فريد، سيران، ماهر، وجانفيزا، أسماء تتردد في الأذهان، تتسلل إلى الذاكرة دون استئذان، حتى لو لم تكن شغوفاً بالمسلسلات أو الدراما التركية، فإن هذه الأسماء تهيمن على مواقع التواصل الاجتماعي، وتغمر قصصها تفاصيل حياة السعوديين، صغاراً وكبار، فالأبطال يعيشون معهم، وكأنهم جزء من حياتهم اليومية، فما الذي يجري هنا؟ هل هو هروب من الواقع، أم بحث عن الرومانسية والترفيه؟ أم أنه غزو ثقافي غير معلن يتسلل إلى عقولهم؟
قبل حوالي عشرين عاماً، مرت وكأنها لحظات، بدأت الدراما التركية تقتحم البيوت العربية عموماً، وبالطبع السعودية، من خلال دبلجتها الجذابة باللهجة السورية الشامية التي يعشقها السعوديون، في ذلك الوقت، اعتقد الجميع أن الدراما التركية ليست سوى موضة عابرة ستزول، مثلما حدث مع المسلسلات المكسيكية، لكن اليوم، وبعد سنوات من عرضها، أثبتت أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الشعب السعودي، وجزءاً محورياً من البرمجة التلفزيونية التي لا يمكن لأية محطة الاستغناء عنها.
لكن هل توقف الأمر عند هذا الحد؟ بالطبع لا، فمع تقدم التكنولوجيا، بات بإمكان المشاهدين الوصول إلى حلقات هذه المسلسلات بكبسة زر، ولم يعودوا ينتظرون مواعيد عرضها على التلفاز، بل إن كثر بدأوا يفضلون مشاهدتها باللغة التركية مع الترجمة بدلاً من الدبلجة، ما دفع شركات الإنتاج العربية إلى التفكير خارج الصندوق وابتكار مسلسلات مستوحاة من الدراما التركية في كل شيء، من مواقع التصوير حتى خواتم الممثلات!
اقرأ أيضاً: دور الرواية في المجتمع السعودي
ولكن موضوعنا هنا ليس دراسة المسلسلات والدراما التركية، بل التأثير العميق الذي قد لا يُلاحظ مباشرة على السعوديين، فهذه المسلسلات هي من أبرز الظواهر الثقافية التي أثرت بشكل كبير في المجتمع السعودي، حيث حققت بفضل قصصها الجذابة وإنتاجها المتميز شعبية واسعة بين الفئات العمرية كلها.
وعلى الرغم من التصور السائد بأنها تركز فقط على الحب والخيانة، استطاعت الدراما التركية تقديم مجموعة متنوعة من الأعمال العاطفية والاجتماعية والبوليسية، متجاوزة السرد الممل، وقد نجح الأتراك في تقديم دراما تاريخية سلسة، ما ساهم في تعلق المشاهد السعودي بها، حيث تعكس قيمه وتقاليده، وتعزز التواصل الثقافي بين الشعوب.
ومع ذلك، يثير عرض هذه المسلسلات نقاشات حول تأثيرها على القيم الاجتماعية والأخلاقية، يرى البعض أنها قد تروج لنماذج سلوكية جديدة أو تغير المفاهيم التقليدية، بينما يعتبر آخرون أنها تعكس واقع الحياة المعاصرة.
ومنذ دخول الدراما التركية إلى حياة السعوديين، انقسمت الآراء حول تأثيرها، حيث أصبحت موضوعات للنقاش في استطلاعات الرأي التي شارك فيها الكثيرون، يرى العديد أن الفراغ العاطفي في البيوت هو السبب وراء الانتشار الكبير والمبالغ فيه لهذه المسلسلات المدبلجة، فهي تقدم صورة مثالية للحب الخيالي، ما يجعل المراهقين والزوجات والأزواج يتعلقون بمشاعر وهمية تؤثر على علاقاتهم بشكل غير واعٍ، وقد تؤدي ببساطة إلى الانفصال العاطفي وحتى الطلاق.
تؤثر هذه المسلسلات أيضاً على الأفكار اللاواعية، خاصة لدى جيل الشباب، حيث يعتبرها البعض جزءاً من الغزو الفكري الذي يهدد العقول، بما في ذلك الأطفال، كما أن التأثير الواضح لهذه المسلسلات يتجلى في إثارة الغرائز، خاصة في زمن تتزايد فيه معدلات العنوسة والطلاق، ما يهدد استقرار المجتمع.
اقرأ أيضاً: تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع السعودي
عموماً، تسلل الثقافة التركية إلى السعودية أصبح ظاهرة مستمرة، ومقاومتها باتت مهمة صعبة، رغم منع عرض الدراما التركية على العديد من القنوات السعودية، بما في ذلك قناة MBC لمدة أربع سنوات لأسباب قد تكون سياسية أكثر من كونها فكرية، بدأ السعوديون حينها تحميل هذه المسلسلات من الإنترنت بقوة، ومنذ عامين، عادت الدراما التركية لتغزو شاشة MBC السعودية مجدداً، محققة نسب مشاهدات عالية.
وأثرت هذه المسلسلات في ذلك الوقت وحتى الآن كثيراً على سلوك السعوديين، حيث دفعهم الفضول لزيارة المطاعم والمقاهي التي تظهر في الأعمال الدرامية الشهيرة، كما أصبح السياح السعوديون يتوجهون إلى الأسواق لشراء الملابس التركية والشموع العطرية والسجاد، في تجربة تفاعلية مع الثقافة التركية.
وعلى الرغم من التحذيرات التي نشرتها الصفحات الرئيسية في السعودية آنذاك، واصل السعوديون السفر إلى تركيا دون قلق، مبررين ذلك بعدم وجود حظر رسمي على السياحة.
وفيما يتعلق بالناحية الدينية، يرى الكثير من السعوديين أن المسلسلات التركية تسير نحو إفساد المجتمع، وتقوده إلى طرق تتعارض مع قيمه الدينية والاجتماعية، فالمجتمع السعودي متدين ومحافظ، وعلى الرغم من وجود بعض المظاهر الإسلامية في هذه المسلسلات، إلا أن الطابع الغالب هو الغربي، ما يخلق تناقضاً في عقول المشاهدين، وهذا قد يقود البعض، خاصةً من ليس لديهم وعي كافٍ، إلى تصور أن بعض التصرفات التي يرونها مقبولة.
فيوجد في الدراما التركية أمور لا تتناسب مع الثقافة العربية الإسلامية، مثل التعزيز غير المباشر للملابس الفاضحة، وشرب الخمور، وعرض مشاهد القبلات والعلاقات، كما تشجع بعض هذه الأعمال النساء على التمرد على أزواجهن، ما يهدم العلاقات الزوجية العامرة.
وفي هذا السياق، شهدت السعودية حالات طلاق كثيرة خاصة في بدايات عرض الدراما التركية، حيث أثرت هذه المسلسلات على النساء السعوديات، تركت امرأة عملها لمتابعة مسلسل، ورسمت أخرى شخصية “مهند” كفارس لأحلامها، ما جعلها تتحدث بشكل جارح عن رجولة زوجها، فطلقها! وحالات عديدة أخرى كان للمسلسلات دورها في هدم بيوت كانت عامرة.
ورغم كل هذه التأثيرات السلبية، لا تزال السعودية واحدة من أكبر الدول التي تطالب باستيراد المسلسلات التركية الجديدة، وفق آخر الإحصائيات.
بعيداً عن السلبيات فلكل موضوع حدين اثنين سالب وموجب، دفعت المسلسلات التركية المترجمة عدد كبير من المشاهدين السعوديين إلى تعلم اللغة التركية وإتقانها والعمل بها أيضاً، هذا فتح آفاقاً جديدة للعمل لدى الشباب السعودي.
كما أن المسلسلات إن أردنا اخذها بالطريقة الايجابية فهي تحفز الإبداع لدى الشباب ربما لكتابة مسلسل جديد من فكرة معينة في المسلسل، كذلك الأمر تساعد المسلسلات على التقارب الثقافي بين البلدين وتعزيز التعرف على الثقافة والحضارة التركية التي تزخر بتاريخ مهم.
اقرأ أيضاً: جراحات تجميل الرجال تضرب في السعودية!
وأثرت المسلسلات التركية على الموضة في السعودية أيضاً، إذ تتميز الشخصيات في المسلسلات التركية بأناقتها واهتمامها بالتفاصيل، ما جعل الكثير من السعوديات يتبنين أنماطاً مشابهة، سواء بالملابس أو أساليب المكياج والعناية بالبشرة.
لم تقتصر التأثيرات على النساء فحسب، بل امتدت أيضاً إلى الموضة الرجالية، فالشخصيات الذكورية في المسلسلات التركية تظهر غالباً بإطلالات عصرية تتضمن البدل الأنيقة، القمصان ذات الألوان الجذابة، والأحذية المتنوعة، ما ألهم بعض الرجال السعوديين لتجديد خزانة ملابسهم.
ورغم التأثيرات الإيجابية، تثير بعض أنماط الموضة المستوحاة من المسلسلات التركية جدلاً، حيث يتساءل البعض عن مدى توافقها مع القيم والتقاليد الثقافية في السعودية.
ختاماً، تأثيرات الدراما التركية ليست حكراً على المجتمع السعودي بكل تأكيد، بل لها تأثير كبير وواضح على المجتمعات العربية عموماً، وقد تجد أشخاصاً يحاولون تطبيق كل ما يشاهدونه على حياتهم الواقعية! وحتى بعض البلدان الأجنبية التي تنتشر فيها المسلسلات التركية بكثرة مثل إسبانيا على سبيل المثال يتأثر المجتمع فيها سواء سلباً أم إيجاباًن وأيضاً، تتأثر مجتمعات عديدة بالمسلسلات الهندية والكورية، وكل هذا يعود إلى أسباب معينة، فبشكل عام بعيداً عن الترفيه، ينجذب كل شخص إلى أمر ينقصه ضمن هذه المسلسلات، وكلما كان باحثاً عن الشيء تعلق به وأثر عليه بشكل أكبر.
اقرأ أيضاً: السعودية تدعو المجتمع الدولي للتصدي لتهديدات الجفاف