في لحظة سحرية لم يسبق لها الحدوث، تغلغلت الثلوج في الجوف في المملكة العربية السعودية، مزينةً الأراضي الصحراوية بغطاء أبيض ناصع. كان ذلك حدثاً استثنائياً أثار دهشة السكان، الذين استيقظوا في شمال مدينة سكاكا ومحافظة دومة الجندل ليجدوا مشهداً شتوياً خلاباً لم يعتادوا عليه، فقد تحولت أراضيهم إلى لوحة فنية من النقاء والجمال، كما لو كانت حكاية خرافية ترويها الطبيعة.
تلا تساقط الثلوج في الجوف غير العادي، سلسلة من الظواهر الجوية المدهشة، حيث هطلت أمطار غزيرة غمرت الوديان وأعادت الحياة إلى أراضٍ كانت جافة، تشكلت شلالات متدفقة، تراقصت المياه في مشهد رائع، ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، فقد انهمرت حبات البرد لتضيف لمسة من السحر إلى الأجواء.
وعلى منصة X، تفاعل الجميع مع هذا الحدث الفريد، بحيث وصف بعض المستخدمين ما حدث بأنه «ظاهرة مذهلة»، وعبّر آخرون عن إعجابهم بالصور الخلابة للمناظر الطبيعية بكلمة واحدة: «رائعة».
راقب خبراء الأرصاد الجوية عن كثب هذا النمط الجوي النادر، وارتأوا أن نظام الضغط المنخفض فوق بحر العرب دفع الهواء الرطب نحو المناطق الجافة في السعودية، هذا التغير الجوي، الذي شمل عُمان والإمارات، أحدث تحولات جذرية في مناخ الجوف، ما أسفر عن عاصفة ثلجية غير متوقعة غطت الصحراء بوشاح أبيض.
وفي ظل هذه الظروف، أصدرت السلطات تحذيرات عديدة، إذ من المتوقع أن تستمر الأمطار الغزيرة والبرد والرياح الشديدة، التي تؤدي إلى انخفاض مستوى الرؤية وتأثيرات على حركة السفر، ودعت السلطات السكان للبقاء في حالة تأهب واتباع الاحتياطات اللازمة مع استمرار موجة البرد والعواصف.
اقرأ أيضاً: ممشى الضباب تجربة ساحرة بين الجبال والسحاب
كما أصدر الدفاع المدني تحذيراً عبر الرسائل النصية القصيرة، مشيراً إلى هطول أمطار غزيرة واحتمالات حدوث فيضانات في عدة مناطق من المملكة، ووجهت قوات الدفاع المدني المواطنين بضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وتجنب المناطق التي قد تتعرض للفيضانات، والالتزام بإرشادات السلامة التي تم نشرها عبر القنوات الإعلامية المختلفة.
عموماً، يتبين أن تساقط الثلوج في الجوف مرتبط بشروط المناخ التي تسود شبه الجزيرة العربية، بين الحين والآخر، يتسلل الهواء البارد من الشمال إلى المنطقة، لكنه غالباً ما يأتي دون الرطوبة الكافية اللازمة لتكوين الثلوج.
وعلى الرغم من انخفاض درجات الحرارة في المنطقة إلى مستويات غير مألوفة نسبياً، إلا أن بعض المناطق في المملكة، مثل تبوك والمناطق الجبلية في عسير، تشهد عادةً انخفاضاً ملحوظاً في درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، ما يؤدي إلى تساقط الثلوج على القمم العالية.
اقرأ أيضاً: مدينة الثلج: تزلج.. ألعاب.. مغامرات.. كل هذا في الرياض!
تتساقط الثلوج في عدة محافظات ومناطق في السعودية، منها مركزا بللحمر وبللسمر ومدينة أبها في منطقة عسير، ومحافظة طريف في الحدود الشمالية، وأجزاء من مدينة الباحة، وجبال الظهر وعلقان وجبل اللوز في منطقة تبوك، ومحافظة القريات في منطقة الجوف، إضافة إلى حرة الرأس الأبيض في المدينة المنورة، ومدينة عرعر في منطقة حزم الجلاميد، ومدينة حائل.
يعد جبل اللوز في منطقة تبوك من أبرز الجبال التي تتزين بالثلوج كل شتاء، حيث يبلغ ارتفاعه 2,549 متراً، وهو أعلى قمة في تبوك، سُمّي جبل اللوز نسبةً إلى كثافة شجيرات اللوز التي تنمو فيه، وهو وجهة سياحية مميزة بفضل هضابه الجرانيتية ورسوماً صخرية تعود إلى عشرة آلاف عام.
أما مدينة حائل، فهي أيضاً من المدن التي تشهد تساقط الثلوج على جبالها وسهولها خلال فصل الشتاء، تقع المدينة على ارتفاع حوالي 915 متراً، وتضم جبلي أجا وسلمى الشهيرين، وتعد حائل وجهة سياحية مفضلة، خصوصاً في أيام الشتاء، حيث يتوافد الزوار للاستمتاع بجمال المناظر الطبيعية.
يسهم تساقط الثلوج في تحفيز السكان المحليين والزوار على الانغماس في مجموعة متنوعة من الأنشطة والفعاليات، من التخييم، المعروف محلياً بـ«الكشتة»، إلى المشي لمسافات طويلة، وتجربة تسلق الجبال، كما يزداد الإقبال على تزلج المنحدرات الثلجية، وقيادة سيارات الدفع الرباعي في المناطق الوعرة، إضافة إلى ركوب الجمال بين الثلوج.
وهكذا، ومع تساقط الثلوج في الجوف لأول مرة، والذي أسر قلوب السعوديين والعالم بأسره، تتجلى قدرة الطبيعة على إحداث التحولات الدرامية، فالصحراء، التي كانت قاحلة، تتحول فجأة إلى أرض بيضاء ساحرة، وسيبقى هذا المشهد خالداً في الذاكرة، فهو دليل على أن حتى أكثر المناطق جفافاً يمكن أن تفاجئنا بجمالها في أوقات غير متوقعة.
اقرأ أيضاً: فوهة الوعبة تتألق بين أفضل المعالم الجيولوجية العالمية