وسط دخان الحرائق وصراخ المرضى، وفي قلب مدينة يرزح سكانها تحت الحصار والقصف، امتدت أيادي الاحتلال الإسرائيلي لتطال ما تبقى من إنسانية في غزة، أي المستشفيات، وهناك، حيث يُفترض أن يكون الألم مقدمةً للشفاء، تحوّلت الأسِرّة الطبية إلى مشاهد لدمار مروّع.
وفي مستشفى «كمال عدوان»، الذي لطالما كان ملاذاً للمصابين وأملًا لشفاء الجرحى، انطفأت أنوار الحياة، ليصبح صمت المرضى وشهادات الناجين صرخةً جديدة تُضاف إلى سجلٍ طويل من المعاناة.
وفي التفاصيل، أعربت المملكة العربية السعودية، عن إدانتها الشديدة واستنكارها بأقسى العبارات لما أقدمت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي من حرق مستشفى في قطاع غزة، وإجبار المرضى والكوادر الطبية على مغادرته، ووصفت هذه الحادثة بأنها عمل غير إنساني يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولأبسط المبادئ الأخلاقية.
الواقعة بدأت عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية مستشفى «كمال عدوان»، وهو أحد المرافق الطبية الثلاثة الواقعة في شمال قطاع غزة، ووفقاً للتقارير المحلية، فإن هذه القوات أحرقت أجزاء كبيرة من المستشفى، وأجبرت عشرات المرضى ومئات من الكوادر الطبية والمدنيين على إخلائه.
وهذه الحادثة أثارت موجة من الغضب والاستنكار على المستوى المحلي والدولي، نظراً لما تمثله من استهداف مباشر للبنى التحتية الصحية والإنسانية.
اقرا أيضاً: السعودية: أوقفوا النار في غزة وادعموا «الأونروا»
وفي بيان رسمي، عبّرت وزارة الخارجية السعودية عن استيائها العميق من هذه الجريمة، معتبرة أنها انتهاك للقوانين الدولية والإنسانية، ودعت المجتمع الدولي إلى التحرك السريع لوقف هذه الانتهاكات المستمرة.
من جانبه، أكد الدكتور محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، أن هذه الجرائم المتكررة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين والمنشآت المدنية، بما في ذلك المرافق الصحية، تمثل انتهاكاً واضحاً لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، وأشار العيسى إلى أن الصمت الدولي تجاه مثل هذه الممارسات يساهم في استمرار هذه الجرائم.
وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بدورها أصدرت بياناً قالت فيه إن الاتصال انقطع مع الموظفين داخل المستشفى في بيت لاهيا، وهو مستشفى يعاني منذ أسابيع من ضغط هائل نتيجة العمليات العسكرية المكثفة التي تشنها القوات الإسرائيلية في المنطقة.
وكان قد أعلن جيش الكيان الإسرائيلي عن بدء عملية عسكرية في محيط مستشفى «كمال عدوان»، وزعم الجيش أن العملية تهدف إلى استهداف عناصر من حركة «حماس» الذين يُعتقد أنهم يستخدمون المستشفى كقاعدة لأنشطتهم، وادّعى أنه عمل بحذر لتجنب إصابة المدنيين والمرضى، مؤكداً أنه تم السماح بإخلاء المرضى والكوادر الطبية قبل بدء العملية.
إلا أن وزارة الصحة الفلسطينية نفت هذه المزاعم، وأكدت أن القوات الإسرائيلية اقتحمت المستشفى بالقوة وأجبرت المرضى والعاملين على خلع ملابسهم تحت ظروف قاسية في طقس بارد، ثم اقتادتهم إلى جهة غير معلومة، وأضافت الوزارة أن القوات الاسرائيلية أشعلت النيران في أقسام الجراحة والمختبرات، مما أدى إلى دمار هائل في المرفق الطبي.
شهود عيان في المنطقة أكدوا أن القوات الإسرائيلية أجبرت السكان المحيطين بالمستشفى على مغادرة منازلهم والتوجه إلى مراكز إيواء قريبة مثل مدرسة الفاخورة والمستشفى الإندونيسي شبه المدمر في جباليا.
اقرأ أيضاً: الدور المهم الذي قامت به السعودية لوقف الحرب ودعم غزة
بدورها، دعت حركة «حماس» إلى تحقيق دولي مستقل للكشف عن حجم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، وفي بيان لها، نفت الحركة بشدة المزاعم الإسرائيلية حول استخدام المستشفى لأغراض عسكرية، مؤكدة أن المرفق الطبي كان يعمل بشكل طبيعي تحت إشراف المؤسسات الدولية.
وفي ظل هذه التطورات، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية أسفرت عن مقتل 37 شخصاً، بينهم عدد من الأطفال والنساء، وتشير الإحصاءات إلى أن حصيلة القتلى منذ بداية الحرب تجاوزت 45,436 شخصاً، إضافة إلى تشريد غالبية سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
من جهته، أفاد الجيش الإسرائيلي في بيان له أن مستشفى «كمال عدوان» يُستخدم كمركز عمليات لحركة «حماس»، وأن عناصر الحركة ينفذون أنشطة عسكرية من داخله، وأضاف البيان أن العمليات تهدف إلى منع إعادة تنظيم صفوف الحركة، مع اتخاذ إجراءات لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين.
اقرأ أيضاً: غزة تتصدر ملفات اجتماع وزاري سعودي
لكن التقارير المحلية والدولية تؤكد أن استهداف المستشفيات والمرافق الصحية يفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، حيث وصفت منظمة الصحة العالمية الوضع في مستشفى «كمال عدوان» بأنه «مروع»، مشيرة إلى أنه كان يعمل بالحد الأدنى من الإمكانات قبل تدميره.
وفي تطور آخر، أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، عن تنفيذ عملية هجومية شمال قطاع غزة، وقالت في بيان إن أحد مقاتليها فجر نفسه بحزام ناسف في قوة إسرائيلية، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى بين الجنود الإسرائيليين.
وتأتي هذه الأحداث في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية التي بدأت بعد هجوم مباغت شنه مقاتلو «حماس» على بلدات في جنوب الكيان في السابع من أكتوبر 2023، في إطار عملية سميت «طوفان الأقصى».