وسط تطورات اقتصادية عالمية متسارعة، وتوجهات استراتيجية لتعزيز التعاون الدولي، تتجه أنظار المملكة العربية السعودية إلى الهند، حيث تستعد منظومة الصناعة والثروة المعدنية بالتعاون مع هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية للقيام بزيارة رسمية إلى الهند بين 3 و6 فبراير 2025.
وهذه الزيارة تأتي في إطار سعي المملكة لتوطيد علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، بما يعزز من فرص الاستثمار المتبادل في قطاعات الصناعة والتعدين، ويحقق أهداف «رؤية 2030» الطموحة لتنويع الاقتصاد وتعزيز مكانة المملكة كمركز صناعي وتعديني عالمي.
يقود الوفد السعودي وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، حيث تشمل محطات الزيارة كلاً من العاصمة نيودلهي والمدينة الاقتصادية مومباي، ومن المنتظر أن تتخلل هذه الزيارة اجتماعات رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين الحكوميين في الهند، إلى جانب لقاءات مكثفة مع شركات رائدة في مجالات التعدين والصناعات الكيميائية والدوائية وصناعة السيارات.
ويتضمن برنامج الزيارة سلسلة من الاجتماعات الثنائية مع عدد من الوزارات الهندية، بما في ذلك وزارة الفحم والمناجم، ووزارة الكيماويات والأسمدة، ووزارة الصلب، ووزارة الصناعات الثقيلة، ووزارة التجارة والصناعة، والهدف من هذه الاجتماعات هو توسيع نطاق التعاون بين البلدين، وتعزيز التكامل الاقتصادي في المجالات الصناعية المختلفة.
كما يشارك الوفد السعودي في طاولات مستديرة تجمع بين رجال الأعمال وقادة الشركات الهندية في قطاعات التعدين والصناعات البتروكيماوية والدوائية والسيارات، وتشمل قائمة الشركات التي سيتم الاجتماع بها أسماء بارزة مثل «بهارات» للمعدات الكهربائية الثقيلة، وشركة «Uno Minda» المتخصصة في صناعة مكونات السيارات، ومجموعة «فيدانتا» التعدينية، إلى جانب مجموعة «سنمار» الكيميائية.
اقرأ أيضاً: المعرض والمؤتمر السعودي الهندي 2025
وفي مومباي، المحطة الثانية للزيارة، سيتابع الوفد السعودي برنامجاً مكثفاً يضم لقاءات ثنائية وزيارات ميدانية لأبرز الشركات الهندية ذات الصلة بالصناعات الكيميائية والتعدين والتكنولوجيا، مثل «يو بي إل» للصناعات الكيميائية، ومجموعة «تاتا» للإلكترونيات، التي تعد من أكبر المجموعات الصناعية في الهند.
وتمتد العلاقات الاقتصادية بين السعودية والهند لأكثر من سبعة عقود، حيث شهدت نمواً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بتكامل المصالح الاستراتيجية بين البلدين، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو 66.8 مليار ريال (17.8 مليار دولار) في عام 2023، حيث شكلت الصادرات السعودية غير النفطية ما يقارب 23.3 مليار ريال (6.2 مليار دولار)، بينما بلغت واردات المملكة من الهند 43.5 مليار ريال (11.6 مليار دولار).
علاوة على ذلك، تستقطب المملكة استثمارات هندية متعددة في القطاع الصناعي، حيث تتوزع هذه الاستثمارات بين المدن الصناعية الكبرى مثل الجبيل وينبع، وتلعب دوراً محورياً في دعم التنمية الاقتصادية داخل المملكة، كما قدم صندوق التنمية الصناعية السعودي قروضاً بقيمة تقارب 269 مليون ريال (71.7 مليون دولار) لدعم مشاريع صناعية مشتركة مع الجانب الهندي.
وتعد صناعة السيارات من القطاعات الاستراتيجية التي تسعى المملكة إلى تطويرها، حيث تمثل السوق السعودية ما يقارب 40% من إجمالي مبيعات السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولتحقيق هذا الهدف، تسعى المملكة إلى تعزيز شراكاتها مع الشركات الهندية المتخصصة في تصنيع مكونات السيارات، ما يفتح الباب أمام استثمارات مشتركة تحقق نقلة نوعية في هذا القطاع الحيوي.
أما في مجال الصناعات الدوائية، فالسعودية تضع الأمن الدوائي ضمن أولوياتها، وتسعى إلى توطين هذه الصناعة لتصبح مركزاً إقليمياً في إنتاج الأدوية واللقاحات، مع تقدير حجم سوق الأدوية في المملكة بأكثر من 10 مليارات دولار، تعد الهند شريكاً رئيسياً نظراً لمكانتها كواحدة من أكبر الدول المنتجة للأدوية عالمياً، فيما يأتي التعاون مع الشركات الهندية في هذا المجال كخطوة أساسية لتعزيز الاكتفاء الذاتي في المملكة وتطوير قطاع الصناعات الدوائية.
اقرأ أيضاً: اتفاقية ربط كهربائي ما بين السعودية والهند
هذا وتمتلك الهند موارد معدنية غنية، حيث تأتي في المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج الألمنيوم، والرابعة في إنتاج خام الحديد، كما أنها من أكبر خمس دول في العالم من حيث احتياطيات الفحم، وفي المقابل، تعد السعودية مورداً رئيسياً للأسمدة الفوسفاتية، حيث تصدر ما يقارب 40% من احتياجات الهند في هذا المجال من خلال شركة «معادن» السعودية.
وبهدف تطوير القطاع التعديني، تسعى المملكة إلى الاستفادة من الخبرات الهندية في مجالات الاستكشاف والتعدين، وذلك ضمن خططها لاستثمار ثرواتها المعدنية التي تقدر بأكثر من 2.5 تريليون دولار، ويشمل التعاون بين البلدين استكشاف المعادن الحرجة والاستراتيجية، وتوظيف أحدث التقنيات الذكية في عمليات التعدين، مما يعزز من فرص الاستثمار المشترك في هذا القطاع الواعد.
وتولي المملكة أهمية كبيرة لجذب الاستثمارات النوعية في القطاعات الصناعية والتعدينية، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية 2030»، التي تهدف إلى جعل التعدين الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي بعد النفط والبتروكيماويات|، حيث تتمتع السعودية بمقومات تجعلها مركزاً جاذباً للاستثمارات الأجنبية، من موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث قارات، إلى بنيتها التحتية المتطورة وتوافر الطاقة بأسعار تنافسية، فضلاً عن بيئة الأعمال المتميزة والتسهيلات الحكومية التي تحفز المستثمرين.
ومن المتوقع أن تسفر هذه الزيارة عن توقيع اتفاقيات وشراكات تعزز التعاون بين البلدين، وتدعم الاستثمارات المتبادلة في القطاعات الصناعية الاستراتيجية، ومن خلال هذه الجهود، تسعى السعودية والهند إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام، يسهم في تنويع مصادر الدخل وتعزيز مكانة البلدين كمحاور اقتصادية رئيسية على الساحة الدولية.