في زمن تتشابك فيه التحديات العالمية وتزداد الأزمات الإقليمية تعقيداً، تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية لتكون نقطة فارقة في مسار العلاقات بين البلدين، وهي ليست مجرد زيارة رسمية، بل فرصة لتجسيد رؤية مشتركة لمستقبل متشابك بين الشرق والغرب، إذ تتقاطع المصالح السياسية والاقتصادية في مسعى مشترك نحو الاستقرار والتنمية.
ماكرون، في زيارته الثالثة للمملكة، يسعى إلى أن يكون شريكاً في تحولات السعودية التي تمضي بخطى ثابتة نحو المستقبل، فيما الأمير محمد بن سلمان، بتوجهاته الطموحة، يفتح الباب أمام شراكات استراتيجية تخطو بجانب المملكة نحو آفاق جديدة.
وفي التفاصيل، يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الثاني من ديسمبر 2024 الجاري، زيارة رسمية إلى السعودية بدعوة من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء، وتعتبر هذه الزيارة الثالثة لماكرون إلى المملكة، وتُعدّ «استثنائية» حسب مصادر الإليزيه، حيث تُصنف كـ «زيارة دولة»، وهي أعلى مستوى من الزيارات البروتوكولية، وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة نظراً للعلاقات القوية بين الطرفين، والتي تتسم بالعلاقات الشخصية التي تربط الرئيس الفرنسي بولي العهد السعودي.
تأتي هذه الزيارة في وقت حساس، حيث يسعى الطرفان إلى تعزيز علاقاتهما وتحويلها إلى «علاقات استراتيجية» سيتم الإعلان عنها بشكل رسمي خلال الزيارة، وبحسب الإليزيه، فإن هذه العلاقات سترتكز على خطة عمل مشتركة لمدة عشرة أعوام، وتستهدف تحقيق تطور شامل في مختلف المجالات.
اقرأ أيضاً: السعودية وفرنسا: ملفات ساخنة وتعاون مثمر
وتؤكد فرنسا دعمها للتحولات الاقتصادية التي تشهدها السعودية تحت إشراف ولي العهد، والتي تشمل انفتاح المملكة على الاقتصاد العالمي في إطار رؤية 2030، وفي هذا السياق، ترغب فرنسا في أن تكون جزءاً من هذه التحولات من خلال المساهمة في المشاريع الكبرى التي أطلقتها الرياض.
واحدة من أبرز النقاط التي تركز عليها فرنسا هي دعم الانفتاح الاجتماعي في السعودية، حيث ترى باريس أن المملكة بصدد تحقيق تحول شامل يهدف إلى لعب دور محوري في المنطقة وربط قارات ثلاث، وقد ظهرت هذه الطموحات في مجموعة من المشاريع الكبرى التي تستضيفها المملكة، مثل المعرض الدولي لعام 2030، والذي دعمت فرنسا ترشيح الرياض لاستضافته، بالإضافة إلى الألعاب الأولمبية الشتوية.
إلى جانب التعاون الاقتصادي، تتطرق الزيارة إلى القضايا السياسية والملفات الساخنة في المنطقة، بما في ذلك الوضع في غزة، لبنان، اليمن، وسوريا، فضلاً عن الملف النووي الإيراني، ومن خلال هذه الزيارة، تهدف فرنسا إلى تعزيز مكانتها كشريك رئيسي للسعودية في مشاريع التنمية، خصوصاً في قطاع الطاقة ومشاريع الاقتصاد الأخضر، حيث تشارك فرنسا في تطوير مشروعات مثل محافظة العلا التي يمكن أن تمثل نموذجاً للتعاون بين البلدين.
فيما يخص القضايا الإقليمية، سيكون الوضع في غزة في صلب المحادثات بين ماكرون والأمير محمد بن سلمان، حيث تأمل باريس في التعاون مع الرياض لإيجاد حلول دبلوماسية فاعلة، سواء من خلال وقف إطلاق النار أو العمل على إطلاق سراح الرهائن وحماية المدنيين.
اقرأ أيضاً: السعودية ترحّب بوقف إطلاق النار في لبنان وهذه بنود الاتفاق
كما تسعى فرنسا إلى التعاون مع السعودية لضمان استقرار لبنان، وهو الملف الذي سيكون في قلب المحادثات بين الطرفين، فيما تشمل هذه المحادثات تدعيم وقف إطلاق النار في لبنان، إجراء الانتخابات الرئاسية، ودعم عملية الإصلاح التي تنادي بها المنظمات الدولية، وتؤكد باريس على أهمية دعم الجيش اللبناني والعمل على إعادة إعمار البلاد.
وبخصوص الملف الإيراني، تتوقع فرنسا أن يكون هناك تركيز على ضرورة تغيير سلوك إيران في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بدعمها للميليشيات التي تزعزع استقرار دول الشرق الأوسط.
ستبدأ زيارة ماكرون بلقاء مع ولي العهد السعودي في الرياض، يليه عشاء عمل بمشاركة الوزراء المعنيين، كما ستتواصل المحادثات بين الزعيمين في اليوم التالي، حيث سيناقشان مختلف الملفات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى خطط التعاون المستقبلي في مجالات عدة، وسيكون هناك أيضاً العديد من الأنشطة في برنامج الزيارة، مثل زيارة «مترو الرياض» وحضور المنتدى الاقتصادي السعودي الفرنسي، إضافة إلى لقاءات ثقافية متنوعة، وفي اليوم الثالث، سيزور الرئيس الفرنسي محافظة العلا، حيث تساهم بلاده في تطوير بعض المشاريع السياحية والثقافية.
ختاماً، تأمل فرنسا من خلال هذه الزيارة، في تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع السعودية في مجالات متعددة، بما في ذلك الاقتصاد، السياسة، والثقافة، مع التأكيد على أهمية التعاون الوثيق في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.