بعد انتخاب المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة (عبد العزيز الواصل) رئيساً بالتزكية للجنة المسؤولة عن وضع المرأة والمساواة بين الجنسين عالمياً في دورتها التاسعة والستين والمقرر انعقادها عام 2025، وذلك خلال الاجتماع السنوي لمنتدى حقوق المرأة في نيويورك والمنعقد في السابع والعشرين من مارس الماضي 2024، أصبحت المملكة العربية السعودية بصدد مباشرة أدوار إصلاحية جديدة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي فيما يخص تلبية الطموحات الحقوقية للمرأة في كل مكان، انطلاقاً من هذا الحدث السنوي، الذي يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز حقوق المرأة على الساحة الدولية.
ويضع هذا المنصب قيادات العمل والتطوير والإصلاح بالمملكة أمام مسؤوليات نوعية تتطلب بذل المزيد من الجهد نظراً لما تقتضيه هذه المكانة الدولية من حيثيات جديدة ومنفتحة على القضايا الحقوقية العالقة بين الرجل والمرأة، الأمر الذي ستسعى خلاله هذه القيادات إلى تأطير مسارات حقوقية مرنة في الداخل، وناعمة في الخارج، ومتماشية مع النهج المعتدل والهوية الدينية الحضارية والتاريخية للمجتمع السعودي.
كتب: محسن حسن
المهمة والأولويات
وفي سياق هذا المنصب الرئاسي الدولي الجديد، تتحد جهود المملكة العربية السعودية من جهة، وجهود المنتدى الأممي لحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين من جهة مقابلة، لمواجهة المهام والتحديات المشتركة على كافة الأصعدة والمستويات؛ حيث ستتعاطى الرياض بمرونة واعية مع أولويات وآليات العمل الدولية الرامية إلى تمكين النساء وتسريع وتيرة التقدم في تلبية احتياجاتهن الحقوقية والإنسانية في جميع أنحاء العالم، وفقاً للمعايير العالمية التي تضعها الأمم المتحدة.
وستقود المملكة أعمال وفعاليات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، نحو آفاق جديدة من التعاطي الإيجابي للدول الأعضاء مع الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، لتذليل كافة الصعوبات والتحديات التي تحول دون تمكين الحقوق النسائية، وبالتالي، سيكون للدور الإشرافي للمنصب السعودي الجديد في هذه الهيئة الأممية، بعداً تحفيزياً مستقبلياً، نحو تصميم القوانين والسياسات والبرامج والخدمات اللازمة لضمان الوصول لمستوى متقدم من هذا التمكين، وهو ما سيخدم خطط الإصلاح السعودية المختصة بحقوق النساء بشكل كبير، ويُكسب المخطط السعودي خبرات دولية في هذا المجال أيضاً.
اقرأ أيضًا: الطب النفسي في المملكة العربية السعودية: تطورات وتحديات تدعم المرأة
بين النقد والمساءلة
وقد حمل اختيار المملكة العربية السعودية لشغل هذا المنصب بالتزكية ودون اعتراض من أعضاء اللجنة، رسالة قوية ترد بشكل عملي، على حالة التشكيك الدائم التي تتعرض لها البلاد من قبل أعداء الداخل السعودي، ممن يحلو لهم دوماً إظهار النقص وتجاهل الإنجاز، خاصة مع أهمية هذه اللجنة في تبني الدفاع عن حقوق النساء في العالم منذ إنشائها عام 1946؛ فهي من الهيئات واللجان الفنية الأممية الهادفة إلى مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه الأمم المتحدة في تعزيز المساواة بين الجنسين على الصعيد العالمي، وكون المملكة استطاعت شغل هذا المنصب النوعي المتعلق بالمرأة، فإن في هذا إشارة بالغة للمجتمع الدولي بأن الرياض تعمل بجد في تطوير الملف الحقوقي للنساء، وبأنها رغم حجم التوسعات الحقوقية الأخيرة في حق المرأة السعودية، ماضية في تقديم المزيد من هذه الحقوق.
ومن المتوقع أن يفضي هذا الاختيار الدولي الجديد إلى بعض الإصلاحات الدستورية والقانونية في المملكة، خاصة في ظل صدور بعض التقارير الدولية التي تنادي بالمزيد من منح الحقوق ورفع القيود عن المرأة السعودية، ومن ذلك تقرير لمنظمة العفو الدولية، يتحفظ على بعض ما جاء في مسودة مسربة لقانون العقوبات السعودي في ثوبه الأحدث، وخاصة فيما يتعلق بحريّة التعبير والإجهاض و درجة حماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهي التحفظات التي تدحضها الحقائق المطبقة على الأرض؛ حيث تحظى نساء المملكة حالياً بحريات وحقوق نوعية وغير مسبوقة في تاريخ البلاد، وفي كافة المجالات والأنشطة الإنسانية، الجادة منها والترفيهية.
استراتيجيات وأهداف
وبالطبع سيكون من بين أهم الاستراتيجيات والأهداف المنشود الوصول إليها والعمل عليها خلال مدة شغل هذا المنصب الأممي للمملكة، أن تصبح أهداف التنمية المستدامة واقعاً معيشاً وحاضراً بين النساء والفتيات، وأن ترتفع معدلات المشاركة النسائية في كافة الأنشطة الإنسانية والبشرية، وعلى قدم المساواة مع الرجل، ولتحقيق ذلك، ستعتمد القيادة السعودية الاستراتيجيات الدولية للأمم المتحدة في تمكين المرأة.
وهذه الاستراتيجيات يتم التركيز خلالها على أربعة محاور رئيسة أولها التمكين السياسي للنساء وفق سياق مستدام من المساواة، تستطيع المرأة في ظله قيادة نظم الحكم و المشاركة فيها والاستفادة منها.
وثانيها التمكين الاقتصادي والمالي للنساء، بحيث يتمتعن بالأمن والسلام داخل أوطانهن، ويحصلن على فرص متكافئة من حيث الدخل والعمل اللائق والاستقلال الاقتصادي.
و ثالثها التمكين الأسري والمجتمعي والإنساني للنساء، بحيث تعيش المرأة داخل مجتمعات العالم المحلية والدولية بمعزل عن جميع أشكال العنف والبطش والإيذاء.
وأخيراً التمكين الدبلوماسي والريادي للنساء، بشكل يستطعن عبره الإسهام بفاعلية في بناء السلام المستدام، ويتمكن من الحصول على الحماية الإنسانية والوقاية أثناء الكوارث الطبيعية والنزاعات.
اقرأ أيضًا: السعودية خلود المانع سفيرة تمكين المرأة.. نموذج يحتذى للنساء ومصدر إلهام للشباب العربي
الفرصة والقناعة
وفي إطار حرص الهيئة الأممية للمرأة على استدامة التمكين للنساء وإتاحة عالم أكثر شمولاً لهن من خلال تعزيز منظومة النهوض بآليات المساواة بين الجنسين وفق أجندة 2030 الدولية الشاملة، ستواصل المملكة مباشرة مهام منصبها الجديد، وفي مقدمة أولوياتها إزالة الكثير من ملامح الالتباس المتعلقة بحقيقة الملف الحقوقي ووضع المرأة السعودية في الداخل، وذلك من خلال إبراز القناعات الراسخة لدى القيادة السعودية بجدوى تمكين النساء ومساواتهن بالرجال.
وأيضاً من خلال إبراز القناعات السعودية العملية والتطبيقة، والتي تؤكد إيمانها وإيمان المجتمع السعودي ككل، بدور النساء المعاصر في تحقيق النهضة الاقتصادية وتحفيز النمو والإنتاج، وبأن من الضروري تقديم مساندة حقيقية للمرأة حتى تستطيع الخروج من دائرة الاضطهاد البشري والفصل المهني والفجوات الواسعة في الأجور والحقوق والمميزات المالية والمجتمعية قياساً بالرجل، وكذلك أهمية مساعدتها في الحصول على الرعاية الصحية والتعليمية، وتحجيم مظاهر العنف الذي تتعرض له، إلى جانب منحها التمثيل المناسب في دوائر صنع القرار السياسي والاقتصادي، وهو ما نجحت الرياض في اجتياز خطوات جادة وعملية في تحقيقه منذ إطلاق رؤية 2030، ولعل إصدار قانون الأحوال الشخصية السعودي عام 2022 والذي منح الكثير من الحقوق الأساسية للمرأة، يمثل دليلاً قوياً على هذا النجاح وعلى التقدم الوطني الكبير في المجال الحقوقي لنساء المملكة.
اقرأ أيضًا: استقبال طلبات الترشح لجائزة إنجازات المرأة السعودية 2024: كيفية التقديم!
منصب خادم
وبالنظر إلى أهمية شغل المملكة المنصب المشار إليه، نجد أن الفوائد الإصلاحية الشاملة التي ستعود على واقع المرأة السعودية، ستكون كبيرة وإيجابية، خاصة وأن هيئة المرأة بالأمم المتحدة أصبحت الآن ملتقى عاماً ورفيع المستوى من حيث الحضور العالمي للشخصيات والقيادات، وكذلك من حيث تفاعل مؤسسات المجتمع المدني والجماهير؛ حيث تحرص الهيئة في كل عام على مناقشة موضوع ذي أهمية في مجال التمكين المستدام للمرأة، بالتوازي مع السماح لمنظمات المجتمع المدني المعتمدة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمشاركة في الدورات والنقاشات والمداولات، وكذلك بتنظيم جلسات نقاشية خاصة على هامش الحدث، وتكفي الإشارة هنا، إلى أن الدورة الثامنة والستين المنعقدة في مارس الماضي 2024، شهدت مشاركة اثنان من رؤساء الدول، وثلاثة نواب رئاسيين، وأكثر من مائة وزير و أكثر من 4750 ممثل لمنظمات المجتمع المدني، تواتروا جميعاً على ما يفوق الألف حدث رسمي وغير رسمي.
وفي الغالب، ستكون كافة القضايا والتحديات النسائية المجتمعية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، متاحة للنقاش والتداول ضمن أنشطة الهيئة السنوية بما في ذلك وقت رئاسة السعودية للجنة، وعلى وجه الخصوص، القضايا المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية ومظاهر الإكراه والتمييز والعنف إلى جانب قضايا التمويل ومكافحة الفقر بين النساء وتوسيع نطاق الاستثمارات الهادفة إلى تعزيز المكانة الاقتصادية للنساء وخاصة المدينات منهن، ودعم آليات التعاون الضريبي الدولي لصالح الفئات المستضعفة والمجتمعات النامية والفقيرة، ومثل هذه المحاور والنقاشات المعنية بإصلاح أوضاع المرأة، ستفيد منها المملكة العربية السعودية كثيراً في خططها الإصلاحية المحلية، وخاصة مع توليها هذا المنصب والاحتكاك بكواليسه وتفاصيله وأروقته عن قرب.
اقرأ أيضًا: المرأة السعودية في القطاع العسكري .. شريكة الرجل وسنده في حماية الوطن
مهمة حاسمة
ويشكل تولي المملكة رئاسة لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة في الدورة القادمة خلال 2025 تحدياً كبيراً من عدة وجوه، الأول أن وضع المرأة في العالم لا يزال متراجعاً؛ فالعنف ضد النساء متعدد المستويات والأنماط، والوضع المالي للمرأة يؤكد انتشار الفقر وتأنيثه.
ومن جهة أخرى، يتزامن تاريخ تولي المملكة لهذه المهمة الجديدة، مع الذكرى الثلاثين لإعلان بيجين الذي اعتمده 189 بلداً في سبتمبر 1995، والذي يجسد أحد الآليات والمخططات التاريخية المعنية بالنهوض بحقوق المرأة على المستوى الدولي، فهو بحق يمثل مرحلة عالمية فارقة في تاريخ المساواة بين الجنسين، ومن ثم، سيكون للقرارات التي تتخذها القيادة السعودية أثناء شغل المنصب، الأثر الأكبر في تكييف حجم الطموحات والإنجازات القابلة للتحقيق وفق سياقات هذا الإعلان التاريخي؛ وذلك لأن هذه القرارات يتوقع لها أن تؤثر على مجمل الخطط والقرارات الأممية المنوط بها مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه النساء في كافة دول العالم.
وعلى صعيد آخر، ورغم الإدراك الكبير الذي تبديه المملكة تجاه كيفية التعاطي مع حملات التشويه المغرضة والمبالغ فيها، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن هذا المنصب النوعي سيفرض حاجة ماسة إلى وجود إدراك أكبر وأشمل وأوسع لطبيعة القرارات المتخذة خلال المرحلة القادمة في ظل مباشرة المهام على رأس اللجنة الأممية، ولعل ذلك قد يقتضي تعديل بعض القوانين أو صياغتها بشكل أكثر مرونة وإيجابية وقابلية للتطبيق وإحداث الأثر المرجو من ورائها.
كما قد يتطلب الأمر من المسؤولين السعوديين إضفاء المزيد من العملية القانونية فيما يخص التشريعات المعنية بالحقوق النسائية.
وبصفة عامة، يجب التأكيد على أن استحواذ الرياض على هذا المنصب في دورته القادمة، يعني أن المملكة العربية السعودية باتت قريبة جداً من دوائر صنع القرار الدولية، وهو ما سيساعدها حتماً ــــ من خلال المشاركة والتعاون الدوليين ـــ على دخول مطبخ الإصلاح والاستدامة الدولي في مجال الحقوق النسائية، ما يمكن معه أن تحصل السعودية على مردود إيجابي وخبرات إدارية وتخطيطية لم تكن لتحصل عليها لولا وجودها على رأس هذه اللجنة.
وفي كل الأحوال يجب ألا تتأثر القرارات السعودية سلباً بأية انتقادات من هنا أو هناك، خاصة وأنه يتضح من طبيعة هذه الانتقادات أنها تميل إلى العشوائية والحدة والبعد عن الموضوعية، وأن مجملها ينبني على إغفال كبير لطبيعة الهوية الثقافية والدينية للمجتمع السعودي، ما يعني أن المملكة أمام فرصة واعدة تستطيع من خلالها اكتساب خبرات دولية غير مسبوقة في المجال الحقوق، إلى إقناع الأطراف الدولية عن قرب، بأهمية احترام الخصوصية الثقافية والدينية للدول الأعضاء، وبأن حدوث هذا، لا يعني بالضرورة القفز على المعايير الحقوقية وأهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالعنصر النسائي.
اقرأ أيضًا: كم تبلغ نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل؟