تمتد جسور التعاون بين المملكة العربية السعودية وتركيا نحو آفاق جديدة، تُجسد رؤية المستقبل المشترك، فلم تعد العلاقات بين البلدين تقف عند حدود الماضي المشرق، بل أصبحت تتسارع نحو شراكات استراتيجية تعكس طموحات الحاضر وابتكارات الغد.
إذ شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وتركيا مؤخراً خطوات ملحوظة نحو توطيد التعاون العسكري والدفاعي، وعقدت اللجنة العسكرية المشتركة بين البلدين اجتماعها السادس في العاصمة التركية أنقرة، برئاسة الفريق الأول الركن فياض الرويلي، رئيس هيئة الأركان العامة السعودية، ونظيره التركي الفريق الأول متين غوراك.
وتناول الاجتماع مناقشة الفرص الواعدة لتطوير الشراكة في المجال الدفاعي والعسكري، بالإضافة إلى بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما التقى الفريق الرويلي وزير الدفاع التركي ياشار غولر، في لقاء ركز على سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الدفاعية المختلفة.
وكان قد أكد السفير التركي لدى السعودية، الدكتور أمر الله إيشلر، أن العلاقات بين البلدين تتجه نحو تعزيز الشراكة في العديد من المجالات، بما في ذلك الطاقة، والصناعات العسكرية، والبنية التحتية، والزراعة، والسياحة، والتكنولوجيا، وأشار إلى انعقاد اجتماع المجلس التنسيقي بين البلدين في السعودية قبل نهاية العام الجاري، مما يمثل دفعة إضافية لتعميق التعاون.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز ملامح التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا؟
وشهد حجم التبادل التجاري بين السعودية وتركيا نمواً لافتاً، حيث بلغ 6.8 مليار دولار في عام 2023، مع توقعات بأن يصل إلى 10 مليارات دولار على المدى القريب، وأوضح إيشلر أن حجم الاستثمارات السعودية المباشرة في تركيا بلغ ملياري دولار منذ عام 2002، بينما وصل حجم الاستثمارات التركية في المملكة إلى 84 مليون دولار.
وأعرب السفير التركي عن تطلع بلاده إلى تعزيز التعاون في مجالات التقنية والابتكار، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030، مشيراً إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، والأنظمة الذاتية، وتكنولوجيات الفضاء تمثل فرصاً مشتركة لتطوير الصناعات الدفاعية.
في سياق التعاون الدفاعي، أبرمت السعودية اتفاقيات استراتيجية مع شركات تركية رائدة. من أبرز هذه الاتفاقيات ما تم توقيعه مع شركة “بايكار”، لتطوير وتصنيع أنظمة الطائرات بدون طيار داخل المملكة، مما يعكس التزام البلدين بتعزيز القدرات الذاتية ونقل التكنولوجيا.
كما جرى توقيع اتفاقيات مع شركة «أسيلسان» التركية المتخصصة في الإلكترونيات الدفاعية، بهدف نقل وتوطين تقنيات متقدمة للمملكة، وأكد المهندس وليد أبو خالد، الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات العسكرية السعودية (SAMI)، أن هذه الخطوات تهدف إلى تحقيق نسبة توطين تصل إلى 50% من الإنفاق الدفاعي، بما يدعم رؤية السعودية الطموحة.
وعززت الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين من عمق العلاقات الثنائية، حيث زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تركيا في عام 2022، في حين قام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بزيارة المملكة في نوفمبر 2023، برفقة كبار المسؤولين وأكثر من 200 رجل أعمال.
اقرأ أيضاً: تراجع السياحة العربية في تركيا: الأسباب والنتائج
وتخللت هذه الزيارات توقيع العديد من الاتفاقيات في قطاعات متنوعة، منها الاستثمار، والطاقة، والإعلام، مما يعكس الإرادة السياسية لتطوير العلاقات، وأكد إيشلر أن بروتوكول تعديل محضر إنشاء المجلس التنسيقي المشترك سيسهم في تعزيز التعاون الثنائي والإقليمي، مع التركيز على تحقيق أهداف استراتيجية مشتركة.
وتسعى السعودية وتركيا إلى ترسيخ فلسفة الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية، من خلال تعزيز الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، ويأتي ذلك في إطار رؤية شاملة تهدف إلى توثيق العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، بالإضافة إلى استثمار الفرص المتاحة في الأسواق المشتركة.
فيما يعكس التعاون المتنامي بين الرياض وأنقرة رغبة البلدين في بناء شراكة استراتيجية متينة تستند إلى تاريخ طويل من العلاقات المشتركة، مع التركيز على تطوير مجالات جديدة ومبتكرة لتحقيق الازدهار المشترك.