنوعها، وفي الوسطى وأهل نجد الفخامة والحداثة والجمال.. كل منطقة في المملكة لها جمالها الخاص ولذتها، وأنصح راغبي السفر إلى السعودية بتخصيص ما لا يقل عن ثلاثة أشهر حتى يتمكنوا من استكشاف أهم معالمها، إنهم سيحتاجون إلى وقت كاف وليس بالقصيرة، لينعموا بأنماط الجمال والاستمتاع الأكثر ثراءً وحيوية.
- في الختام، ما الهدف الأكبر الذي لم يتحقق بعد في مشوارك الفني والإبداعي؟
كفنانة لا زلت أحلم بالكثير، والفنان الذي لا يحلم هو في عداد الموتى، ولكن ما أريد تحقيقه بشكل أساسي مستقبلاً، هو أن أتمكن من إنشاء متحف فني يضم تاريخ وقصص جميع النساء السعوديات والعربيات ممن تركن بصمة إنسانية إيجابية في حياتنا، بحيث يتم تأريخ قصصهن وحياتهن وتجاربهن من خلال لوحاتي ورسوماتي الفنية.